كلمة الإصلاح هذه المرة تحاول أن تعطي رأيها في قضايا هذا الشعـب الموريتاني المسلم كله والمسالم كله أيضا لتــتـعرف جيدا على منشئه الذي مازلنا في بقية آثاره ولنـتعرف على حاضره الذي نعيشه الآن وكذلك مستـقبله الذي يجعله في نظري في أرغد عيش وأكـثر أمنا وأوضح طريقا لخيري الدنيا والآخرة
.
وبناء على تقسيم الزمن لحياة هذا الشعـب فإني أجعـل ماضيه ما بعـد المرابطين إلى انقـلاب العسكريــين على النظام الجمهوري سنة78 أما الزمن الحاضر فهو من ذلك الانقلاب إلى اليوم الذي تـنـتهي فيه الرئاسة الحالية أما زمن المستـقـبـل فهو ما وراء ذلك إلى يوم يـبـعثون .
وبالعودة إلى الزمن الماضي الضارب في أعماق التاريخ نسبـيا فإني أقول أن هذا الزمن هو الذي بدأت منه العادات والتقاليد التي جعـلتـنا شرائح وطبقات ..الخ ما نعرف جميعا من الطبقية التي تعايشنا معها راضين مرضيـين بطقوسها حتى وصلنا تـقريبا إلى الجمهورية الأولى بعد الاستـقلال عندما اصطفت جميع الشرائح على طاولات المدرسة الحديثة وأنشأت الدولة كيانها من سياسيـين وجيش وشرطة إلى آخره وأجـبـر الجميع بقوة نظام الدولة على الانسجام مع ما يفرضه النظام من الاحترام داخل مكوناته وترك الاعـتـبارات الموروثـة المستـندة على العادات والتقاليد التي تخالف في أغلبها سلوك الشريعة الإسلامية التي تساوى بين يني جميع الإنسان ولا تفاضلهم إلا بالتـقوى .
وأثناء هذه المدة الطويلة حصل ما عـرف بالاسترقاق لنوع من الناس وحصل ما عـرف بالأصحاب لنوع من الناس آخر وحصل كثير لأنواع أخرى ليس استرقاقا ولكن بعض ممارساته يشبه الاسترقاق ، وأصبحت الحرف الممارسة يختص بها نوع من الناس إلى آخر ذلك التـفصيل المعروف لدينا جميعا .
وبما أنـنا ولله الحمد مسلمين فإنـنا ندرك أن المولى عز وجل لم يعط لهذا الإنسان إلا حيـزا قليلا من الزمن فد يقصر جدا وقـد يمتـد نسبـيا إلا أنه لا يمكن أن يتجاوز 80 سـنة هي أعلى حـيـز من الزمن الذي يمكن الإنسان أن يتصرف فيه في هذه الحياة وأن يقول ما يريد ويتحرك وينـشط ما استطاع ولكن في هذا الحيز وحده .
فـقبـل ميلاده لا يتحكم في من يكون أبوه ولا من أي شريحة هو ولا يبدأ حياته إلا بعد عشرين سنة تـقريبا ، أما بعـد موته فيـنـقطع نهائيا من نشاطه ومن شريحته ويقدم على عالم آخر تطبق فيه حرفيا (( إن أكرمـكم عـند الله أتـقاكم )) ((فأما إن كان من المقربـين فروح وريحان)) إلى آخر الآية ولا شيء غـيـر ذلك لا من الانـتـماء إلى الشرائح ولا إلى الطبقـية إلى آخره .
هذه الحقائق كان من المفروض أن يعـتـرف بها كل مسلم من أي طبقة كان ، وفي نفس الوقت يعـتـرف أن العادات والتـقاليد لا يأتي بهم الفرد ولا الجماعة ولكن الزمن هو الذي يأتي بهم لظروف ما وهو الذي يذهـب بها لظروف ما ، فمن حاكم الزمن الماضي الآن كمن يحكم على الأموات بالإعـدام أو الحكم المؤبـد .
وهذه الطبقية التي آخرها سوف يخـتـفي نهائيا قـبـل انتهاء هذا القرن ويأتي الزمن بطبقات أخرى سوف لا يراها أي واحد من هذا الجيل إلا إذا طال عمره جدا وكان الآن صغير السن .
أما الاسترقاق بما أنه كان مبـنـيا في نظر المجتمع على قوانين شرعية فإن جميع الشرائح كانت تستـرق فالحراطين عـندهم أرقاء والزوايا عندهم أرقاء " والأصحاب"عندهم أرقـاء الخ ، إلا أن هذا الاسترقاق الذي ظهر أنه غـيـر شرعي أنهتـه القوانين المجرمة له من جهة وإدراك أنه غير شرعي من جهة أخرى قبل أن ينهيه الزمن بما يطرأ من أحداثه المتجـددة .
فعلى كل النشطاء من جميع الشرائح المتحركين في ذلك المجال أن يربعوا على أنفسهم لـئلا يحملون أوزارا مع أوزارهم بالقول أو الفعل فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين .
وليعلموا جميعا أن نكسن مانديلا لم ينـل الزعامة والاعتبار والجوائز من كثرة كلامه الجارح ضد خصومه المفترضين بل باستعمال عقـله وتفهمه أن تـلك العنصرية والفوارق جاء بها زمن وانتهى وكفى الله المؤمنين القـتال .
أما الآن وفي حاضر موريتانيا فإنه من المعروف أن موريتانيا أخذها العسكريون في وقت كانت من جهة تسيـر على خطى ثابتة في التسيـير والتنظيم والعدالة ومن جهة كانت تحتاج لمن ينقـذها من تـلك الحرب التي جاء بها القدر من حيث لا يشعـر الجميع وأنهكت موريتانيا اقتصاديا وعسكريا، ومع أن الجميع يعرف أن الضباط الموريتانيون من أحسن ضباط العالم تدينا وعـفافا عن المال ونكرانا للذات إلا أن الديمقراطية والعسكرة محرمتي الجمع تلقـائيا ، فمن لاحظ أسماء الضباط الذين حكموا موريتانيا سواء في الرئاسة أو قيادة الأركان الخ آخر فسيجد أن أكثرهم متدينون و أكثرهم كذلك أنهى عمله وهو شبه فـقيــر
((والاستـثـناء هنا موجود ولكنه قليل )) إلا أن الديمقراطي معناها الاستسلام للقوانين وترك الاجتهاد والارتجال في أمور الدولة ، وهذا لا يستطيع العسكري أن يتحمله وهو يقـدر على تـنفيذ ما يـراه أصلح للأمة ولو كان مخالفا للقوانين .
وأكبر مصيـبة قاموا بها هي خلقهم لهذه الديمقراطية المقـنـنة سنة 92 فلم يحسنوا صنعها ولم يرعوها حق رعايتها للتـناقض البـين بـين العسكـرة والديمقراطية ، فكم سمعناهم مرارا عـندما ما يتعرض القضاء أو القوانين لإرادتهم الخاصة يخرقون القوانين وعـندما يـبـين لهم ذلك يقولون هل يمكن للقانون أن يحول بيـنـنا وبين ما نراه أصلح للموضوع .
ولذلك أنشأو معارضة وبرلمانا وبـلديات وهيئات مجتمع مدني إلى آخره ، ولكن المعارضة لم تستطيع أن تـكون معارضة ديمقراطية والنواب أصبحوا أغـلبـية غير تابعـين لاجتهادهم ولكن لاجتهاد شخص واحد الخ ، ولذا فإن الدولة في زمن العسكريـيـن تسيـر سيـرا مضطربا نظرا لهذه الازدواجية غيـر المتجانسة "عسـكري ـ ديمقراطي ".
وعـليه فإن على الشعب الموريتاني أن يتـمسك بانسجامه المعهود بيـن جميع شرائحه نظرا لإسلامه سواء الشرائح ذات اللغة الواحدة أو الشرائح المختـلفة الألوان واللغة الخ حتى ينـتهي حكم العسكـر الديمقراطي .
فالجميع مسلمون ويتيـقـنون أنهم واقفون غـدا بـين يدي الله ليقرأ كل واحد منهم كتابا خاصا به لا يغادر صغيرة ولا كبـيرة إلا أحصاها ولا شيء أحسن من التعايش السلمي بـين الشعوب التي لا يجمعهـا إلا العقيـدة الإسلامية .
أما الحكم العسـكري الديمقراطي فنظرا لاستحالة ميلاده لدولة ديمقراطية بمعنى الكلمة ، كما أن تـنازل العسـكريـين عن الحكم هكذا يبـدو أيضا شبه مستحيل فإن الرأي الآتي في مستـقبـل موريتانيا يكون هو الحل الأمثـل في نظري في هذا التاريخ الذي أصبح أسباب خطره أكثـر من أسباب أمنه والإنسان ولا سيما المسلم منه لا ينـشد من وجوده في الحياة إلا ما يؤمنه من الجوع والخوف في هذه الحياة .
وبناء على ذلك فإن هذا الرأي وإن كان يبدو أنه مازال في آخر النفق البعـيد إذا كان سيجـد نفقا يتـكون فيه أصلا ولو في آخره ، فها هو بين يدي القارئ .
فالمعروف عـندنا نحن الموريتانيـيـن قـبل هذا الاستـقلال أنـنا كنا قبائـل متجانسة لغتها واحدة وكذلك ثـقافـتها ومشاعرها وهدفها والجميع يعـتـقد أن مصيره واحد ، وكانت حدود هذه القبائـل معروفة وهي من الغرب الشمالي عيون العتروس وهي داخلة في الحدود كما قال الوسيط ومن الشرق تمبـتـكو إلى آخر تـلك الجغرافيا المحدودة في تاريخ ساكني هذه المنطقة .
وبما أنـنا قـبـل الاستعمار لا تحـكمنا أي سلطة بل أطـلق علينا اسم البلاد السائبة إلا تمسكنا الدائم بالإسلام جميعا فكان أوائـلنا تهفو أفـئدتهم إلى أقرب دولة إسلامية عـندها سلطان يحكمها ، فكان بعض المقـتدرين والعلماء يهاجر إلى تـلك الدولة ليلـتـقي بذلك السلطان ، وقد تجلت تـلك العلاقة عـند مجيء الاستعمار حيث قاومه من قاومه ومن عجز عن مقاومته يذهب إلى تـلك الدولة لا ليكون لاجـئا بل ليكون جزءا منها فاعـلا .
وأكبر تجليات هذه الصورة هي مقاومة الاستعمار سياسيا في عـقر داره وبعـد ذلك الهجرة إلى تـلك الدولة التي تسمى المملكة المغربية ، والقائم بذلك على أحسن وجه وشجاعة هو الزعيم حقيقة دينا وشهامة أحمد بن حرم رحمه الله رحمة واسعـة وأسكنه فسيح جناته .
وللتـذكير فإني أخيرا سمعت مقترحات لتخليد زعامته ، وتمنيت أن يستجيـب الجميع لذلك لأنه يستحقه بجدارة فأنا شاهد ولو كان ذلك قـبل البلوغ أني رأيته بعيني وأظنها سنة 56 في آخر ترشح له وقد نجح فيه يحي انجاي وهاجر هو بعد ذلك إلى تـلك الدولة رأيته يتجول بين مكاتب الانتخاب في مدينة ألاك وفي أثـناء ذلك لسانه رطب بقراءة القرآن ووجهه يتهـلل ضياءا وزعامة ونحن كنا أطفالا مراهقين جيء بنا للانتخاب ولكن اعـترض علينا لصغرنا عن سن الانـتخاب فرحمة الله عليه ما أحسن وجهه وسمته وما يقرأ في وجهه من علامات الإيمان والزعـامة .
هذه توطـئدة لفكـرة جديدة أخرى أخف وأقرب من الاندماج أو التبعية المطلقة التي كانت مطلوبة نظرا لقوة الاستعمار آنذاك فالمعروف أن إخواننا وبني جلـدتنا في الصحراء دخلوا في ورطة شاب فيها الرضيع دون أن يتمتع جيل كامل بضرورة العيش الهنيء في هذه الحياة الدنيا ، ولم يـبـق في نظري إلا أن نأتي نحن الموريتانيـين بفـكرة تـنـقذهم من جهة من هذه الوضعـية المهينة التي لا حل لها إلا بالأماني في النفوس التي جربت وفي نفس الوقت تـنـقدنا نحن من الحكم العسكـري الديمقراطي الذي لا يعرف في تـسيـيـر الحكم إلا ما شاهدناه وإن كان جميع أفعاله في نظره هي عن حسن نية وطلبا للأصلح .
هذه الفـكرة تـقـتـضي البحث عن أي اتصال بـيـنـنا وبين الصحراويـين يوافق عليه المغرب ويتنازل عـن كثير من سيادته ونـتـنازل نحن لصالح الاندماج مع إخوانـنا في صحرائـنا الشمالية ليتـفق الجميع على نوع من الوحدة لا تابع فيها ولا متبوع إلا تبـعية مشرفة يتجسد فيها اتحاد الشعوب والشـراكة في السراء والضراء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثـقافيا الخ فـنـتـفع نخن من خيرات المملكة المغربية التـنموية على جميع الأصعـدة وينـتـفع هو من كثـرة خيراتـنا المهدورة في الزراعة والتنمية الحيوانية الخ .
ونحن نعرف جميعا أن المغرب قد سبق له أن عمل اتحادا مع ليـبيا أطلقوا عليه اسم الاتحاد الإفريقي الإسلامي أو قريـبا من هذا الاسم فلنبحث نحن عن أي نوع من الاتحاد يشملنا مع شمالنا ونـتـقـبـل شروطا ثمنا لذلك .
أما إخوانـنا وبني جـلدتـنا في أزواد فإني أظن أن الأمر أهون من ذلك لأن الماليـين في الشمال ليس عـندهم من إمكانيات للمحافظة على الأرض الصحراوي الشائعة فإذا انضمت إلينا فنحن والماليون الشماليون لا نعرف إلا الجوار السلمي الذي ينـفعـنا جميعا .
هذا الرأي المستـقـبلي نرجو من الله إذا كان فيه خير أن ينشرح له صدور جميع السياسيـين والعسكريـيـن وجميع القوى الفاعـلة في وطـنـنا من جميع الشرائح .
وأخيرا فإنـني أوجهه بالخصوص إلى السيد / الرئيس لأنه به تـتـم له الحياة السعيدة في الرئاسة الماضية والحياة الأهلية القادمة ليتسنى له استـثمار ما حصل عليه من المال في جو مريح وهادئ ، أما الآخرة فربكم أعـلم بما هو أهدى سبـيـلا ونتمنى له أن يكون هو ممن هو أهدى سبيلا.
وبناء على هذا فإني اقـتـرح عليه في الثلاث السنوات المستـقبلية الباقية من مأموريته إن مـد الله في عمره أن يتدثـر ويتجـلبـب بهذه الفكرة ويزحف بها نحو التبـلور وهو مازال في الحكم فهو السيد المطاع في قطاعاته وسياسيـيه الخ وعـند الصباح سوف يحمد القوم السوي وعلى كل حال (( وما تـشاءون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة ))