نيروزُنا كلُّ يوم / محمد يحيى بن احريمو

إسهاما في الدائر  الدائر حول  الاحتفال بالأعياد والمناسبات الأجنبية روي ابن الأنباري في كتاب " المصاحف " له عن ابن سيرين أنه أُهدي إلى على بن أبى طالب بفالوذج يوم النيروز فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم النيروز فقال" نيروزنا كل يوم " (كنز العمال 14\ 150 )، وفي رواية البيهقي أنه قال :" قَالَ : 

فاصْنَعُوا كُلَّ يَوْمٍ نيْرُوزَا"،. قال البيهقي في سننه معلقا على هذا الأثر: "  وَفِى هَذَا كَالْكَرَاهَةِ لِتَخْصِيصِ يَوْمٍ بِذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّرْعُ مَخْصُوصًا بِهِ" (سنن البيهقي 9\235 ).
.).
والنيروز أول أيام السنة الفارسية ويوافق يوم 21 مارس، وله بعد ديني مجوسي.
هكذا كان السلف يحرصون على التميز الحضاري، ويفرِّون من كل ما يخل بالخصوصية الإسلامية، حسبما فهموا من روح التشريع ومقاصده؛ ونظير ذلك أن بعض الفقهاء كره صيام يوم النيروز فرارا من تعظيمه، أو الاعترف له بأي خصوصية.
وقد دأب الفرس على الاحتفال بالنيروز حتى بعد الإسلام، كما في قول أبي الطيب مهنئا الوزير ابن العميد بمناسبته:
جَاءَ نَيرُوزُنَا وَأنتَ مُرَادُهْ *** وَوَرَتْ بالذي أرَادَ زِنادُهْ
هَذِهِ النّظْرَةُ التي نَالَهَا مِنْـ***ـكَ إلى مِثْلِها من الحَوْلِ زَادُهْ
إن الاحتفال والفرح بأعياد الكفار مخالفة لصريح الشرع، وتكلف وانفصام في الشخصية  بمقتضى الطبع؛ ذلك أن التميُّزَ الحضاري، والالتزام بمقتضيات الهُوِية مقصد شرعي أسس له الإسلام وراعاه، قال صلى الله عليه وسلم: " إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" رواه الشيخان.
وفي حديث أنس : قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال:" قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما: يوم الفطر والأضحى"، أخرجه النسائي
لكن يفرّق الفقهاء بين الاحتفال بـ"الأعياد والمناسبات الأجنبية "، وبين الاعتبار الإجرائي لها فيرون أن البيع إلى أجل " عيد النيروز" مثلا جائز ، لأنه المدار على انضباط الأجل، قال اللخمي: "إنما يجوز إلى النيروز وما معه إن علما معا حساب العجم وإن جهله أحدهما لم يجز" (مواهب الجليل للحطاب6-501).

يختلف الفقهاء المعاصرون في حكم تهنئة المخالفين في الملة بأعيادهم ومناسباتهم الدينية، ومنهم من يمل إلى جواز ذلك، وإن كان الفقهاء الأقدمون على منعه، بل حكا ابن القيم الإجماع على منعه، ولعل الأولى الاقتصار على المجاملة اللطيفة من غير إقرار لهم ولا رضى بعقائدهم،هذا  لمن دعته ضرورة العمل أو المساكنة، فعسى ألا  يكون في  ذلك حرج ويكون من البر والإحسان الذي أمرنا به؛ وقد روي  لعبض السلف ما يشهد لذلك، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ ، فَقَالَتْ : إنَّ لَنَا أظارًا مِنَ الْمَجُوسِ وَإِنَّهُمْ يَكُونُ لَهُمَ الْعِيدُ فَيُهْدُونَ لَنَا ، فَقَالَتْ :" أَمَّا مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَلاَ تَأْكُلُوا , وَلَكِنْ كُلُوا مِنْ أَشْجَارِهِمْ." (مصنف ابن أبي شيبة 12\249)؛ ولعل هذا مما يستأنس به لما ذكرنا.
لا يعني هذا الانغلاق ومقاطعة المخالف في الملة، فقد أمرنا بالإحسان إلى الكفار المعاهدين والبر بهم، فنعاملهم بالتي هي أحسن، ونمحضهم  النصح وحسن المعاملة ،  ولكن هناك بون شاسع بين الانفتاح والاندماج؛ولهذا فإنهم لا يشاركوننا أعيادنا الدينية حرصا على التميز والخصوصية.
ولا أرى اهتمامنا اليوم بالأعياد والمناسبات الأجنبية إلا تصديقا لقاعدة " المغلوب مولَع بالاقتداء بالغالب"، التي قعّدها مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون، وخصص لها فصلا في مقدمته؛ ويبدو أن هذه القاعدة قوية ومؤثرة، فنحن متفقون على الغرب في المجالات الروحية والأدبية باعتراف الجميع ومع ذلك لم نسلم من تأثير الغلبة المادية، مما يعني تداخلا بين الجانبين !،
.وأخيرا  روي عن الشيخ حماهُ الله التشيتي – المعروف بمناوئته للاستعمار -  أنه عاتبه مرة الوالي الفرنسي في باماكو قائلا .. لماذا يحضر جميع الشيوخ عندي يوم بدء السنة الميلادية، مسلّمين ومباركين سواك ؟
فرد عليه الشيخ قائلا: "أنا لا أفقه أعياد فرنسا!
 

3. يناير 2016 - 16:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا