منذ تنفيذها لأول إنقلاب على السلطة سنة 1978 م ، لم تغب المؤسسة العسكرية عن المشهد السياسي في بلادنا كقوة وربما الوحيدة الصانعة للأحداث ، اليوم وبعد مرور 37 سنة توغل عناصرها المتقاعدين أكثر في المؤسسة المدنية وذلك من خلال سيطرتهم على الاتحاديات
والمنظمات غيرالحكومية ووقوفهم وراء جل الأحزاب السياسية الموالية ودخولهم على خط المنافسة بقوة في المجال الاقتصادي،وهو ما جعل منها المؤسسة الوحيدة المنظمة والقوية بحضورها بعمق داخل مجتمعنا خاصة في وجود أحزاب سياسية معارضة ولدت من رحم للا ديمقراطية وبنيت على ايديولوجيات مصعنة خارجيا بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية للمجتمع الموريتاني وتطلعاته وآماله.
والعرض العسكري الذي اقيم بمناسبة الذكرى ال55 لعيد الاستقلال الوطني في عاصمتنا الاقتصادية انواذيبو وما يحمله كل ذلك من دلالات مكانية وزمنية يرسل ثلاثة رسائل واضحة لدول المنطقة والعالم و أيضا للداخل الوطني ويرد على السؤال الذي أجل فخامة رئيس الجمهورية الرٌد عليه خلال المقابلة الصحفية الأخيرة
وقد جاءت الرسالة الأولى على لسان فخامة رئيس الجمهورية حيث قال أن استعراض قواتنا العسكرية والأمنية في عاصمتنا الاقتصادية انواذيبوهو رسالة داخلية الى الشعب الموريتاني و إلى المشككين فيما تحقق في البلاد من إنجازات، لقد صدعت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة رؤوسنا بالتطبيل والتزمير لنظام الحالي وكأن موريتانيا لم ولن تعرف خيرا قط قبله ولا بعده واختزلت 55 سنة من الاستقلال في فترة مابعد 2008 م.
والرسالة الثانية الموجهة لدول المنطقة فهي أن موريتانيا اليوم إستعادت نفوذها وأهميتها الجيوسياسية بالمنطقة ولم يعد من المعقول تجاهلها حيث لعبت دوراً رياديا في تأسيس مجموعة الدول الخمس في الساحل وإنضمت إلى عدة شبكات دولية وإقليمية وهو مايفسر بسياسة التعويل على البعد الإفريقي على حساب البعد المغاربي.
اما الرسالة الثالة المهمة الموجة الى الدول العظمى فهي أن موريتانيا أصبحت تملك جيشا قويا قادرا على كسهب رهان مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مما يخولها ان تكون عنصرا فعالا لا غنى عنه في تثبيت الاستقرار بالمنطقة وهذه النقطة تحسب لصالح النظام الحالى وتجعل من بقائه مطلبا دوليا تمليه الظرفية الدولية الحالية المتسمة بالحروب في كل الجهات وتنام كبير لظاهرة الإرهاب خاصة بعد عملتي باريس وباماكو، مما سيمكن النظام من الاستقواء بالخارج على حساب المطالب الداخلية الوطنية من ترسيخ للديمقراطية وتناوب سلمي على السلطة ويطرح أكثر من تساؤل حول مصير الحوار المرتقب ومدى وحجم التنازلات التي ستقدم فيه.
وبخصوص موقف غالبية شعبنا المغلوب على امره فحاله يذكرني بمقولة شهيرة للزعيم
الصيني دينغ شياو بينغ (1904-1997)، مهندس نهضة الصين وانفتاحها على الخارج الذي حول الصين من بلد فقير الى قوة اقتصادية عالمية ومن مجتمع زراعي بحت الى مجتمع
أي(不管黑猫白猫,捉到老鼠就是好猫) صناعي وقد جسد هذا التوجه بمقولته الشهيرة
"ليس مهما أن يكون القط أسودا أو أبيضا طالما أنه يصطاد الفئران". وكذلك الأمر بالنسبة للمواطن الموريتاني البسيط ، فلا يهمه ان كان الحكم مدنيا أوعسكريا المهم أن يكون قادرا على تحقيق الأمن والتنمية والحكم الرشيد.