عودنا الباحثون عن مقاعد سياسية ممن هم قادمون من البرزخ الوظيفي الظهور بآراء متطرفة، لجلب الانظار أولا وللحصول على الاحتضان من طرف إحدى التشكلات السياسية، التي تجد في آرائهم شحنة جديدة تغذي به خطابها الذي سبق وأن استهلكته، ولم يعد لديها ما تقنع به مناصريها
المفترضين، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وفي الغالب يقوم هؤلاء الموظفون السابقون الذين انفصلوا عن الخدمة، بموجب تقاعد أو استقالة أو طرد، بالهجوم الممنهج على موريتانيا، لزعزعة أمنها داخليا، والاضرار بمصالحها خارجيا، من خلال ما يعتقدون بأنه خروقات في تسيير الوظائف التي كانوا يشغلونها مدفوعين بالرغبة في الانتقام ليس فقط ممن يتهمونهم بأنهم وراء (الظلم) الذي مورس عليهم أثناء خدمتهم، وإنما من موريتانيا كلها.
فما الذي فعلته لكم موريتانيا من سوء حتى تحاولوا زرع بذور الشقاق في لحمتها الاجتماعية التي ترى فيها مصدر قوتها واعتزازها؟. أين ستلجؤون بعد أن يختلط حابل هذه اللحمة بنابلها عند تفككها لا قدر الله؟ أو لا تتذكرون المحاولة الانقلابية سنة 2003 وما أصاب السكان الآمنين من ذعر دفع بهم إلى النزوح خارج مدينة انواكشوط تاركين وراءهم أموالهم ليعبث بها اللصوص؟ هل يمكن لأبنائكم أن يعتزوا بخدمتكم لوطن تكفرون بجميع قيمه وتطعنون في سيادته الوطنية وتحاولون من خلال الدعاية المغرضة زرع بذور العداوة بين مكوناته؟.
إن المعلومات التي نشرها أحد هؤلاء مؤخرا في بعض المواقع الوطنية عن حدث وقع في الفترة التي كان يتقلد فيها الوظيفة، والتي عززها بالرجوع إلى مصادر تمثل مراسلات سرية، مقدما أرقامها وتواريخها وجهة اصدارها بطريقة تدفعنا نحن المواطنين البسطاء الغيورين على هذا الوطن إلى أن نحمد الله على عدم توليه مركز يخوله الاطلاع على سر الدفاع الوطني، حتى لا يفشيه بعد فصله عن المهنة كما أفشى أسرارا أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها لما في افشائها من تهديد لللحمة الاجتماعية من جهة، ومصالح موريتانيا اقليميا ودوليا من جهة ثانية؛ والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح أين كان هذا الموظف أيام تلك الممارسات التي إلى حد الساعة لا نصدق وقوعها بالطريقة التي وصفها؟ أو لم يكن في مركز يمكنه من اعتراض تلك الممارسات أو الاستقالة على الأقل وذلك أضعف الايمان من باب تغيير المنكر؟ ليشهد له التاريخ بتمسكه بمبادئه ويكون لكلامه اليوم معنى كبيرا.
يا هذا إن جميع المعلومات التي تكلمت عنها حول أحداث 1991 ليس إلا قيء أنتنته الدعاية المغرضة النابعة عن أنانية دفينة، وقد حصلت على هذه المعلومات إن كانت صحيحة أثناء ممارستك لوظيفتك أو بمناسبتها وهذا بالضبط هو السر المهني، المحمي بقوة القوانين، حتى وإن لم تكن تعبأ بهذه القوانين وتضرب بها عرض الحائط فعليك على الأقل التقيد باحترام المهنة وأخلاقياتها التي أمضيت عقودا في ممارستها.
أما وصفك للمقاومين من العرب والزنوج بأنهم ارهابيين فهذا ليس إلا خرفا وتطورا جديدا لنظرة العنصرية، التي كنت تسوق لها حيث أنك كنت في ما مضى لا تهجم إلا على شريحة واحدة واليوم تناولت شريحتين معا، مما يبرهن على أنك لم تتبوأ المكانة السياسية التي كنت تحلم بها، فمتى كان المقاوم للاستعمار ارهابيا؟ حتى الفرنسيون الذين يمثلون الطرف الثاني في المعادلة والمتضرر الأول من تبعات المقاومة كانوا يحترمون استبسال وشجاعة هؤلاء البدو المشبعين بحب الشهادة ولم يصفوهم بالإرهاب. صحيح أن موريتانيا لم تولد بعد آنذاك حتى تكون مقاومتهم للاستعمار دفاعا عنها، لكن كان دفاعهم عن حماهم ودينهم اللذين تمخض عنهما فيما بعد ولادة دولة ذات سيادة ومكانة تجمعهم في بوتقة واحدة بمختلف شرائحهم تسمى الجمهورية الاسلامية الموريتانية، وبمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني التي دفعتك كما تقول للكلام عن المقاومة الوطنية فإنني أغتنم فرصتها للترحم على آبائك الأوفياء لهذا الربع الغالي الذين استشهدوا ذودا عنه ضمن المقاومين.