تحريم الربا من المعلوم أنه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، بل هو مما علم من الدين بالضرورة ، وتحريمه ليس قاصرا على شريعة الاسلام ، فقد حرمه الله سبحنه وتعالى في الشرائع السابقة لفداحة ضرره وشدة خبثه وخطره ، وليس موضوع بحثنا هنا تحريم الربا وتحليله ، إذ ليس ثمت مجال لذلك بعد قوله تعالى
( وأحل الله البيع وحرم الربا ) بل سيدور كلامنا حول سؤال كان ولا يزال موضوع البحث بين السلف من المجتهدين وهو :
1 ما هو الربا الذي تنص الآية على تحريمه ؟
فبإجابتنا على هذا السؤال يمكننا أن نطبق بعض المعاملات الجزئية المنتشرة بيننا - مع الأسف الشديد - والتي سال سيلها حتى صار في كل جيب منها أثر ، فمن المعلوم أن الأساس في الأحكام الشرعية لا يخرج عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا الأساس ينبني الاجماع والقياس ، فليس أما منا إذن في الحقيقة إلا الكتاب والسنة ، فمتى وجدنا فيهما ضالتنا لا نعدو إلى غيرهما وإلا فزعنا إلى الإجماع والقياس ، فقد جاء في القرآن الكريم ذكر الربا في أربع آيات واحدة منهما نزلت بمكة والبقية نزلت في المدنية ، الاولى قوله تعالى ( وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله ..) سورة الروم الآية 39
الآية الثانية في سورة النساء جاءت كرد على اليهود في ارتكاب ما نهى الله عنه قال تعالى متكلما عنهم ( وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ) الآية 161 الآية الثالثة قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ) آل عمران الآية 130 أما الآية الرابعة فهي آخر الآيات نزولا في موضوع الربا بالتفاق المفسرون هي قوله تعالى ( الذين يأكلون الربا لا يقمون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذالك بأنهم قالو إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا ) البقرة الآية 276
أما عن آية الروم فقد قال عنها بن عباس وابن جرير وطاوس ومجاهد هذه آية نزلت في هبة الثواب ، ولا ريب أنها آية مكية والمكي إنما هو مقصور على التوحيد واليوم الآخر وأمهات مكارم الأخلاق ، فالتشريع إنما هو في الآيات المدنية وهذا ما نص عليه الامام الشاطبي في الموافقات وكما يعلمه من أتقن علم القرآن وتأويله ،
أما آية النساء فهي تاريخية بين الله سبحانه وتعالى فيها أناس حرم عليهم الربا فأخذوه فعاقبهم على ذلك ، فبقي الكلام إذن عن آية آل عمران والبقرة ، فقد جاء الربا في هذين الآيتين معرفا "بأل " وهي لا تعدو ثلاث معاني إما أل الاستغراقية أو للجنس أو العهد ، فهذه "أل " لا يمكن أن تكون للإستغراق المجرد عن العهد لماذا ؟ لأن المعنى حينئذ أن كل ربا أي زيادة حرام منهي عن أكله ، وهذا لا شك أنه باطل ، لأن الزيادة قد تكون في البيع وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بحله ، فمن الضروري أن تكون هناك زيادة أخرى لا حظها الشارع ونهى عنها ، كما أنها لا يمكن أن تكون أل هنا بمعنى الجنس لأنهم يريدون به الماهية أي الحقيقة ، ولا معنى للنهي عن كل الحقائق الذهنية ، وبقيت عندنا أل العهدية وهي التي قال المفسرون بأن أل هنا أل عهدية ، فالذين رد الله عليهم قالو إنما البيع مثل الربا فهو شيء معهود لهم متعارف عندهم يشتبه أمره بالبيع حتى خيل إليهم أن يقيسوا أحدهما على الآخر ، يعنى أن البيع الذي هو حلال بالتفاق يشبه الربا ، وقد يتساءل البعض عن الفرق بين البيع والربا ؟ ، أو يقول ما معنى تحريم هذا وتحليل ذلك ؟ الجواب على ذلك ما أكده العلماء لتفسيرهم لربا الجاهلية حيث أنا اهل الجاهلية كان إذا حل دين أحدهم يقول للمدين إما أن تقضي وتربي ، والمعنى المفهوم من ذلك أن هناك زيادة تقابل أجلا ولا مقابل لها إلا ذلك ، هذا ما كانت العرب تفعله وهو ما جاء في القرآن الكريم بالنهي عنه ، ولقد أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقوله " إنما الربا النسيئة " ومعناه أن الربا المحرم أن تكون الزيادة المعطاة في مقابل النسيئة لا في مقابل سلعة تباع ، وهذا ما أكده بن العربي بقوله الربا { هو كل زيادة لم يقابلها عوض } أحكام القرآن ص/ 221 وأكده كذلك بن عابدين بقوله { الربا هو فضل ولو حكما خال عن عوض بمعيار شرعي حاصل لأحد المتعاقدين في المعاوضة } رد المحتار على الدر المختار ج/5 ص/ 21 ، فحقيقة الربا المنصوص عليه إذن هو الزيادة في مقابل الأجل .