10 ملاحظات هـامة حول إغلاق معهد " جكني"/ سعدبوه ولد الشيخ محمد

طفت على السطح خلال الأيام الماضية مقالات، وتعليقات، ومواضيع، تتحدث كلها عن حرب شعواء على القرءان الكريم، والإسلام، والمسلمين، انطلقت شرارتها من مدينة جكني بالشرق الموريتاني، وبعد متابعة كل ما نـُشر حول الموضوع، والاطلاع على جوانبه المختلفة، ورؤية المسألة من زواياها 

المتعددة، ارتأينا أن نبين الملاحظات التالية:

أولا: الانتـقـائية..

نريد أولا أن نُسلم جدلا مع المنتفضين دفاعا عن القرءان الكريم بأن الحكومة تخوض حربا عليه، وأغلقت بعض معاهده، لكن لا يمكننا أن نفهم " الانتقائية" في الدفاع عن القرءان، فالسلطات أغلقت بنفس القرار معاهد في كل من النعمه، وتنبدغه، ومناطق أخرى، فلماذا يتم تجاهلها، ويكون التركيز فقط على معهد جكني ؟ هل لأن قرءان أهل جكني غير قرءان المناطق الأخرى ؟ أم أن المناطق الأخرى تستحق – برأي المنتفضين- التجهيل، والتفسيق الذي قصدته الحكومة برأي هؤلاء؟

ثانيا: رفض الحديث عن السبب

يلاحظ المتابع لهذه الهبة، والثورة القادمة من الشرق أن أصحابها يتحاشون الحديث عن سبب إغلاق معهد جكني، ويقفزون مباشرة إلى استنتاجات، تصادف هوى في نفوسهم، فالسبب عدم حصول المعهد على ترخيص قانوني، ويحاولون الالتفات على ذلك، بالحديث أحيانا عن إغلاق معهد، وأحيانا أخرى عن محظرة، لتفادي الإشكال القانوني حول الموضوع.

ثالثا: التضليل المـُتعمد

يحرص المنتفضون غيرة على الإسلام، ودفاعا عنه في وجه هجوم الحكومة عليه، يحرصون على ربط كل ما يحدث في مقاطعة جكني بشخص الوزير الأول يحي ولد حدمين، فلو تأخر المطر عن جكني فذلك بسبب دعوات الوزير الأول، ولو طال المخاض بسيدة في المدينة، فلأن الوزير الأول أوعز بذلك، أما إذا تأخر معلم عن مدرسته 10 دقائق، أو تم تحويل مدرس من، وإلى جكني فذلك قطعا من سابع المستحيلات أن يكون إلا بفعل تدخل مباشر من الوزير الأول، ولو سلمنا بمنطق هؤلاء، فكأن الوزير الأول لم يعد وزيرا أول لحكومة موريتانيا، بل بات مكلفا بتسيير جكني.

إن إغلاق معهد، أو مدرسة، أو تحويل مدرس، هي أمور طبيعية، وتحدث بشكل روتيني، وتتم عادة على مستوى المديرين، ولا تصل حتى إلى الوزير الوصي، أحرى أن تتجاوزه إلى الوزارة الأولى، إلا في هذه الحالات التي يصر أصحابها على جعل أنفسهم خصوما، وأعداء، وأندادا للوزير الأول، في معركة تبدو من طرف واحد.

رابعا: التناقـض الفاضح

من المفارقات العجيبة، والتناقضات الغريبة أن بعض من ينتقدون حاليا إغلاق معهد جكني لعدم ترخيصه، كبروا، وهلـلوا، ورحبوا، ورقصوا قبل أسابيع عندما أغلقت وزارة التهذيب الوطني نحو 100 مدرسة للسبب ذاته (عدم الترخيص) فهل لأنما يـُدرس في مدارسنا هي مناهج يهودية، ومبادئ بوذية، ومعتقـدات وثنية، وما يدرس في المعاهد هو وحي من السماء، لذلك نـُهلـل لإغلاق المدارس، ونغضب لإغلاق معهد جكني؟.

خامسا: الوصاية على الدين

إن الشعب الموريتاني بكامله هو شعب مسلم، مـُسالم، يحب القرءان، وأهله "جبلية" وليس " تسيسا" أو مناسباتيا، لذلك فمن غير المفهوم أن يسكت الشعب الموريتاني بكامله على حرب شعواء تقودها حكومته على القرءان وأهله، وهذا الشعب يتظاهر من بير ام اكرين إلى كوري، ومن انجاكو إلى فصاله احتجاجا على تدنيس المصحف الشريف في أمريكا، أو الإساءة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في فرنسا، أو أي بقعة من الأرض، فليس مفهوما، ولا مستساغا أن يسكت الشعب الموريتاني، وينتفض، ويصرخ  أشخاص مـُعينون، يجمعهم قاسم مشترك واحد، هو انتماؤهم رسميا، أو عمليا لحزب، أو جماعة محددة ؟!!

إن مسألة المزايدة بالتدين، أو ادعاء القرب من الإسلام، على حساب الآخرين، مسألة مفروغ من عبثيتها في موريتانيا، فلا يوجد من لديه هذه الصفة، فالكل مسلمون، يحبون القرءان الكريم، قبل أن تطرأ إكراهات السياسة، فالوزير الأول ولد حدمين ينحدر من أسرة طيبة أصلها ثابة في القرءان الكريم، لا يمكن لأي كان أن يزايد عليها في حب القرءان الكريم، ولا في الانتماء لجكني.

سادسا: الضجيج الإعلامي، والاستغلال السياسي

يتوقع المراقبون أن يصدر خلال الأيام القليلة المقبلة بيان عن أحد الأحزاب السياسية المعارضة، يندد، ويشجب، ويدين، ويمقت، إغلاق معهد ورش في جكني، ويؤكد البيان وقوف الحزب مع الهبة، والثورة، والانتفاضة المباركة، التي خرجت دفاعا عن القرءان، وأهله، ورفضا للحرب التي تمارسها الحكومة على الإسلام والمسلمين.

وسيصدر هذا البيان بعد أن تكون الأرضية قد تم تمهيدها، بفعل حملات إعلامية، دعائية، مـُكثفة، تمهد ذهنية المواطن لتقبل مثل هذا البيان، وهذا ما شهدناه في حالات مماثلة سابقا، يكون الإعلام في المقدمة، للاستطلاع، وجس نبض الشعب، وتخدير ذهنية المواطن، قبل العملية الجراحية التي تكون عبر استغلال سياسي لهذا الحدث، وترجمة الحملة الإعلامية إلى مكاسب سياسية، تكون في النهاية هي الهدف من كل ما جرى.

سابعا: الدين وقودا للسياسة

بما أن الشعب الموريتاني شعب مسلم بكامله، بل وأكثر من ذلك سـُني بكامله، وأكثر من ذلك، أشعري، مالكي، ينبغي للدولة أن تقترح في الدستور مادة تـحرم، وتجرم استغلال ديننا الحنيف لتحقيق أهداف سياسية رخيصة، فالإسلام فوق الجميع، نظاما، ومعارضة، ولا نقبل أن يـُقصر أي أحد في الدفاع عنه، وحمايته، لكن لا ينبغي أن نسمح لأحد باستخدام الدين في أسلوب تكتيكي ليزايد على خصومه السياسيين، أو ينتقص من " إسلاميتهم" ويوزع صكوك الغفران، والإدانة حسب هواه.

ثامنا: القناة، والإذاعة، والمعهد

إن المراقب المحايد سيقع في حيرة من أمره، ويصيبه الذهول، عندما يسمع البعض يقول إن حكومة النظام الموريتاني الحالي تشن حربا على الإسلام، والقرءان الكريم، يذهب إلى الإعلام المرئي، فيجد قناة " المحظرة" تبث 24 ساعة، على 24 وجميع ما تبثه كله قرءان، وسنة، وفقه، وأخلاق، وعبادات، يمتحي من معينها مسلمو ماليزيا، وبورما، وكوبا، تماما كما ينهل من معينها الطيب جميع مواطني موريتانيا، والعالم الإسلامي، أم أن مدينة جكني لا يصلها بث قناة المحظرة ؟.

وفي الفضاء السمعي يجد المرء إذاعة القرءان الكريم، وهي محظرة، أو معهد يدخل كل بيت في موريتاني، في المنزل، وفي محل الحلاقة، والسيارة، وعلى ظهور الجمال، فلهـُواة " المعاهد" ألا تكفي إذاعة القرءان الكريم معهدا ؟، وكم يستفيد من خدمات إذاعة القرءان الكريم، وقناة المحظرة، مقارنة بمعهد جكني؟ّ!.

إن حكومة قامت بهذه الإنجازات من تلقاء نفسها، دون أن يكون ذلك شرطا من حزب سياسي للدخول في الحوار، لا يمكن اتهامها بمحاربة الإسلام، والقرءان، إلا إذا كانت غاية المصلحة السياسة، تبرر وسيلة الاتهام، حتى لا أقول شيئا آخر.

تاسعا: نصف الكأس الفارغ

صحيح أن خدمة القرءان، والإسلام واجب على كل مسلم، وبالتالي لا شكر على واجب، لكن صحيح كذلك أن من لا يشكر الناس، لا يشكر الله، وقال تعالى: ( .. لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)صدق الله العظيم.

موجبه أنه كان علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى أن وفق حكومتنا، ورئيسنا لافتتاح إذاعة، وقناة خاصتين بالقرءان الكريم، وعلومه، لعل الله يزيدهم هداية، بدل أن نتهمهم بالحرب على الإسلام.

عاشرا: مع الترخيص، وضد الإغلاق

إن الهدف من كل ما سبق ليس الدفاع عن إغلاق معهد، أو محظرة، فأنا شخصيا لا أرغب إغلاق محل صغير لبيع رصيد الهاتف، أحرى إغلاق أي معهد، لكن الهدف هو توضيح المسألة، وجعل الأمور في نصابها الصحيح، لذلك كان على المنتفضين غيرة على القرءان – ونحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا- كان عليهم أن يطلبوا ترخيصا من الوزارة المعنية، وإذا مـُنعوا من الترخيص، حينها جاز لهم أن يحتجوا، أما أن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها، ويحاولوا تجيـيـش مشاعر الشعب، عبر استخدام القرءان الكريم بهذه الطريقة، فتلك خطوة مشبوهة، حتى لا نقول كلام حق أريد به وجه السياسة.
 

7. ديسمبر 2015 - 15:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا