تكثر في هذه الأيام الأحاديث في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وغيرها عن إنجازات الماضي وبطولاته لدرجة أننا اصبحنا نكرر نفس الخطاب ونمجد ونؤتي نفس الفعاليات كل سنة عند ما تحل ذكري الاستقلال الوطني حيث استحدثت الروابط والجمعيات الثقافية وكثرت اللقاءات الإعلامية التي تكرر
نفس الحديث. تمجد المقاومة المسلحة تارة وتارة أخري نري بعض الكتابات والخرجات الإعلامية تكثر الحديث عما بات يعرف بالمقاومة الثقافية وعن دورها الجبار في مقاطعة المحتل الفرنسي وتحريض المجتمع على مناهضته . لدرجة أنه قد يخيل اليك وأنت تتنقل بين القنوات المحلية أن تاريخ هذا البلد يصدق فيه المثل البيظاني القائل "تونكاد الا بين راجلين " ليحملك هذا التجاذب الفج بين إيحاءات الخلفيتين على فضول يفضي بك الى التساؤل و البحث فيمابين سطور ماضي هذا المجتمع عن أي أثرلأدوار باقي مكونات مجتمعنا بعد أن ضاقت سطوره المقروءة والمروية عن حمل ماخف منه
وفي الحقيقة هي كلها أمور تدعونا للتأمل والبحث وتحري الحقيقة خاصة مع عصر السرعة وتوفر المعلومة والوسائل المعينة على الوقوف على الحقائق والتي لن يكون بالإمكان تزوير التاريخ وإفتعال البطولات معها , غير أنه يجب علينا عزيزي القارئ قبل أن أدخل وإياك في تساؤلاتي أن نعرج على بعض المعطيات العلمية التي قد تكون مفاتيح للتأمل و منطلقا ومعطى يؤسس لتساؤلاتنا وتأملاتنا
أما المنطلق فهو أن جل الباحثين في علم الأنساب والتاريخ كتبوا عن أصول المجتمع الموريتاني وقسموها الى ثلاثة أعراق أساسية {البربر, الزنوج , العرب } صنفوها في ما بعد الى ثقافتين أساسيتين أو مكونين بالأحرى هما {البيظان ولكور} يتكون كل من هذين المكونين المذكورين من مجموعة من الطبقات حيث يتكون مكون البيظان من ( لعرب ـ ازواية ـ لمعلمين ـ لحراطين ـ إيكاون ـ آزناكه)و يحتوي كذلك مكون لكور بمجموعاته الثلاثة المعروفة على نفس الطبقات المذكورة في مكون البيظان مع الإختلاف الطفيف في بعض التفاصيل.
ومن المعلوم أيضا أن طبقتي لعرب وازواية هي الطبقات الأورستوقراطية داخل كل من مكوني البيظان ولكور وأنه إذا أتينا الى تسليط الضوء على طبيعة التعامل داخل المجتمع إبان فترة الإحتلال سنجد أن طبقتي لعرب وازواية من مكوني لكور والبيظان كانتا ولا تزالان هما اللتان تحتكران ريادة وتمثيل المجتمع ـ إذ لا ذكرلأدوارالطبقات المهمشة في المكونين {البيظان ولكور} في أي محور من محاور التاريخ خاصة إذا تعلق الأمر بالأداء التاريخي بشكل عام وبالمقاومات بشكل خاص ـ
وإذا أخذنا في الحسبان أن أدوار الطبقات الأوروستوقراطية إنقسمت مراعية التوزيع الوظيفي في المجتمع إذاك مابين مهتمين بالعلم والتعلم وآخرين منشغلين بحمل السلاح سواء ماتعلق منه بالذود عن الحمى {الإمارة أو التراب} أو ماتعلق منه بمحاولة صد المحتمل فاننا سنجد وكما كتب بعض المؤرخين أن هناك من إستقدموا المحتل و فضل دخوله بما يحمل من أهداف على حالات عارضة من إختلاف وإقتتال السكان المسلمين في ما بينهم بل وأفتي بحرمة قتاله ومناهضته في حين إستعان بعض أبناء أسرة الإمارة الواحدة بالمحتل علي بعضهم .هذا الى جانب توظيف جل المتعلمين تعليما عصريا في إدارة المحتل الفرنسي وعمل أصحاب اللغة منهم على تسهيل أعمال المحتل وتزويده بالمزيد من المعلومات عن خصوصيات المجتمع عن طريق ما عرف بمهمة المترجم " أملاز" بعد أن تلقوا التعليم في المدارس الفرنسية. السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نستقدم محتلا و تفتي قاماتنا العلمية بجواز دخوله وحرمة مناهضته ثم نتحدث بعد ذلك عن مقاومة ثقافية ؟؟؟
كيف نعمل على تسهيل الخدمات ونقبل بالتوظيف بل و نطلبه ونسخر طاقاتنا المادية والذهنية لخدمة المحتل {الترجمة وبقية الوظائف الإدارية الأخري} ثم نتحدث عن مقاومة ثقافية ؟؟؟
كيف نتعاون مع محتل ونزوجه من بناتنا ونعطيه العشر بل ونجمعه له ونبلغ عن الذين يرفضون ويتخفون ثم نتحدث عن مقاومة ثقافية ؟؟؟
وكيف يكون جل المتعلمين من أجيالنا الأولي (الجيل المؤسس) تلقوا تعليمهم في المدارس الفرنسية تحت إشراف وبرعاية المحتل ثم نتحدث عن مقاومة ثقافية ؟؟؟
كيف يختار المحتل من قاومه ثقافيا كما يرى البعض ثم يسلمه البلد ؟؟؟ أيعقل أن يكل المحتل إدارة بلد سيتضح في مابعد أنه لم ينهي مشروعه الإستعماري له عندما هم بالمغادرة الى من قاومه ثقافيا إبان وجوده على الأرض في فترة الإحتلال الواضحة ؟؟؟
لماذا إختار المحتل مجموعات بعينها سلم لها الحكم الظاهري للبلاد ؟؟؟ وما الدور الذي لعبته المقاومة الثقافية في تحصين أبنائنا ضد ثقافة المحتل وأدبياته خاصة الجيل المؤسس والأجيال التي تلته ؟؟؟ ألم تكثر موالاة المحتل في الزعامات التقليدية الأوروستوقراطية ؟؟؟
أين أثر المقاومة الثقافية في تكوين مجتمع يناهض المحتل ويثور ضد بقائه أين مظاهر السعي الجماهيري للتحرر من ربقة المحتل كأبسط تجلي للمقاومة الثقافية ؟؟؟ أين أثر المقاومة الثقافية في تخريج جيل متحرر على الأقل في قناعاته وتفكيره الإستيراتيجي يخوله في مابعد بناء دولة ذات سيادة وإرادة حرة بعد أن منحوا الإستقلال ؟؟؟
أين دور المقاومة الثقافية والمحظرة كمؤسسة تعليمية ذات خلفية إسلامية يقوم عليها علماء ومشايخ أين دورها في صياغة مجتمع مسلم سليم من أمراض الجاهلية وعبيتها وتفاضلها ومعاييرها العرجاء ؟ أين كان العلماء والمشايخ حين استحلت فروج نساء لحراطين واستبيحت أعراض لمعلمين وغيرهم من المهمشين المستضعفين وحين حكمت أعراف وعادات المجتمع وضرب عرض الحائط بشرع الله وأحكامه التي تدرس في المحاظر وعند ما نأتي للواقع والتطبيق يطاع سلطان المجتمع وتدار الظهور لحكم الله الذي لانجهله بفضل المحظرة؟؟؟
كيف نسمح لأنفسنا بالحديث عن مقاومة ثقافية بعد كل هذا ؟؟؟ أم أنه يصدق فينا المثل البيظاني القائل : " يعمل معاريفنا يموت ولل ينساو"
أما في مايخص " المقاومة المسلحة " فرغم أنني شخصيا لا أنكر وجود بعض جيوب المقاومة بشكل مسلح نال جنودها وقادتها الشهادة في سبيل ماكانوا يسعون اليه كل حسب نيته لا أنكر ذلك ولا أشك في وجود هذا المستوى من المقاومة . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف نحاول ربط الإستقلال بمقاومة مسلحة قضي على أواخر جيوبها في مطلع العقد الثاني لوجود المحتل على هذه الأرض 1910 تقريبا وكانت نهاية ما تبقي من معاركها في نهاية النصف الاول من العقد الثالث من عمر المحتل في البلد؟؟؟
ثم كيف لمقاومة قضي على آخر مظاهرها في 1934 أن تنتزع إستقلال منح في عام 1960 ؟؟؟ أي بعد نحو ربع قرن من تمحض البلد للمحتل دون منازع لا ثقافيا ولا عسكريا ؟؟؟
كيف إنتزعت "المقاومة المسلحة " الإستقلال بعد كل هذه الفترة ؟؟؟ وإذا كانت " المقاومة المسلحة " قد إنتزعت الإستقلال بالفعل لماذا لايتسلم المقاومون حكم البلاد بأنفسهم بعد نيل الإستقلال ؟؟؟
و من أين تأتي المقاومة المذكورة بالسلاح هل من البلدان العربية المجاورة التي كانت تئن تحت وطئىة المحتل الفرنسي أنذاك والتي بالكاد إعترفت موريتانيا كدولة بعد نيل الإستقلال ؟؟؟
أم إن السلاح كان يصنع هنا بأيادي محلية وجهود ذاتية ؟؟؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا لانجد ذكرا لصناع سلاح وذخيرة المقاومة في تاريخ البلد ومقاوماته ؟؟؟
وماهو الفرق بين صانع سلاح المقاومة وحامله ؟؟؟ وهل كان بامكان حامل السلاح أن يضرب عنق أي غازي أو مصدرخطر أي كان إذا لم يمده صانع السلاح بالسلاح والذخيرة الحية ؟؟؟
لماذا لانجد له أثرا في أي من أنواع المقاومة ؟؟؟ وما هو دور الطبقات الأخري ـ إذ من المعلوم أنه إذا ذكرت المقاومة المسلحة تنصرف الأذهان الى شريحة "لعرب " حملة السلاح وإذا ذكر مابات يعرف بالمقاومة الثقافية تنصرف الأذهان الى شريحة "الزواية " المهتمين بالعلم رغم منافسة لمعلمين في الإنشغال بالعلم الى جانب الصناعة وإشتهار بعض أسر إيكاون و لحراطين بالعلم والتميز به
الا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أنه من المعلوم أن المقاومة ظاهرة ولكل ظاهرة مجموعة من الأبعاد والجذورفماهو دور الشرائح المهمشة في المقاومة كظاهرة إجتماعية ؟؟؟
الم يقم إيكاون بالدور الإعلامي للمقاومة أين ذكره ؟؟؟ ألم يقم لمعلمين بدور صناعة الأسلحة وإنتاج الذخيرة الحية { تكوليب الرصاص } لظاهرة المقاومة أين ذكرهم وذكر أدوارهم رغم محوريتها؟؟؟
الم يقم لحراطين بتوفير الجوانب اللوجيستية لظاهرة المقاومة أين ذكرهم ؟؟؟
أيعقل أن كل هذه الشرائح الأخري لم يوجد من بين أبنائها من حمل السلاح والتصق بالقلم وتمثل القيم وساهم بطرق كثيرة في ظاهرة المقاومة ؟؟؟
أم ان التاريخ والأمجاد والإنجاز ذكره وإنتحاله حكر على بعضنا دون الآخر ؟؟؟
أيصب برأيكم الإقصاء الشامل الممنهج الممارس ضد الكثير من مكونات شعبنا ـ بدءا بغمط الأدوار التاريخية ومرورا بالإستعلاءوالازدراء وإنتهاءا بتكريس النتائج الحتمية لذلك في صور التهميش والإقصاء التي لاتخطؤها العين الموضوعية ـ في مصلحة شعبنا ؟؟؟ أيخدم هذا المسعى المتضمن و السلوك الملحوظ في مصلحة ومستقبل بلدنا ؟؟؟
هي تساؤلات وإستشكالات كثيرة تدعوا للحيرة وتبعث على إهتزاز الثقة والقناعة بصدقية كتابة تاريخنا ما لم تجد لها أجوبة شافية وكافية من الباحثين الموضوعيين والكتاب المشفقين على هذا البلد المسكين