: كفى متاجرة بالدين / عثمان جدو

لا يتأخر المتحاملون عن المبالغة في التنظير والقفز على الحقائق ؛ سبيلا إلى عرض ترهاتهم والاجتهاد في إلباسها أثوابا من زور ..

لقد أصبح من السهل أن يتهكم أحدهم على رموز الدولة دون تقديم عذر صاف وواضح في عجز تام عن الإقناع بالأدلة الدامغة ذات الحجج الناصعة ..

لست هنا للدفاع عن الجنرالات ولا عن الرئيس ووزيره الأول الذين تعرض لهم الكاتب وهاجمهم في مقاله هذا المعنون ب - الوزير الأول والتأزيم المتعمد - لكني هنا فقط لرفض السكوت على تلك الصيحات المبحوحة التي لا يتوانى أصحابها عن محاولة تمريرها في لحظات الغفلة والانشغال .. إن هذه الصيحات لا تعدو كونها استجابات شرطية تحركها الحمية الشخصية للتهكم والهجوم على الشخصيات الوطنية ذات الطبيعة الاعتبارية في تهم غالبيتها تهم واهية في صياغات مائعة هدفها الأول هو النيل من الآخر غيرة رغم اعتباريته وحمية للآخر انتصارا رغم افتقاره لتلك الصبغة .. كثيرا ما يخلط دعاة الثقافة عندنا وبعض كتابنا والمنتصرون بشكل أعمى لغيرهم بين البراءة في التصرف والعمل المنظم والموجه لأغراض قد تخدم بالأساس في حقيقتها المخفية أجندات خارجية .

لقد انتشرت في فترة ماضية ظاهرة الأعمال الخيرة لأغراض ريعية سياسية في متاجرة واضحة بالدين ؛ويكفي للاستدلال على ذلك ؛بتقديم هؤلاء لمشاريع بناء مساجد وتنفيذ بنائها للموالين لهم سياسيا في أماكن يعتبرون فيها قلة وحرمان جيرانهم منها الذين يفوقونهم عددا لأنهم خصوم سياسيين ..! ، وما تقديم المساعدات من طرف هؤلاء أو من طرف هيئاتهم في المواسم السياسية إلا متاجرة واضحة وشراء ماكر بأسلوب الغبن لضمير المواطن الضعيف الذي يغتر بظاهر الأمور دون الفهم العميق لكنهها ، وطبعا لا يعتبر استخدام المال السياسي المستجلب من الخارج غالبا أشد جرما من تقديم الخدمات للتأثير على التوجه والخيارات .. قد تكون الصورة أوضح والوصف أدق ؛عندما يتم بيع الآخرة بغرض تافه من الدنيا ، وطبعا بعظم الجرم يعظم المأخذ .

لم يسلم الفقهاء في مقال الكاتب من التهكم حين وصفهم بمصدري الفتيا حسب الهوى والركون إلى الاحتيال والغش ..! ، أما التهكم على الرئيس ووزيره الأول فتلك أصبحت هواية مفضلة عن البعض ينتشون بها صباح مساء ، وينسون أو يتناسون أنها ثمرة لجهود   أول ما يذكر منها جهود من ينتقدون بشدة ويستبيحون حرمتهم ومكانتهم المعنوية ؛ التي تسيء الإساءة إليها إلى الأمة بأكملها .. وطبعا لولا تلك الجهود بمشيئة المولى عز وجل لما وصلت حرية التعبير إلى الحد الذي يصدر فيه هؤلاء ترهاتهم هذه دون عتاب ولا استنكار .. لقد أصبح تزييف الحقائق ونشر ثقافة الخدع الفكرية سمة بارزة لدى المتسمين مجازا بكتابنا ؛ فسهل عليهم إفشال الناجح وإفلاس الرابح وإضفاء صفة الظلم على ناشر ضده في تناس واضح لموقعهم الذي يبيعون فيه الدين ضحى  لتحقيق مكاسب سياسية ، ثم لا يتأخر هؤلاء عن نسيان ذلك والتباكي على خدمة الدين التي لم يؤسسوا لها أصلا ولم يعملوا على إرسائها وزرعها كثقافة ..

لقد شهدنا بأم أعيننا توزيع الأضاحي من قبل هؤلاء على الحلفاء السياسيين رغم غناهم وحرمان الغرماء منها رغم فقرهم..! ، إذا هي أعطية سياسية وليست أضحية ، وقبلها شهدنا تشييد مساجد تزامنا مع الحملات الانتخابية في أماكن نائية يقل فيها المصلون ويكثرون إلى جوارها ومنها يحرمون بفعل الخلافات السياسية ..! رغم أدائهم للمكتوبة في أعرشة أو في واهي أبنية ، ولقد شاهدنا بيع قطع أرضية بمبالغ خيالية كي تقام عليها مساجد ممولة من جهات خارجية في توجيه واضح للاستفادة المالية لأصحاب تلك القطع الأرضية التي تربطهم مع الموجه صلة قرابة أو تشاركية ربحية ..!

إن استخدام عباءة الدين ليتحرك فيها الجسم السياسي أمر مرفوض ومستنكر .. قد لا نعارض العمل الخيري بل نطلبه ونشتد اشتياقا له إذا أخذ طابعا دينيا بحتا ؛ بعيدا عن استغفال المواطن العادي صاحب التفكير الفطري السليم واستغلال براءته لأغراض تصرف حقيقتها عن ظاهرها .

2. ديسمبر 2015 - 13:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا