يوم أصدر النظام مرسوما يقضي بتعطيل الأحد بدل الجمعة كتبت مقالا بعنوان (إجازة الأحد الحبة الجهنمية) جاء في خاتمته: "وهكذا تبدو كل المسوغات واهية والحقيقة أن هذه الخطوة تكشف عن وجه علماني اجتثاثي للنظام ظل يحاول برقعته، اعتبارا لظروف داخلية وأخرى خارجية (ظروف الانقلاب ثم محاولة
تأكيد الشرعية بعد الانتخابات 2009 ثم الربيع العربي). لقد كان أول خرق في برقع النظام قرار إغلاق المعهد العالي ونظرا لشراسة المواجهة والظروف الدولية تم التراجع عن الخطوة وتمت محاولة رقع تلك الثغرة بخرجات إعلامية تلوث على البرقع عمامة يرتبط رفض علمانية الدولة بها، لكن الدولة الإسلامية العمامة لم تعاقب ساب الرسول صلى الله عليه وسلم ومنحت تزكية الترشح لأعلى منصب لمن حرق كتب المذهب المالكي وألصقت تهمة تمزيق المصحف بمعزاة لينعدم بذلك القصد الجنائي. ثم كان الخرق الأنجل إغلاق جمعية المستقبل في سنة عرفت موجة من الإساءة إلى المقدسات تنوعت ما بين إعلان الكفر إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحراق المصحف، ويبدو أن عدم نيل تلك الخطوة ما تستحق من الاستنكار والرفض، عجل بإغراء النظام على الحسر عن وجهه الحقيقي الذي لا يقيم وزنا للشعائر ولا المشاعر، فقرر تحويل العطلة الأسبوعية من الجمعة، ومن الجلي أنها لن تكون خطوة يتيمة بل هي حبة جهنمية في نظام لم ترتبه يد صناع لكنها قد تكون جادة في صيانته، وقد يكون من جباته الجهنمية عودة العلاقات مع الكيان الصهيوني، ودخول مواجهة مع روافد الهوية وكل من يحتمي لها من القوى السياسية أو المدنية، والتأهب للقيام بالأدوار الوكالية حسب الطلب مقابل السكوت عن كل التجاوزات التي قد تطال الدستور في مادة يمين المأموريتين" انتهى الاستشهاد. لعل ما قلت في ذلك المقال لم يكن إلا ومضة من فراسة أرجو أن تكون فراسة مؤمن تهتدي بنور الله فلم تكن تلك الحبة الجهنمية يتيمة فها هي حبة أعظم جهنمية تتمثل في إغلاق المحاظر والمعاهد وهي خطوة كاشفة لا تبقي قلامة حسن ظن بالنظام لدى الخيرين ممن لم تعتقل أمراض الشبهة أو الشهوة ألسنتهم ولم تستحوذ على أفئدتهم من المتشبثين بالدين أو المهتمين بمبادئ الحرية والعدل والديمقراطية مهما كانت عادة هؤلاء وأولئك في أن يفروا بآمالهم إلى الكذب وأن يقلدوا النعامة إلى حين. تأتي هذه الخطوة منسجمة مع خطوة بيع المدارس وفرق ما بينهما أن مدارسنا بيعت لتجار مواطنين أما محاظرنا ومعاهدنا فيروم النظام المتاجرة بها خارجيا في إطار ما يعرف بمحاربة الإرهاب وتحالفه الجديد، ولئن كان بيع المدارس جرما لا سيما في دولة ما تزال بحاجة إلى مؤسسات وأرض في موقع ملائم تبنى عليها مشاريع ومؤسسات (يكفي أن نعلم أن بعض إدارات وزارة التهذيب تؤجر مقراتها بمئات الآلاف شهريا) فإن وصف بيع المحاظر والمعاهد يحتاج حكما أبلغ من الجرم ومن الخطيئة. حسب المصادر الإعلامية فقد تم إغلاق أكثر من 40 محظرة أو فرع لمعهد إسلامي كما انطلقت بعثات وزارة التوجيه الإسلامي تستجوب المعاهد والمراكز وهي خطة في مبدئها مقبولة لكنها في توقيتها وحجمها وطبيعة المستهدفين بها مريبة. يقول السائقون: "إن منظم المرور حينما يكون بصدد عقابك لن يعدم توجيه اتهام مقنع أو غير مقنع مهما كانت احتياطاتك" وهو الأمر الذي ينطبق على هذه البعثات تماما. لم تنبس الحكومة لحد الساعة ببنت شفة في الأمر لكن مدونين يحسبون عليها ربطوا الأمر بجهات تستغل هذه الهيئات وإلى انعدام التراخيص، ولأول مرة نسمع عن حاجة المحظرة إلى ترخيص وهو ما يبعث على التساؤل متى احتاج تدريس القرآن إلى ترخيص؟ إنه لا يقال في مثل هذه الأعجوبة إلا ما قال الغرالي في إحياء علوم ولدين ج2 ص 315: "واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى إذنه في الإنكار عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة" إن على العلماء والأئمة موالين ومعارضين أن يقالوا بصوت عال كما قال أئمة جكني والنعمة: لا لمحاربة القرآن وعلومه ولا للتضييق على حملته في نشره وعلى إمام الجامع الكبير أن يقف وقفة بداهية فنعم الخلف لنعم السلف وعلى رئيس لجنة المظالم والفتوى أن يقف وقفة مثلها وظني به أن يكون كذلك وخيرا من ذلك. أما الحديث عن طيف سياسي فالمؤكد أن حزب تواصل لم يفتح معهدا ولا مركزا كل ما في الأمر أن بعض نشطائه ومناضليه فاعلون في جمعيات خيرية ومعاهد تعليمية وأنهم ناجحون في هذا المجال وهو ما يغري بهم خصومهم الذين لا مانع لهم غير العجز والخلود إلى الأرض من إنشاء جمعيات ومعاهد ناجحة، فالمنافسة في الخدمات بين أنصار النظام وخصومه مشروعة وله أن يوجه نشطاءه إلى الأعمال الخيرية والثقافية ليزداد عمقه ويشتهر صيته ويسحب البساط من نشطاء المعارضة فيستفيد المجتمع من ذلك التنافس بين الفاعلين أما أن يحرم النظام المجتمع من خدمات هم أمس الحاجة إليها لأن أغلب الناشطين فيها خصوم سياسيون فتلك الخيانة والسوء وعلى المواطنين أن يرفضوا حرمانهم من خدمات لم يجدوا لها البديل المناسب. إن الحقيقة التي ما لم يقلها المدونون المدافعون عن الخطوة الوقحة هو أن النظام قدر اللحظة المناسبة لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: الأول- الاستفادة من أموال التحالف الإسلامي ضد الإرهاب من خلال تصوير البلاد وكرا من أوكاره ومصنعا من مصانعه وفي هذا السياق تأتي محاربة المحاظر والمعاهد غير مقدر ما قد ينجم عن ذلك من مخاطر فقد اقتنع أو أقنع بأن الشعب ميت وما لجرح بميت إيلام. الثاني- توجيه ضربة قوية لحزب أظهرت الانتخابات الأخيرة أنه يكاد يصبح أعماقيا والأعماق مما يعتبره النظام حكرا عليه يغار على أعطافها من لباسها فكيف به لا يغار عليها من معانقة الخصوم. الثالث- ضرب المعارضة من أغبى الأغبياء من يساوره شك بأن الرئيس لم يحزم أمره للترشح لمأمورية ثالثة ولا بد من تمهيد السبيل لذلك ومن ذلك التمهيد إضعاف المعارضة بالعمل على تشرذمها وضرب مكوناتها لأنه بإضعاف إحدى المكونات يضعف الجسم العام وبضعف المعارضة تضعف أبرز القوى التي يعول عليها بعد الله في التصدي لخرق الدستور. فليحسم تواصل أمره: لم يكن حرص أهل تواصل الشديد على عدم الاصطدام بالنظام خوفا من جر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه مجديا كما أنه صبغ بعض خطاهم بشيء من الارتباك جعلت تطلب الحزب للوسطية والاعتدال والتوفيق قريبا من آراء الفارابي التي قيل إنها أغضبت الدين ولم ترض الفلسفة فكانت تلك المواقف التي من قبيل المشاركة في الانتخابات موضع انتقاد من النخبة الوطنية المعارضة الجادة ولم تكن كافية ولا مرحبا بها أصلا لدى النظام الذي لا يرضى من اللحم بعظم الرقبة. ويرى هذا المنتسب أن على تواصل اليوم إدراك أنه لا مناص من منازلة النظام بكل الطرق السلمية بعدما يمم وجهة محاربة القرآن فلا معنى لمرجعية إسلامية لا تناضل عن القرآن وبه، وليعلم القائمون على الحزب وهم يدركون ذلك جيدا أن شرعية المبادئ والنضال هي وحدها المعول عليها أما ورقة وزارة الداخلية في مثل هذه الأنظمة فورقة ضغط وابتزاز لا ترخيص واعتراف ولا ينبغي أن يعار أي اهتمام لترويج المخابرات والخصوم لحل الحزب عن مناصرة القرآن وأهله فلنقل للنظام ما قال الأعشى الكبير مع بعض التعديل: كلا زعمتم بأنا لا (نناضلكـــــــم) ...إنا لأمثالكم يا قومنا (نضـــــل) نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية ... جنبي فطيمــة لا ميل ولا عزل قالوا الطــــــــراد فقلنا تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نـــــزل ولتحزم أحزاب المعارضة أمرها: من أنجح ما نجح فيه النظام زرع بذور الشقاق والخلاف بين الفاعلين السياسيين حتى صارت قراراته الأكثر سوء تلقى مستوى من القبول والترحيب عند بعض الفاعلين نكاية بمخالفيهم متناسين أن كل إضعاف لطيف سياسي معارض هو تكريس للاستبداد وتقوية لنظام الجور وأن أي انتهاك للقانون بصرف النظر عن الضحية هو دوس لذات القانون الذي لا سبيل إلى قيام دولة المواطنة إلا بسيادته واحترامه والخضوع له. إننا لا نقدم خدمة للنظام أكبر من خذلان القضايا الوطنية التي يسعى إلى حصرها في طيف خاص، ومن هنا يتحتم على النخبة السياسية وفي مقدمتها أحزاب المنتدى بما فيها التكتل ومناضلوه أن تكون أكبر من الحزازات التي تتركها الحملات الانتخابية والمناسبات السياسية وأن تعلم أن استهداف أي لون سياسي هو استهداف للدستور والديمقراطية والحريات لا سيما إذا كان هذا الاستهداف منصرفا إلى بيضة الخصوصية الدينية والثقافية للمجتمع ويلزم الفاعلين الاجتماعيين ما يلزم الأحزاب السياسية فإذا ضويقت المحاظر والمعاهد وهي أعظم قدسية فستضايق الجمعيات والنوادي ودور المسرح لا يمنع من ذلك إلا أن تعتري النظام موجة اشمئزاز مزاجي أو أن يلوح له برق ربح. وليحزم المدونون أمرهم: ما من شك في أن لمدوني مواقع التواصل الاجتماعي تأثيرا كبيرا على صناع القرار وعلى تشكل الرأي العام ومن واجبهم مناصرة كل قضية عادلة لا سيما إذا تعلق الأمر بالقرآن والعلوم الشرعية التي هي الثروة الحضارية وميدان التألق المعاصر الأبرز لهذه البلاد، وفضلا عن ذلك من الواضح أن حرية التعبير في الفضاء الافتراضي مهددة بقانون الجريمة السيبرانية أو ما يعرف بقانون مم وهو ما يعني إمكانية سوق كل مدون إلى المحاكم بمجرد تدوينة مما يوضح أن محاربة النظام للمجتمع ليس في مصادر هويته فحسب بل في مصادر قوته عموما وأنه مهتم بالانقضاض على القوى الحية قوة قوة يتحين في ذلك الفرص الداخلية والخارجية حتى إذا لم يبق بالمجتمع حراك كانت الطريق سالكة لمأمورية ثالثة ورابعة ثم تكون الخامسة ميراثا لم يورث عن كلالة. فلنحم القرآن يحمينا منزل القرآن ويؤلف بين قلوبنا ويعيننا على تطهير بلادنا من الفساد والمفسدين والباغين والمعتدين.