موريتانيا الفتية شهدت عشر إنقلابات بمعدل إنقلاب وثلثين في كل عشرية وظلت مشكلة الإنقلابيين أنهم لا يقتسمون مكاسبهم ويركضون نحو وهم ثبات سدو بابه منذ بداية تشريعهم لقانون القوة ، و ظلت خطى الدولة مترنحة تناغما مع سيرهم ، تهرول إلى الأمام مرة وتنتكس إلى الوراء مرارا
أخرى ،تبعا لتغيرات السلطة فكل رئيس يشتري زماما جديدا وسرجا حديثا ، ثم يعلو صهوة جواد بنزينه ثلاثة ملايين خلية تتفاعل في مابينها بشكل صارخ ، ونقطة البياض فيه تحاول تبييض السواد المتبقي في صهريج المركبة ، ونقط السواد أيضا تريد أن تكون بيضاء بشكل أسود !
ليس هذا غريبا نحن نتحدث عن دولة شهدت عشرة انقلابات وكثيرا من الإنتخابات في 55 سنة !
إن المفكرين والكتاب هم السرج والزمام لأي رئيس يحاول إمتطاء صهوة الوطن ، فهؤلاء هم المستفيدون من سياسة الإنتقاء ، أهل الوظائف وأهل الحبوة أهل رضا السلطان تراهم يتجملون بالألقاب كالدكتور والأستاذ ، لكن حالتهم الحقيقية عندما يجدون قليلا من نعيم الحياة أنهم أهل لهو وطرب يرمون النقود في الحفلات كما يرميها العامة والتجار، تلك النقود اللتي كانو متعطشين للحصول عليها ، والرئيس هناك لا ينظر في المواقع ولا يكلف نفسه عناء النظر والتفكر فقد أوكل أمر سياسته وحفظ ملكه إلى أهل الحزم وأهل الثقافة !
وهناك من المفكرين رؤساء الأحزاب وأهل المسيرات وسياسي المواقع ، التجار الصغار والمتثاقفين ورواد المقاهي أهل القهوة وأهل التدخين هؤلاء إنقلابيون أيضا ولا يناضلون من أجل الفرس بل يناضلون من أجل أصنام إنقلابية هي الأخرى ، لقد قمت بمسح لاحظت من نتائجه أن أغلبية قواد المعارضة المظفرين كانو في السلطة في زمن معين ، لذلك فإنني عندما أسمعهم يتكلمون ، أقول مجاوبا :
وماذا فعلت أنت عندما كنت هناك ؟
هؤلاء قوم أرادو التوبة من ذنوب اقترفوها في حق الشعب والوطن فلجؤوا إلى ساحة المسجد أروجو الله أن يتقبل منهم !
أما الجانب الأهم في موريتانيا والذي يلهث الجميع خلفه فهو المال ، حيث أصبح رجال الأعمال لما يؤمل فيهم من عطية وما يخشى منهم من منع، هم مدار رحى الصراع ، وبما أنهم بشر يجري عليهم كل ما يجري على بني آدم فإنهم قد يتصارعون فيما بينهم لكن صراعهم غالبا ما يجري بن سياسييهم ومثقفيهم ، لقد إكتسبوا صفة الأوطان لأنهم يملكون توفير المال والأعراض ، فمثلا ، هناك رجل أعمال كبير رحل عن موريتانيا وذهب بإستثماراته إلى الخارج لأن السلطة أصبحت تستهدفه ولأجل هذا فقد اصبح هناك بعد آخر من أبعاد الصراع في قضية وطننا المعقدة أصبحت هناك معارك على المستوى الإعلامي والثقافي ، وأصبحت هناك حرب جواسيس كما كان يحدث في الحرب الباردة ، وأصبحت الشائعات تدور حول محاولات الإختطاف ،
وبما أن الجميع لم يشعر بولاء لهذا الوطن فإنهم استثمرو مأساته في الدعاية ضد الحكومة وأصبحت الحكومة أيضا تستثمر كل ميزانية الدولة من أجل الدعاية ،حتى الوزراء والمشاريع أصبحو جزءا من الدعاية اللتي تسعى لردع هذه الدعاية المشككة في برنامجها الوطني المقدس ، ومن ما لا يخفى على الجميع أن الكل إستخدم أسلحة من وحي فكره الذاتي ، فترى الإسلامي منافحا عن توجهه بأدلة إسلامية ، وترى العلماني يستشهد بالمنطق والفكر والعقلانية ، وترى صاحب الثقافة الشعبية يستنجد بموروثه الشعبي ، فينظم طلعة أو كاف في مدح أحد الأطراف المتصارعة ، حتى المجانين أصبحو ينقدون الواقع بجنونهم ! ما يحدث الآن هو هيستيريا النقد ، لا شك أنني أصبت بالعدوى !
فأصبح الرزين أحمقا في خضم هذا الصراخ الذي يرهب السائق ويربكه ولا يوضح له أين يسير ،إذ يبقى خوفه على نفسه هاجسا يحثه على ترسيخ سلطته على هذه الضفادع الناعقة اللتي يعظه عالمها ويحذره من البطر ثم يطلب منه مفاتيح آخر صيحة من السيارات !
آسف لأن الأمر هكذا وآسف لأنني خارج اللعبة ولا يمكنني إلاالصراخ بالحقيقة اللتي قد تزعج الكل لكن ستسمعها القلوب الصادقة
أخيرا فإن كل هذه التحركات ليست مخاض وطن يتمناه الجميع ، بل إنها مجرد طور من الصراع الحاصل في الأسواق إذ يسعى الجميع للربح ، وبالتالي فإن جميع الدعوات العدوانية اللتي يتوجه بها ابطال اللعبة ضد بعضهم البعض لاتعنينا كأبرياء والدعوات الصالحة اللتي تضع شعار الوطن ليست في الحقيقة إلا فقاقيع لصراع التماسيح داخل المستنقع!