الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع (الحلقة الأخيرة) / المرابط ولد محمد لخديم

 (ان كون الانسان ومنذ بدأ الخليقة حتى الآن, قد شعربحافز يحفزه الى أن يستنجد بمن هو أسمى  منه وأقوى وأعظم,بدل على أن الدين فطري فيه(160)

والعلم يعترف يعترف باشتياق الانسان الى أشياء أسمى منه...ان تقدم الانسان من الوجهة الخلقية وشعوره بالواجب انما هما أثر من آثار الايمان بالله والاعتقاد بالخلود...

  وان غريزة التدين لتكشف عن روح الانسان, وترفعه خطوة خطوة, حتى يشعر بالاتصال بالله,وان دعاء
الانسان الغريزي لله بأن يكون في عونه,هو أمر طبيعي,وان ابسط صلاة تسمو به الى مقربة من خالقه..
ان الوقار, والكرم, والنبل, والفضيلة,والإلهام, وكل مايسمى بالصفات الالهية, لاتنبعث عن الالحاد او الانكار الذي هو مظهر مدهش من مظاهر الفرد يضع الانسان في مكان الله!!.
وبدون الايمان كانت المدنية تفلس, وكان النظام ينقلب فوضى,وكان كل ضابط وكل كبح يضيع, وكان الشر يسود العالم.
فعلينا اذن ان نثبت على اعتقادنا بوجود الله, وعلى محبته وعلى الاخوة الانسانية, فان ذالك يسمو بنا نحوه تعالى اذ ننفذ مشيئته كما نعرفها, ونقبل تبعية اغتقادنا بأننا بوصفنا خلقه,جديرون بعنايته الالهية.(161)
     والآن عزيزي القارئ بعد أن عرفنا واقع العقل وعرفنا قدرته الإنتاجية وطريقته التفكيرية وأيقنا بوجود تشريع سماوي منزل من عند الله سبحانه وتعالى, عرفنا أن هذا العقل هو الذي اهتدى إليه, وانه لا يمكنه أن يستقل بمعرفة الله ولا أن يهتدي إليه إلا إذا صحبه في تطوافه الى تلك الغاية قلب, يتلقى عنه كل مدركاته فيحيلها عواطف وأحاسيس تشيع في النفس روعة وجمالا.
        ورأينا أن الإنسان عقل وعاطفة، فليس هو عاطفة فحسب ولا عقل فقط، بل هو الإثنان معا. والعاطفة هي المحرك، والعقل هو الموجه.. وهذا ما يقتضيه منهج الفطرة.
        وسلكنا معك عزيزي القارئ جميع الطرق الفكرية المؤدية إلى معرفة هذه الفطرة المركوزة في النفس البشرية وان هذه الفطرة التي فطر عليها الإنسان، بما عنده من غرائز وحاجات عضوية، دافعة إلى البحث والتنقيب عن الوسائل التي تروي وتشبع حاجاته وغرائزه، في فقه طبيعته أو عليه أن يفقهها..
       وأن العقلاء من الناس لايجدون صعوبة في رؤية مركوزية الفطرة من خلال أحوال الناس وسلوكهم، فالمريض الذي أضناه المرض، ويئس من الحصول على الشفاء، إلى من يلجأ ؟ والفقير الذي لايجد مايكفيه، ممن يطلب حاجته؟ والمكروب الذي ضاقت به الدنيا على سعتها،ممن يسأل الفرج؟
         هؤلاء وغيرهم ممن انقطعت بهم السبل إذا نظرت إليهم وقد تعلقت أبصارهم بالسماء ولسان حالهم يخبرك بما يختلج في صدورهم من صدق التعلق بالمحبوب كمشاعر داخلية عميقة تنزع بهم إلى اللجوء إلى من هو أقوى منهم..
         وتتبعنا معك هذه المشاعر الداخلية بالملاحظة الدقيقة ووجدنا أن أقواها الإحساس بوجود الله تعالى والرغبة في الخضوع له وكأنها أمر جبلي فطر عليه.
        وتوصلنا إلى هذه الحقيقة بالبرهان واستطعنا أن نحل هذه العقدة الكبرى، لأنه بحلها تحل جميع العقد عند الإنسان. وأن مسالة حل هذه العقدة الكبرى فيها ناحيتان:
       احدهما: الناحية العقلية، أي المتعلقة بالعقل، في نفس التفكير الذي يجري..
         والثانية: متعلقة بالطاقة الحيوية التي في الإنسان، أي بما يتطلب الإشباع، فالتفكير يجب أن يتوصل إلى إشباع الطاقة الحيوية بالفكر. وإشباع الطاقة بالفكر يجب أن يأتي عن طريق التفكير بنقل الواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ.
       وأنه اذا جاء الإشباع بالتخيلات والفروض، أو بتعبير ما هو واقع محسوس، فإن الطمأنينة لا تحصل، والحل لا يوجد.
       وإذا جاء التفكير بما لا يوجد الإشباع أي بما لا يتفق مع الفطرة، فإنه يكون مجرد فروض او مجرد إحساس، فلا يوصل إلى حل تطمئن إليه النفس، ويوجد الإشباع. فحتى يكون الحل حلا صحيحا للعقدة الكبرى، يجب أن يكون نتيجة تفكير حسب الطريقة العقلية وان يشبع الطاقة الحيوية وان يكون جازما بحيث لا يترك مجالا لعودة التساؤلات: من أنا؟ وما هذا الوجود؟ والى أين المصير؟.
        وبهذا يوجد الحل الصحيح. ويوجد الاطمئنان الدائم لهذا الحل ومن هنا كان من أهم أنواع التفكير: التفكير بالكون والإنسان والحياة، أي التفكير بحل العقدة الكبرى حلا يتجاوب مع الفطرة الذي يحصل به إشباع الطاقة الحيوية، ويكون جازما بحيلولته دون رجوع التساؤلات السابقة..
       وقد تحل العقدة الكبرى حلا خاطئا إذا ترك للطاقة الحيوية وحدها أن تقرر.
       فالإنسان بشعوره بالعجز فانه يحاول إشباع ما يتطلبه الإشباع ويملأ أجوبة التساؤلات المصيرية. ولكن هذا الطريق غير مأمون العواقب، وغير موصل إلى تركيز، فغريزته قد توجد في دماغه تخيلات أو فروضا لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
       وهي وإن أشبعت الطاقة الحيوية ولكنها قد تشبعها إشباعا شاذا كعبادة الأصنام، أو تشبعها إشباعا خاطئا كتقديس الأولياء.
     ولذلك لا يصح أن يترك للطاقة الحيوية،أن تحل العقدة الكبرى أو تجيب على التساؤلات؟ بل لا بد أن يجري التفكير في الإنسان والكون والحياة للإجابة على التساؤلات السابقة... إلا أن هذه الإجابة يجب أن تتجاوب مع الفطرة، حتى يتم بها إشباع الطاقة الحيوية وأن تكون بشكل جازم لا يتطرق إليه شك.
    واكتشفنا معك عزيزي القارئ أن هذه الفطرة شيء نحس به في داخلنا ولكننا لا نفهم كنهه، وأننا لا نستطيع أن نصل إلى هذه الحقيقة التي تبدأ معنا عندما نولد وتبدأ عملها مبكرا قبل الحواس.
وانه من بين جميع الديانات والمصطلحات الفلسفية والعقدية نجد دين واحد هو الذي عرفنا على هذه الحقيقة وأنها مرتبطة به ارتباطا عضويا متدافعة إليه تدافع الماء إلى منحدره. بدليل قوله تعالى﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ في قوله تعالى" تذكروا" دلالة على أن ما تذكروه مركوز في فطرتهم، وان غفلتهم أمر عارض سببه إغواء الشيطان. وإذا تأملت بداية الآية "إن الذين اتقوا"علمت ما الذي تذكروه؟ وما هو مركوز في فطرتهم. إنه خالقهم، ومحبوبهم وكل عمل يقربهم إليه.
        وإهتداء الإنسان إلى هذه الحقيقة أي إلى فطرته ليس كسبا رخيصا بل كبير، وغنم عظيم فيه يعيش المرء في سلام ووئام مع نفسه، ومع فطرة الوجود الكبير من حوله.
والحقيقة أن في فطرة الإنسان فراغا لا يملأه علم ولا ثقافة ولا فلسفة، وإنما يملأه الإيمان بالله الواحد الأحد جل شأنه.

    ولقد مثل القرآن الكريم فطرة الخلق السليمة في معرفة الله وثبوت وحدانيته وربوبيته وانه لا اله إلا هو بعد أن غرس ذلك في نفوسهم وفطرهم عليها بقوله سبحانه وتعالى ﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا... أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين﴾ (162).وكيف يغفل المرء عن الله وفيه هذه الغريزة المتطلعة إلى لله المتشوقة إليه.         
        ففي الوقت الذي أضفى القرآن الكريم على حقيقة الذات الإلهية من الصفات أضاف إليها من النعوت ما يميزها عن سائر الموجودات، ويجعلها في متناول الإدراكات الإنسانية، وفي دائرة ما يعرف بالعقل والوجدان قال تعالى﴿ فأعلم أنه لا اله إلا لله﴾(163)، بل يجعلها أجلى ما يعرف وأسمى واجل ما يعلم لذوي الفطر السليمة والعقول المستقيمة، لذا يرفض القرآن الكريم فكرة المشبه والمجسمة كلية.
        فالإله لا حاجة له أن يلبس حاجة البشر، كما انه منزه عن صفات البشر واخصها التجسد ويشير القرآن الكريم في سورة الإخلاص إلى جانب التنزيه بقوله تعالى ﴿قل هو الله أحد﴾ فبهذه الأحدية تقتضي التفرد والتنزيه عن المشابهة والمماثلة للحوادث، كما يشير إلى جانب الكمال والتأثير بقوله ﴿الله الصمد﴾ وهو المقصود للناس جميعا، الصمدية تقتضي اتصافه عز وجل بكل صفات التأثير التي هي صفات الكمال، ولم يكن أحد مكافئا ومماثلا له في شيء من صفاته كما يشير إليه قوله تعالى ﴿ولم يكن له كفؤا أحد﴾(164)  فالله في عقيدة الإسلام ليس إلا الموجود الأسمى المتفرد بكل صفات الكمال الحائز لكل معاني العزة والجلال، المهيمن على كل ما سواه ومن عداه، إليه تستند وجودات الأشياء ومنه تنبثق ما فيها من قوة وحياة وعنه وبإرادته تصدر كل ما فيها من حركات وكل ما يلحقها من تغيرات، وهو القاهر للخلق جميعا بما له من منطلق الأمر والنهي(207) قال تعالى ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (165).
           وقوله جل شأنه ﴿ قل هو الله أحد * الله الصمد* لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" (166).
من خلال ما أسلفنا يتضح لنا بالأدلة العقلية والنقلية أن الالحاد فقد كل أساس كان يقف عليه وانما نشاهده اليوم ونقرأ عنه انما هو مزيج من الجهل والعصبية و ان الذين يدافعون عنه انماهم بين جهل وضياع
       لقد أحسست في مواضيع خطيرة من هذا البحث أن أعيش بفكري وقلبي وجسدي _ جميعا _ (عشت بعقل الباطني وعقلي الواعي، استعدت ذكرياتي القديمة، منها ما هو من صميم التاريخ، ومنها ما هو من صميم العقيدة، وكانت ذكريات تختلط بواقعي، فتبدوا حقائق حينا، ورموزا حينا، وكان الشعور بها يغمرني ويملأ جوانب نفسي كنت دائما في كامل وعي.أخذتني الرهبة والخشوع عندما كنت وحدي، وكنت في هذه المرة الواحدة مع الناس ومع نفسي في وقت واحد.
       ..وجدتني أردد بلا وعي ما يقولونه. ووجدتني في الوقت نفسه وحدي وان كنت في صحبتهم.. كنت شخصية واعية بلا كلام وشخصية متكلمة بلا وعي(167).
         كانت الشخصية المتكلمة بلا وعي تردد كلام الآخر... وكانت الشخصية الواعية بلا كلام •ترتل بهدوء وصمت: قوله سبحانه: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا﴾ (168).﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ (169).﴿يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون﴾ (170). ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ (171).     
             •وتناجي ربها في صدق وصمت: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق، والساعة حق.    
            اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الهي لا إله إلا أنت.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.

(*): السلسة مقتطفات مختارة من كتابنا, دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم, تصدير: الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند, ومن تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية
بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م

نرحب بتصويباتكم وملاحطاتكم على  العناوين التالية:
[email protected]       [email protected]

https://www.facebook.com/lemrabot
 

5. ديسمبر 2015 - 13:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا