يعاني بعض الكتاب من إشكال مرتبط بترجيحات المفاضلة بين خيارين يتمثل احدهما في موقف الصمت اتجاه طوفان الفساد اتقاء لشر رموزه ، لايهمهم في ذلك أن السكوت على الفساد في هذه البلاد هو سبب ديمومته بها. أما الخيار الثاني فيتجسد في الحديث عن ما يطبع واقعنا من علل و غرائب وآثام . على هذا النحو ، إذن ،
تتردد مدارك و مواقف ( النخبة ) عبر أرجوحة تميل بالبعض نحو ضرورات الصمت و تفرغ على البعض صبرا يجعله يقدم فريضة استنكار أوضاع أسنة يريد المنتفعين بها أن تبقى على ماهي عليه.
و بما أن فروض الكفاية تتحول إلى فرض عين حين يودي ضعف المستوى المعرفي و العقائدي للجميع بترويض الألسنة و المواقف ، فقد قررت استئناف التحسيس ببعض أمراضنا الوراثية عبر كشف جزء من ما يجري بالجامعات (العربية ) من انحرافات عن المسار المفترض بها سلوكه ، و ذلك من خلال تقديم نماذج من أشكال التردي بجامعة نواكشوط . حيث يتبين أن ثمة فسادا ترعاه أنظمة ترى أن من مصلحتها خلق نظام (تربوي ) يجمد العقول عن التفكير الحر و يسكن الجوارح عن الجهد الايجابي، ويساهم فيه الأستاذ و الإدارة الأكاديمية/ الجامعية.
ففي جامعة نواكشوط ، على سبيل المثال ، و بالذات كلية الآداب تجد نفسك أمام وجه للفساد يحمل اسم : مركز الدراسات و البحوث ، يتعلق الأمر هنا بمركز يتكون من مجلة و جهاز حاسوب و مدير. تلك المجلة التي تجعل من الغثاء مادة صالحة للنشر واضعة بذلك حدا لكل ذلك ( الغط ) الدائر حول أصول القيمة العلمية و درجة الأصالة ، مستخدمة بذلك سلطتها في التحكيم لنشر ترهات الزبناء. و الأهم من ذلك أنها تستبيح مقالات من لا تربطه علاقات زبونية أو قرابية بالمدير و أولياء نعمته. و الأهم من هذا وذاك هو قيام مسير هذا الحانوت بسرقة الأجزاء/ الحيوية من مقالات من لاتروق شخصيته لمدير المجلة/المركز. أما المدير و جهازه المبرمج – حسب بعض جلسائه- على برامج اللعب و الغناء و أفلام العنف و ابو.. نوا- فقد ضمن مستقبله الإداري هنا بعد أن اتخذ من المكر و القرابة .. سلما و مواد سحرية للخلود الأبدي في هذا المركز.
داخل نطاق هذا الوسط المتكلس توجد أشياء أخرى عجيبة يتمثل بعضها في ميل مركز (العقل ) الإداري بكليتي هذه الجامعة نحو التمكين للأساتذة الذين عرفوا بتميع الوسط الأكاديمي عبر تزيف نتائج الطالب و إغراء الطالبات كسبيل للاستمتاع بأجسادهم. لا اعرف ، بدرجة قاطعة لماذا تعظم و تفضل هذه الشخصيات الفيروسية وتسند إليها إدارة مراكز البحث و رئاسة بعض الأقسام. لكن العارفون ببواطن الأمور هنا يقولون أن السر الذي تستمد منه هذه العينة من الأشخاص (حظوتها هنا ) يتمثل في أمرين هما : القرابة ، و قابلية تأدية كل ما تؤمر أو يومأ إليها به من قبل سادتها ، إنها باختصار العناصر المكلفة بالمهمات القذرة. تلك بعض أعراض وسط يعاني من طوفان التسيب ، يضاف لها أن ثمة رئاسة مصالح و رئاسة أقسام تبدو كما لو أنها ملكية خاصة لمن يتخذ من المكر و القرابة سلما للتسلق و البقاء في الوظائف يشهد لها بذلك طول أمد بقائهم في تلك المناصب.
سيكون من البديهي القول أن هذه العلل لا تقتصر على كلية الآداب و إنما تتعداها إلى كلية القانون و الاقتصاد ، و ربما إلى بقية مشتقات جامعة نواكشوط ، و اقصد هنا كليتي العلوم و الطب الملقبة حديثا بجامعة التكنولوجيا و الطب. ففي كلية القانون يعمل العميد بالوكالة على تعويض الخواء المعرفي و الفراغات الخدماتية بكليته من خلال عمل تنتفي معه قيم الصرامة العلمية و تتعاظم به الميوعة . تصوروا معي عميدا يجلس أمام حاسوبه و كل ما جاءه طالب/ الطالبة و ذكر له انه لم ينل نتيجته المستحقة ، قام العميد برصد النتيجة المطلوبة في قاعدة بياناته الرقمية. الله يشهد أن هذه المعطيات ليست مجرد افتراء مني على هذا العميد و إنما هي شهادات و اعترافات عفوية يتداولها بعض طلابه على وجه امتداح ما تتميز به شخصيته من عطاء. و هي باقتصار سرد لقصة بطلاها عميد بالوكالة و جموع من الطلاب و الطالبات الباحثات عن النجاح بأرخص وسيلة.
بأي حق ، إذن ، نلوم الموظف المتخرج من (جامعاتنا) على الفساد مادام انه قد حمل أثناء تكوينه الجامعي فنون الغش على يد شخصيات فيروسية ثبت أنها هي التي تفسد التعليم و الدين و الحياة العمومية.
سأختم هذه الأسطر بالإشارة إلى أن السكوت على العلاقة العاهرة بين بعض أساتذة الجامعة و بعض الطالبات – خلال تسعينيات القرن الماضي– هو الذي مهد الطريق أمام تنامي هذه الظاهرة ببلادنا إلى حد أصبحت فيه الجامعة مرادفة للجماع عند البعض.