تطلع الصحافة بدور أساسي لا يمكن تجاوزه في أي عملية مهما كانت يراد لها النجاح. وإذا انطلقنا بدء وتأسيسا من هذه الحقيقة التي لا يختلف فيها اليوم اثنان فإن جسامة المسؤولية التي يحتمها هذا الواقع تعظم الي حد كبير. ومن هنا بات لزاما علي الصحافة الوطنية التي تدرك جليا هذا الأمر أن تكون
علي المستوى الذي يؤمله فيها المواطن والوطن علي حد السواء.
تختلف الرؤى والتفسيرات والتأويلات اتجاه بعض القضايا وهذا أمر طبيعي بل قد يكون مطلوبا في بعض الأحيان لأنه مصدر ثراء وتنوع لكن الشيئ الذي يتوقف عنده حد التباين والاختلاف هو عندما نكون أمام الهم الوطني العام المشترك. ففي هذه اللحظة بالذات فإن الواجب الوطني والشعور بالغيرة اتجاه المصالح العليا المشتركة يغدو في تلك اللحظة الحاسمة الفاصلة المهماز الحقيقي الذي يحركنا دوما في مثل هذه المواقف. وهي اللحظة التي نتجاوز فيها هذا الاختلاف ونسمو بأفهامنا وأفعالنا الي ما يخدم، الي ما يوحد ولا يفرق الي ما يحقق المصلحة العليا التي نتقاسم جميعا ثمارها علي حد السواء.
هذه اللحظة هي التي تستدعي فينا الروح الوطنية والضمير الحي اليقظ الواعي بواجباته والعارف بمتطلبات ومقتضيات السياق وما يمليه من كبرياء الوطنية والاستعداد للذود عنها.
الدول العريقة علي اختلاف مشاربها وتنوع ثقافاتها وأعراقها عندما تمتحن في مثل هذه القضايا لا تتعثر أبدا. فهبة الضمير الجمعي الغيور علي مصالح بلده العليا تستيقظ علي نحو اوتوماتيكي ليبدأ مفعول تعزيز اللحمة وتوحيد المواقف وتلاحم الجهود دونما حاجة الي الدعوة الي ذلك. وفي مثل هذه المواقف يقع العبء الأكبر علي الصحافة الوطنية. فهي الصوت الواصل للجميع. وهي الوسيلة التي بين يدي الكل والأداة المحركة للرأي العام والمتحكم في توجيهه. ولعل هذا الموقع الحساس يطرح عليها واجبا مزدوجا من حيث لعبها دورها كركيزة يعول عليها أولا وبحكم أن المسؤولية تعظم بحسب الظرف وحجم القضية.
عندما نتحدث عن الأمن والاستقرار وعندما نتحدث عن تهديد اللحمة الاجتماعية وعندما يكون وطننا أمام تهديد حقيقي مهما كانت طبيعته فحينئذ يكون واجب الدفاع والاستماتة فيه من آكد الواجبات.
لا يحتاج هذا الأمر بكل تأكيد إلي طلب الفتوى أو الاستشارة لكي نقوم به بل إنه أمر يجب أن تكون ردة الفعل إزاءه مباشرة لا ينبغي لها أن تتأخر أو تتباطأ أو تفتقر إلي الديناميكية المطلوبة. هكذا تكون الوطنية الخالصة التي لا تشوبها شائبة وهكذا يجب أن نكون.
عندما أراد الله أن يحدد الجزاء والعقاب امتثالا أو مخالفة لأوامره ونواهيه لم تكن المستويات فيها علي حد سواء وإنما كانت تختلف باختلاف التكليف والتفاوت في المنزلة حيث تعظم وتخف بحسب التكليف والمنزلة.
فالعقاب المترتب علي مخالفة الأنبياء، إن حدثت، ليس هو نفسه المترتب علي من هم دون تلك المرتبة كالعلماء والعامة( خاصة الخاصة والخاصة والعامة). فهو أجل وأعظم عند الطبقة الأولي وأعظم عند الثانية وعظيم عند الثالثة.
وهكذا نكون نحن الصحافة في مثل تلك المواقف التي يهدد فيها الوطن. فالمسؤولية الملقاة علي عواتقنا ليست كالمسؤولية الملقاة علي غيرنا. فنحن سدنة الكلمة وحملة الفكر والوسيلة المباشرة والأداة الفعالة التي تتحكم في الرأي العام وتوجيهه.
ومن هذا المنطلق بات واجب الوعي بهذه الحقيقة أمرا ضروريا علينا أن نستحضره في كل الأوقات. وكما أسس أهل القانون علي مبدأ أن لا يعذر أحد بجهل القانون فإن علينا نحن الصحافة أن نبني وعينا ونؤسس عملنا علي أن عذر لأحد في التقاعس عن هذا الواجب الوطني في مثل هذه المواقف.
إن علينا ونحن نواجه هذه المواقف أن نثقف المواطن حول ما يجب أن يقوم به وأن نسعي إلي زيادة وعيه حتى يكون قادرا علي التفاعل الايجابي مع قضايا وطنه وأن لا يكون سلبيا اتجاهها.
الصحفي أينما كان هو حارس الحقيقة لا ينتمي لطرف دون آخر فهو إن جاز التعبير "تراث مشترك للجميع" ليس له أن يكون طرفا في أية قضية وإنما يكون إلي جانب الحقيقة. ولا يجوز الانحياز في أي قضية مهما كانت إلا حينما تكون تعني المصالح العليا للوطن. فالخيارات أمامه حينها غير متعدد وإنما خيار واحد هو الوطن فوق كل اعتبار. هذا هو الشعار الذي علينا أن نتمثله.