قبل اعوام انطلق نشاط الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة (و.و.س.س.و.م) التي تضطلع بمسؤوليات جسام كإحصاء المواطنين وتعميم وتوفير وثائق شخصية وحالة مدنية منسجمة مع التطور العالمي وفتح مراكزَ لإحصاء وضبط الأجانب المقيمين في موريتانيا.
ونظرا لأهمية هذه الوكالة وضرورة التعاون معها خدمة للوطن والمزاطن .
ونظرا لحاجة جُل الوثائق المدنية إلى أحكام قضائية طبقا لما ينص عليه القانون رقم 031 - 2011 الخاص بالحالة المدنية ، الشيئ الذي جعل مراكز هذه الوكالة خطوة ثانية بعد المحاكم ودون أن تتم مراعاة ما يتطلبه ذلك من وسائل و آليات أمام هذه المحاكم .
وحيث إن ذلك فرض نوعا من الترابط بين القائمين على المحاكم والعاملين في هذه المراكز وبصفة تلقائة ، لتبدو حاجة أصحاب هذه المراكز إلى دورات تكوينية على القانون مبكرا ربما للحاجة إلى خدماتهم قبل معرفتهم لخصوصية الأحكام القضائية وما يترتب على الإستهزاء بها قانونا لدرجة أن العاملين في هذه الوكالة تعوّدوا أن يتصرفوا أحيانا دون النظر إلى أهمية الأحكام القضائية فيتصرفون عليها خطياَّ بقلم أحمر (الحكم نـاقص) ، بل يلزمون صاحب الوثيقة باستحضار الشهود الذين شهدوا على الحكم أمام مراكز الإحصاء بعدما كانوا أدّوها أمام المحكمة كما هو مدرج ضمن حيثيات كل جكم ! في خرق واضح لنص المادة 208 من القانون الجنائي ، وخرق تام لقانون الحالة المدنية نفسه ! .
وبما أن المواطن هو الهدف الذي أنشئت من أجله هذه المراكز ، وهو الذي أنشئت من أجله المحاكم أصلا بالنظر لفارق القوة القانونية وفارق الزمن ، فإنه يمسي ويصبح ضحية لعدم الأخذ بتطبيق القانون في هذه المراكز ، فقد تلجأ المحاكم إلى التنازل عن شيء من هيبة القضاء رحمة بمواطن يكون في أغلب الأحيان دافعه الأساسي مرضٌ ألمّ به أو بأحد أفراد عائلته ، فيفهمها البعض انصياعا من القضاء لتعليمات إدارية صادرة من أشخاض نافذين وطنيا ويعتبرون ذلك انتصارا ، دون أن يدركوا أن قوة أية دولة تقاس بقوة قضائها ، وأن ذلك لا يكون إلا باحترام القانون ، كما لا يدركون أن عدم احترام القانون لم يأت بنتيجة ، فالصورة التي فرضتها إدارة الإحصاء على الأحكام القضائية واستجاب لها القضاء من باب الرفق بالمواطنين الذين اوقف استقبالهم حتى وجودها لا تفيد شيئا في إثبات هوية المعني فمن استطاع أن يزوّر حكما لن يعوزه الحصول على صورة يضعها عليه ، كما أن الضورة نفسها بحاجة إلى إثبات نسبتها لحاملها لعدم وجود أي دليل على ذلك ، وقد يكون ذلك هو السبب الذي أخرجها من نطاق القانون القانون الذي أعطى للمحكمة حق التأكد من هوية أي متقدم أمامها بطلب ( المادة 2 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية) ويكون ذلك من خلال وثائق رسمية وليس من خلال صورة شمسية...
ما يهمني هنا هو إثارة نقطتين أساسيتين بالنسبة لي :
فأما الأولى فهي ضرورة تكوين القائمين على هذه المراكز على بعض القوانين المرتبطة بطبيعة عملهم باعتبار القانون هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن نتفق حول تطبيقها حتى لا يحاول كل واحد منا تطبيق فكرة جاءته للتو ، أو زوّده بها أحد أصدقائه كوضع صورة صاحب الوثيقة المدنية على الحكم القضائي مثلا ، أو كقول بعضهم : "هذا الحكم قديم ينبغي تجديده " !! ، " أو هذا الحكم صادر عن محكمة مقاطعة كذا ، ولا يصلح لمركز هذه المقاطعة" !!. أو أن يتوقف تصحيح الأخطاء في عقود الحالة المدنية على حكم القاضي فلان...
وأما الثانيه فهي ضرورة توفير الوسائل اللازمة للمحاكم انطلاقا من النظر إلى حجم العمل الذي تحول إلى تمكين المواطنين من مثل هذه الوثائق فاستحوذ على وقت هذه المحاكم ووسائلها على حساب العمل الذي أنشئت من أجله أصلا.
وبتحقيق هاتين النقطتين نكون قد عرفنا كيف نتصرف خارج ظروف من شأنها المساس من سلطة القضاء واستقلاله ، ونكون قد وفرنا من الوسائل ما يمكننا من خدمة وطننا ومواطنينا فتتطور حالتنا والمدنية والأخلاقية معا.