اللغة العربية بين مكائد أعدائها وانهزام أبنائها!! (ح1) / المرابط ولد محمد لخديم

كنت قد كتبت بحثا مطولا حول اللغة العربية وصمودها عببر الزمن رغم ماعنته منهجموت شرسة من الأبناء قبل الأعداء ومع ذالك تكسرت كل المحاولات على صخرتها الصلبة ومازالت الى يومنا هذا تزداد انتشارا وقوة....
  المقال تناقلته الكثير من المواقع العربية المتخصصة والجامعات كان آخرها جامعة

أم القرى بدون أن يذكروا الكاتب وان كان هذا النوع من التجاوزات عادي بالنسبة لبعض المواقع فانه غير معقول في حق جامعة بحجم جامعة أم القرى وفي مستواها العلمي أنظر الرابط:   
http://uqu.edu.sa/page/ar/150298
وهذا البحث عبارة عن مقتطفات مختارة منكتابنا دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية الطبعة الأولى الأكادمية الهندية دلهي 2010م الطبعة الثانية دار المعراج بيروت 2014م
واليكم نص البحث:
    لن يحوجنا هذا المقال إلي الخوض في التعريف بجميع الكتب والدراسات التي تناولت اللغة العربية فهي كثيرة جدا تعز على الحصر وتربو على العد ويلزمها كنب ومجلدات , وقد اهتم علماء اللغة والمختصين بها و تناولوها بالبحث والتفصيل, ولقد أصبح من الواجب عليهم الآن استخراجها من جديد وتداولها...
     إننا سنبحث في جانب آخر ندرت حوله الكتابات فلقد اتجهت الأنظار منذ زمن بعيد إلى أن بناء الفكر وبناء الوجود لا يكون إلا واحدا، وليس هناك صيغة ثابتة للأفكار إلا أجسادها اللفظية التي كانت مستغلقة على ذاتها، ولم تقم محاولات للبحث عن الاتساق بين اللغة والوجود باعتماد حركة الجدل الواحدة فيها وكان من يقولون بإمكان الاستدلال على خصائص اللغة(93) أمثال: باميدس، وسبينوزا، وهيكل، وبرادلى: ليس لديهم نظرية تبحث في اللغة بحثا جدليا يكشف عن التضاد القائم في كل لفظ من ألفاظها ليصلوا من خلال هذه الخصائص اللغوية إلى إقامة فلسفة تعتمد أمثلة ذات وجهين: وجه طبيعي وآخر إنساني مجتمعين معا في اللفظ، فهو من حيث الصوت حركة طبيعية ككل حركات الطبيعة ومن حيث المعنى سمة إنسانية، ومن حيث أنه صوت ومعنى يجمع الطبيعة والإنسانية في كل واحد يضمهما معا، والفلسفات كلها على اختلافها ترى أن هناك حاجة لنشوء نظرية لغوية عامة ،لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لهذه الفلسفات.
والنظرية اللغوية التي تقوم على اتصال الصورة بالمادة هي النظرية التي أسفرت عنها حركة الجدل في الحرف العربي والتي كشفت أن كل لفظ يحتوي على ضده في داخله، وأنك حين تقلب حروف أي لفظ من ألفاظ هذه اللغة تجيء بعكس المعنى والمبنى معا.
كما أن هناك تضادا في الحرف ذاته بين الحركة والحرف على أمثال التضاد في اللفظ أيضا، وهذه الحركة الجدلية في سيرها تكشف عن معنى الزمان والمكان والكم والكيف والحرية والضرورة والمعرفة والمحدود وغير المحدود: كما تكشف قوانين الطبيعة عن الطبيعة ذاتها.
   وحين تحدد وجهات هذه الألفاظ فإنها ستؤذن بقيام فلسفة جديدة تقوم على أسس صحيحة ذات قرار مكين. فقد تبين أن التضاد في هذه اللغة وفي الطبيعة غير التضاد المتعارف عليه، وأن الحرية والضرورة قائمتان في كل شيء، وأنهما متلازمان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، وأن الكم والكيف يجريان في جدلية واحدة كجريان الزمان والمكان، وأنه يجري الانتقال من الحرية الى الضرورة, ومن الضرورة إلى الحرية, كما يجري الانتقال من الكم إلى الكيف وبالعكس (94) وكل ذالك مستفاد من التمييز بين الضد وضده في جدلية الحركة من كل لفظ، والمقولات التي كانت تلفها سحب الغموض والتعقيد ستتضح وتظهر جلية بينة بسبب وجود الأمثلة التي تشرحها وتفسرها من ألفاظ هذه اللغة..
   ولو أن أهل اللغة العربية تحدثوا عن النحو والصرف والعروض والبلاغة دون أمثلة لوجدنا في كلامهم من الصعوبة ما يجده المنشغلون في الفلسفة في عبارات هيكل من غموض وتعقيد، فالأمثلة وحدها هي التي تضيء لنص فيشف بالمعنى ويصفه ويجليه ويوضحه. وليس الإتيان بالأمثلة سهل المنال، وإنها ـ وهي صورة الواقع الحي ـ لا تأتي إلا بعد ترجمتها إلى لغة إنسانية وفي صيغ من ألفاظ ليست إلا صورة فوتوغرافية وصادقة للوجود الذي ارتسم فيها، من وجه، وصورة له بلحمه ودمه من وجه آخر.
   وهذه الصورة الحية النامية المتطورة التي تنبض بالحياة لا تفتح إلا بمفتاح الجدل الذي يكشف عن وحدة الحركة فيها وفي الوجود من حولها وحين نقف عند نص لأبي نصر الفارابي فنحسب انه بلغ من الغموض درجة يصعب معه تصور ما بلغه من تعقيد وحشو   وترديد لألفاظ لا معنى لها، والسبب في ذلك انه بحاجة إلى مثال يوضحه ويجليه، ولا سبيل إليه إلا عن طريق صورة تلخص الواقع الموضوعي كما هو في واقعه: نضعها أمامنا ثم نبدأ بالتعرف على النص من خلالها كما يجري التعرف اليوم على نتائج الغارات الجوية من خلال الصور التي تؤخذ لمواقع القذف.
   والتحدث عن نص الفارابي وأمثاله كالتحدث عما أحدثته الغارات باللسان دون الصورة.. والصور التي تشرح الفلسفات على اختلافها قائمة في صيغ الألفاظ التي هي قوالب للأفكار وأجساد وقد تكشف نص الفارابي بعد عرضه على صيغة اللفظ وكأنه نص عادي في مستوى العبارات التي يتداولها الناس: تكشف أن أبا نصر الفرابي كشف عن حركة الجدل برمتها في هذا النص البسيط بشكل يكاد يلخص كثيرا مما وصل إليه هيجل الذي جاء بعده ببضعة قرون. لهذه الأسباب شعر كبار الفلاسفة بأن الحاجة تدعوا إلى نشوء نظرية لغوية لا تنفصل فيها الصورة عن المادة.
   ولعل عذر أبناء اللغات الأخرى في تأخر الكشف عن حركة الجدل في لغاتهم بعد هذه اللغات عن أصولها الأولى، وتقطع أرحامها). فعلى سبيل المثال يقول غوستاف لوبون:
” ولا أسهب في الكلام عن اللغات بأكثر بما أسهب في النظم، وإنما اقتصر على القول بأن اللغة تتحول بحكم الضرورة عند انتقالها من أمة إلى أخرى. ولو أثبتت كتابة، وهذا ما يجعل الفكر القائل بلغة عامة أمر عقيما، اجل إن الغوليين مع كثرة عددهم ـ قد انتحلوا اللغة اللاتينية في اقل من قرنين بعد الفتح الروماني، غير أن الغوليين لم يلبثوا أن حولوا هذه اللغة على حسب احتياجاتهم، ووفق منطق روحهم الخاص، ومن هذه التحولات خرجت لغتنا الفرنسية الحاضرة في آخر الأمر ״(96) وهذا عكس اللغة العربية التي مازالت موصولة الرحم منذ نشأتها الأولى إلي يومنا هذا في حين انقرضت أو تغيرت جميع اللغات الأخرى.مما يؤهلها أن تكون لغة إنسانية..
   فرغم الظروف المتاحة للحملات الصليبية المتعاقبة على العالم الإسلامي، ورغم كل ما بذله ويبذله هؤلاء الغزاة (إلى اليوم) من جهود مضنية للقضاء على اللغة العربية فقد باءوا بالفشل الذريع، وتحطمت كل مساعيهم حيث بقيت اللغة العربية ـ رغم انتشار اللهجات المحلية(217) وتباينها أحياناـ هي اللغة النموذجية الوحيدة التي تفرض نفسها فرضا على كافة اللهجات العربية، والمعين الأقوى الذي أخذت ولا تزال تأخذ عنه هذه اللهجات مفرداتها للتعبير عن المعاني الراقية في شتى مجالات الحياة.
   وكما باءت بالفشل كل المحاولات الظاهرة والباطنة داخل العالم العربي وخارجه، للقضاء على العربية يتغير قواعدها (باسم التبسيط) أو استبدال حروفها (باسم التسهيل) أو إجراء أي تحويل في بنيانها (باسم الإصلاح) أو أي شعار آخر.
ولك أن تسأل كيف تتهم اللغة العربية بالضعف والتخلف؟! وهي اللغة الوحيدة التي استطاعت أن تصمد أمام هذه التحديات السالفة الذكر...يتواصل...

28. ديسمبر 2015 - 8:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا