ابن حدمين للزراعة : إلى الوراء در.! / يحيى بن بـيـبه

كشف موسم الحصاد الجاري، عن أكبر انهيار عرفه محصول الأرز الموريتاني، خلال السنوات الماضية، بعد أن شهد ارتفاعا مطردا خلال حملات عدة.
ولم تعرف زراعة الأرز هذا المستوى من الانهيار، إلا في فترات الانقلابات العسكرية، حيث تنشغل النخب الحاكمة،

 والطبقة السياسية في ترتيب أوضاع الحكم، والصراع على الغنائم، تاركة شمامه للفوضى غير الخلاقة .
حدث مثل هذا الانهيار خلال  سنتي 2005-2006. وتكرر عام 2009.
وبرغم أننا توقعنا، في مقال نشر قبل أسابيع، تراجعا واضحا في محصول هذا الموسم، إلا أن مستوى الانهيار فاق أسوأ مخاوفنا.
فبعد أن بلغ موسم الحصاد منتصفه، تراوحت مردودية الهكتار عند أغلب المزارعين، الذين حصدوا حتى الآن، بين طن واحد، وطنين ونصف . ونادرا ما وصلت إلى ثلاثة أطنان .
وهذا ما يجعلنا نتوقع مردودية متوسطة للهكتار، على مستوى هذه الحملة، لا تتجاوز طنين ونصف، مقابل متوسط عام للمردودية، في الحملات الماضية ، في حدود خمسة أطنان للهكتار .
وانخفاض المردودية يعني بالنسبة للمزارع، زيادة تكاليف طن الأرز .فإذا كان الهكتار يكلف نحو   450.000 أوقية، فان إنتاجية متوسطة في حدود خمسة أطنان، تعني أن تكلفة إنتاج الطن هي : 90.000 أوقية .أما إذا كانت إنتاجية الهكتار طنين ونصف ، كما هي في هذه الحملة ، فان تكلفة طن الأرز الخام تصبح 180.000 أوقية. وإذا ما عرفنا أن سعر طن الأرز الخام في روصو اليوم، لا يتجاوز نحو 73.000 أوقية، قابلة للتدهور في أية لحظة، مع زيادة إنزال المحصول إلى السوق، نتيجة تزايد ضغوط الدائنين، والعمال على المزارعين، إذا ما عرفنا ذلك، سيتبين لنا حجم الكارثة التي ألحقتها الحكومة بهؤلاء المنتجين المساكين .  
وتعود أبرز أسباب انخفاض المردودية، إلى العوامل التالية:
1- الحصار المالي الخانق، الذي فرصته الحكومة على المزارعين، حيث لم تسدد أي مبلغ من ثمن محصول الموسم الصيفي الماضي، إلا بعد أن بدأ حصاد أوائل مزارع الموسم الخريفي الحالي، مع نهاية اكتوبر الماضي. وما سددته منه آنذاك، لا يتجاوز الثلث. وما تزال مطالبة بالثلثين حتى الآن، مما جعل المزارعين عاجزين عن تأمين متطلبات مزارعهم، من الأسمدة والمبيدات والمحروقات.
وإذا ما عرفنا أن قيمة الأرز الخام، الذي سلم لقناة الشراء الحكومية، في الموسم الصيفي هو حوالي 7.800.000.000 أوقية، سندرك مدى الشلل الذي  أصاب الاقتصاد الزراعي، بل والاقتصاد المحلي في الولاية، نتيجة نقص السيولة النقدية . وهو أمر لا تخطئ العين مظاهره، حتى في حركة البناء الجامدة حاليا بروصو. هذا رغم أن الاتفاق بين الحكومة والمزارعين، كان يقضي بتسديد كامل ثمن المحصول، خلال عشرة أيام من تسليمه للمصنع..!
2- اعتماد أغلبية المزارعين في هذا الموسم ، على النمط الزراعي المعروف ب، الذي يمتاز بمحدودية تكاليفه وقلة مردوديته، حيث لا يستخدم المزارع بذورا، ولا يثير أرضا، إنما يعتمد على ما تساقط من حبوب الموسم الماضي. وهذا النمط لا يقره أي علم زراعي، وقد أكثر منه المزارعون في هذا الموسم ، لعدم وضوح الرؤية في الطريقة التي سيتم بها تصريف منتوج الحملة .
3- شكوك جدية، حول غش في نوعية الأسمدة الموجودة في مخازن سونمكس. حيث أثبت فحص محايد، نحتفظ بصورة من نتائجه، أجراه مزارعون في معهد البحوث الزراعية السنغالي، أن نسبة النتروجين في إحدى العينتين المأخوذتين 14%، وفي الثانية 19% بدلا من النسبة العادية في اليوريا وهي 46%.
وهذا يعني، في الحالة الأولى مثلا ، أن المزارع لن يحصل على الإنتاجية المعتادة، ما لم يضف طنا كاملا من اليوريا للهكتار الواحد، بدلا من 300 كلغ ..!
4- غابت طائرة المكافحة الجوية للطيور عن الحملة هذا الموسم، ولم تحضر إلا ليوم واحد، ربما لالتقاط الصور التذكارية، فعصفت الطيور بمحاصيل مناطق عدة، في لكصيبه وامبرواجي وامبوريه. ولدينا أسماء مزارعين غادروا مزارعهم، من دون أن تدخلها حاصدة، بعد أن أتت عليها الطيور بشكل كامل ..! وعندما اتصلنا بالمندوب الزراعي ، مستفسرين عن الطائرة كان جوابه: لا توجد طيور لتكافح ..!
ويضاف إلى الانهيار في المردودية، تراجع واضح في المساحة المزروعة، حيث غابت الزراعة مثلا عن نصف منطقتي اكوير وامبوريه ، وعن كل بكمون .
فأي غضب إلاهي، ذاك الذي أصاب زراعة الأرز الموريتانية ؟!
إن هذه الزراعة تعاني من سلة جهنمية من المشاكل الخانقة، حيث لا تسويق، ولا تمويل، ولا تأمين، ولا بذور، ولا مكافحة جوية للطيور..! لكن قرار ابن حدمين بالتنصل من الالتزام بشراء محصول الأرز، كان الضربة القاضية، التي أوصلت معنويات المزارعين، إلى درجة من الانهيار لم يعرفوها منذ 2006. فهم الآن، إما مغادر للقطاع مع نهاية حصاده، أو حائر لا يدري ما الله فاعل به، بعد أن أدارت الحكومة ظهرها للقطاع، أو عازم على تقليص مساحته في الموسم المقبل ، ممنيا نفسه بتراجع حكومي.
بل إن مدراء المؤسسات المصرفية الخاصة، الذين كان القطاع قد بدأ يجذب اهتمامهم، دب اليأس في نفوسهم، هم الآخرون، بعد القرار الحكومي، الذي اعتبروه تغيرا في السياسات  الحكومية، يجعل مستقبل القطاع في مهب الريح.
وبرغم ضآلة محصول هذا الموسم، مازال المزارعون عاجزين عن تصريفه في السوق المحلية، لانخفاض أسعارها،. وهم يكدسون منتوجهم في المزارع في انتظار الفرج، أو ظهور نتائج لعبة عض الأصابع، بين الحكومة وأصحاب المصانع. ولا يستطيع الصبر على هذه المناورة من المزارعين إلا من أوتي سعة من المال ، وقليل ماهم .
والأخطر من كل هذه الأزمات، أن حقيقة الانهيار المأساوي لمحصول الأرز الموريتاني، قد لاتصل إلى مسامع الحكومة على الإطلاق، إذا ما تم تشغيل مفاعلات إنتاج الكذب، التي تعمل بالطاقة النووية، من داخل وزارة الزراعة، والقادرة على تأمين إنتاج يومي ، يغطي احتياجات الحكومة من هذه (المادة) الإستراتيجية لمدة ربع قرن..!
ومشكلة وزيرة الزراعة الحالية ، أن مندوبيها على الأرض ، لا يبلغونها إلا ما يسرها أن تسمعه،لا ما ينبغي أن تسمعه .
وتقرير الوزيرة المقبل عن الحملة الحالية ، هو الذي سيحدد أي شكل من الوزيرات هي ؟ أهي وزيرة لزراعة المحاصيل، أم وزيرة لزراعة الكذب؟ وما كان آل البيت الكرام أهل هذه المهنة ، وما كان أبوك، يابنة اممه ، امرأ سوء ، وما كانت أمك بغيا.
ومما يثير الغرابة أن حكومتنا ، تتغاضى عن احتراق حطام الزراعة بهذا الشكل، بينما تستعد لاعتماد خطة عشرية ، اسغرق إعدادها ثلاث سنوات ، بهدف مضاعفة الإنتاج من الأرز والحبوب التقليدية، وتغطية نحو 60% من الاحتياجات المحلية ، من القمح والبطاطس والبصل والحبوب التقليدية، و84% من احتياجاتنا من السكر .وهي خطة تكلف أكثر من 350.000.000.000 أوقية.
فأيها نصدق : أقوال الحكومة عن المستقبل، أم أفعالها على الأرض؟
الكثيرون هنا في شمامه يرددون أن هذه الحكومة ليست حكومة زراعة، لكن أملنا على الأقل، ألا تتحول إلى حكومة مجاعة..!
وآخر مؤشر مخيف عن سياسات الحكومة، هو الاستعدادات الجارية لتنصيب مجلس وطني للزراعة، يقتصر فيه تمثيل المزارعين، على أعضاء من نقابة رجال الأعمال، التي يحدد الوزير الأول رئيسها ، مما يدل على أن الحكومة غير مهتمة برأي حر، ينقل لها نبض الواقع الميداني بأمانة ، وإنما اهتمامها بكتيبة مداحين، يسبحون بحمدها آناء الليل وأطراف النهار .
هذا واقع حملة الأرز الحالية، أما عن الحملة المقبلة ، فلا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم. .ففي هذه الأيام التي ترتفع فيها أعمدة الغبار عادة ، في كل موقع من شمامه ، بفعل الجرارات المنهمكة في إثارة الأرض ، تمهيدا لزراعتها ، تبدو السماء صافية ، والجرارات جاثمة ، لا أحد يسأل عنها . لقد أدبر عهد الإنتاج ، وأظلنا زمان الاستيراد. فهنيئا لموردي الأرز الأجنبي ، ومزارعي تايلندا على دعم حكومة ابن حدمين لهم .
وليفتح من شاء من مزارعي موريتانيا ، دكاكين لبيع الأرز التايلندي ، والقمح الأمريكي ، ف.
أما عن محاسبة الحكومة على هذه النتائج الكارثية ، فالبركة في المفاعلات النووية ..!

وإنا لله، وإنا إليه راجعون. حسبنا الله ونعم الوكيل ..!
 

16. ديسمبر 2015 - 12:07

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا