الأخوة في الله رباط إيماني ينبثق من التقوى ويرتكز على الاعتصام بحبل الله إذ لا أخوة بدون إيمان أو تفوى قال تعالى ( إنما المومنون إخوة ) وقال " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "
وهذا الأساس الإيماني هو ما يميز الأخوة الإيمانية عن غيرها من الروابط
والعلائق الأرضية ففيها تزول العصبيات الجاهلية والفوارق المادية من حسب أو نسب أو جاه أو غنى قال تعالى :"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .
ويقول صلى الله عليه وسلم أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"الطبراني في الأوسط والبزار ورجال البزار رجال الصحيح .
ومما يميز تلك الأخوة أيضا أنها مستمرة متصلة لا يقطعها غنى ولا فقر ولا مرض ولا موت ففي عرصات الحشر تتقطع الوشائج إلا وشائج الأخوة الإيمانية "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " ويستمر عقد الأخوة هذا إلى الآخرة حيث لا يرى بعض أهل الجنة إخوانهم الذين كانوا معهم في الدنيا فيسألون ربهم ـ عز وجل ـ عنهم وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم الموقف بقوله " فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المومنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار ، قال يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار فيقول : " اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيخرجونهم ثم يؤذن لهم فيخرجون من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ." صحيح سنن ابن ماجه للألباني .
إن إخوة لها هذا المقام عند الله وإن محبة لها ذلك الفضل في الدنيا والآخرة
حرية بالحرص عليها والوفاء بحقوقها والاستزادة منها " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " .
فهي تؤلف بين القلوب وتوحد بين النفوس فتصبح تحت رايتها متكاملة متراحمة تصغر أمامها الأحقاد الشخصية والنزغات القبلية وغيرها من نزغات الشيطان التي يفرق فيها بين المجتمعين على غير هدى من الله .
إن للأخوة ثمرات عظيمة وواجبات جليلة لها دور كبير في ترابط الإخوان وتآلفهم وتعميق الحب بينهم وتكاتفهم من أوكدها :
التناصح لا التفاضح : فالتناصح بين الإخوة في الله من أركان أخوتهم وعليها بايع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كما في حديث جرير البجلي : "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم "
وفقه الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من سلف الأمة هذا الركن في عقد أخوتهم وأخذوا ينبهون الخلف على أهميته فهذا الحسن البصري رحمه الله نجده ملحاحا على هذا الخلق حتى جعله ثلث الدنيا إذ يقول :لم يبق من العيش إلا ثلاث : أخ لك تصيب من عشرته خيرا فإن زغت عن الطريق قومك ، وكفاية من عيش ليس لأحد عليك فيه تبعة ، وصلاة في جمع تكفى سهوها وتستوجب أجرها " فثلث الحياة عنده في جيل التابعين أخ ناصح مقوم لاعوجاج أخيه . فكم ثمن هذه الزينة عند الإخوان اليوم ؟.
وتأتي أهمية النصيحة لكون الإنسان اليوم لا يرى جميع عيوبه ولذلك قيل : فالعين تبصر منها ما دنا ونأى*** ولا ترى نفسها إلا بمرآة
فكن أنت لأخيك تلك المرآة وليكن هو لك كذلك وقد كان ابن تيمية يذكر إخوانه بهذا المثل :المؤمن لأخيه المؤمن كاليدين تغسل احداهما الأخرى والوسخ قد لا يخرج إلا بالحك وشيء من الخشونة ولكن عاقبته النظافة والطهارة ويؤكد عمر بن عبد العزيز معنى وجوب النصيحة من الإخوان ويرى أنها من أحسن الصلات فيقول : "من وصل أخاه بنصيحة له في دينه ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته وأدى واجب حقه "