"في عام 1999 أطلقت الأمم المتحدة مبادرة بشأن المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال حددت فكرة المشاركة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق تنمية المجتمعات، البنك الدولي عرف المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال بأنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمشاركة في التنمية المستديمة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي لتحسين ظروف معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية في آن واحد"
في المغرب و السينغال" تعرف الصناعات السمكية تطورا كبيرا و نموا مضطردا و ازدهارا مدرا و انتشارا لمنتجاتها المتنوعة لافتا على الرغم من أن شواطئهما أقل احتضانا و تكاثرا للأسماك من شواطئنا بفضل ما أوعها الله من أشباب ذلك مناخية و أعماقا مناسبة و عوامل طبيعية و استثنائية أخرى اجتمعت لها دون سواها حتى أصبحت منطقة استقطاب و هجرة عديد أنواع السمك و الرخويات عالية الجودة و غيرها من فقمات و عجول و أسود و ثعالب البحر النادرة؛ ثروة نادرة يحسدنا عليها الجميع من حولنا و يتهافت للاستفادة منها من خلال أساطيل رجال أعماله أوروبيين و آسيويين و أمريكيين، مجهزة بإتقان و معدة بقوة لنهب ساكنة السطح المائي و سحيق قيعانه من الكائنات و الطحالب التي تعيش في أحضانها تحتمي بها و تتغذى على ثمارها و أجزاء منها.. رجال أعمال دول يخططون بوطنية عالية لإحياء و حماية كائنات بحارهم من الاستغلال البشع و الاندثار اللاحق و يتوجهون بالأساطيل المكلفة إعدادا و تجهيزا إلى بحار غيرهم ليشتروا بعد الاصطياد ثرواتها بثمن بخس و خدش مهين لحياء أهلها و الحد من سيادتهم على مياههم الإقليمية.
ذاك هو حال رجال الأعمال مع قطاع الصيد البحري، و أما المجال الزراعي فحدث بدون حرج عن إهمالهم إياه و البلاد تحتفل بمرور خمس و خمسين عاما على استقلالها و علمُها يرفرف على ضفة نهر جار معطاء و أراض خصبة لو أعطيت الصين لحققت اكتفاءها الذاتي في المجال الغذائي ثم باعت أضعاف ذالك للعالم من حولها.
لقد تهافت رجال الأعمال على الأراضي التي استصلحت الدولة و لم ينتجوا واحدا في الألف مما يستوردون من الأرز التايلاندي و السريلانكي و الهندي بالعملة الصعبة، التي تحتاجها البلاد لتنمية قدراتها العلمية و الإنتاجية، بحثا عن أرباح سريعة لأموال تخدم رفاههم و تلبي تشبع غائزهم فيما تكبح جماح تطور بلدهم و تجعلهم فريسة إدمان المنتج المستورد.
و أما الدواء فلا تخشى قول أن البلاد تعاني غياب أبجديات الصناعة الدوائية القاعدية التي توفر ملايين الوحدات من العملات الصعبة كالأسبرين و البرساتامول و غيرها من المواد الغالبة الاستعمال و التي لا تكلف صناعتها كثير مواد و كبير مستلزمات و معدات و معارف عالية. و الذي يزيد الأمر إيلاما أن السينعال و المغرب و الجزائر الدول المجاوزة قد حققت في ذلك المجال و غيره تقدما هائلا فانتشرت المصانع يديرها رجال الأعمال المخلصين حتى باتت تصدر للخارج.
و هل من الإنصاف أن لا نتحدث عما هو واقع أليم من إهمال رجال أعمالنا لكل الصناعات القاعدية التي تصون العملة الصعبة و تحارب البطالة و الفقر و الفاقة و تؤمن التكوين المهني و الخبرة الصناعية، و هم الذين يكدسون الأموال الكثيرة يحصلون على أغلبها من الدولة التي يتلاعبون بمشاريعها و لا يعبؤون بتوجهاتها التنموية و يتمالؤون مع المرتشين من مسؤوليها الكبار في مواقع و دوائر التسيير و التخطيط و التوجيه و التنفيذ.
و ليس سرا القول بغياب دور رجال الأعمال الشديد في الشأن الاجتماعي و تخلفهم عن واجبهم في هذا المجال الهام و الحيوي لبناء الأمم و قيام الدولة على أسس مكينة. فمتى ما غاب هذا الدور ترى التباين بين الفقراء و الأغنيان يضفي مسحة من البؤس تقود إلي حراك التظلم و المطالبة برفع الغبن لتصطلي الدولة بنيان هذا الغضب المبرر.
و لأن رجال الأعمال المنهمكين في أقل أوجه التنمية وقعا إيجابيا على الوطن و ساكنته، لا يبيتون، بما يقومون به من انحسار الخدمة على ذواتهم، نوايا التقدم لبلادهم و الخدمة لمواطنيهم فإنهم لا شك أقرب بذلك النشاز لدائرة الإهمال منها لدائرة الأعمال.
و لا ينبغي للدولة أن تظل في غفلة عن هذا الجانب الهام من عموم شأن "الحكامة" الرشيدة علما بأن الدول من حولنا بدأت في إطار لا مركزة "الحكامة" لديها تعتمد، في الجانب التنموي بما يقتضيه و يمليه و يفرضه الاقتصاد، على رجال الأعمال الذين أصبحوا من صفوة المتعلمين و ثروة المثقفين و أجدر المخططين و علية السياسيين حتى باتوا أشهر الوزراء و أبرع المخططين الاقتصاديين و ألمع السياسيين يرفعهم إلى كل ذلك كله ما يقدمونه لبلدانهم من مقومات التنمية و لشعوبهم من وسائل الرفاه و لدولهم من أسباب التقدم و الاستقرار و الأمن و الأمان.
و إنه بهذا وحده يكون دور رجال الأعمال إيجابيا و حضورهم معتبرا و مقدرا، و ما عدى ذلك فإنهم يشكلون سببا أساسا من أسباب التخلف، و مدعاة حقيقية إلى الحيف و الغبن و الاقصاء، و وسيلة جائرة لخلق و اتساع الهوة بين الأغنياء و الفقراء، و تصرفا خطيرا يميل إلى إضعاف الدولة في بنيتها، و سببا لترهل سياستها حتى تصاب بالشلل و تنفتح الأبواب على مصراعيها باتجاه كل احتمالات أسباب الشقاق و الخلاف و ما قد ينجر عنهما من ميل إلى ما لا تحمد عقباه.
فهل تؤطر الدولة رجال الأعمال و توجههم من خلال مسطرة قانونية مقننة و محددات أخلاقية و تعاملية مضبوطة إلى المشاركة الفعالة في التنمية المستدامة و نشر أسباب العدل و الرقي و الازدهار بعيدا عن ممارسة السطو على ممتلكات و أموال ميزانية الدولة بالتحايل و التواطؤ و مقدراتها بالحضور السلبي لتسخيرها للخارج مقابل عمولات زهيدة من تحت طاولة خيانة الوطن و الزهد فيه بأقل الأثمان و في ازدواجية الغياب المفجع للوازعين الوطني و الديني.