كلمة الإصلاح هذه المرة نظرا لكثرة مشاهدتها لقناة المحظرة طلبا للاستفادة من أنواع العلوم التي تقدمها كل ليلة للمشاهدين ، فقد استدركت في ليلة من تلك الليالي ثلاثة مشاهد يتـتابعون في ساعة واحدة فعزمت أن أعلق على فحوى ما جاء في تلك المشاهدة في تلك الساعة، وعزمت كذلك أن أجعلها فرصة
لأتقدم فيها لأولئك العلماء الذين خصهم الله بوافر من العلم يمكنهم بإذن الله من استجلاب كل وعد وعد الله به من أعطاه الله العلم والحكمة عندما يوفقه الله إلى صرف ذلك العلم وتلك الحكمة في المواضيع المبينة في القرآن أن المولى عز وجل طلب من العلماء صرفها هناك .
وهذه المشاهدة كانت بالتوالي على النحو التالي :
أولا : دكاتر موريتانيون مع ضيوفهم دكاتر مغاربة وكان أساس موضوع المناقشة هو معالجة قاعدة أساسية من أصول الفقه يطلق عليها (تـنقيح المناط) .
ثانيا : دكتور سعودي كان يتكلم بتوسع في قضية المجامع العلمية الموجودة في أقطار العالم الإسلامي وذكر أن على رأسها مجمعا تابعا لمنظمة العالم الإسلامي ومقره السعودية، وذكر منها كذلك مجمع البحوث الفقهية في مصر ، وذكر أن هذه المجامع هدفها هو ربط جميع القضايا الحديثة والمحدثة التي تتعلق بالحلال أو الحرام لربط أحكامها بالنصوص الإسلامية المعروفة .
ثالثا : لقد استمعت لما ينبغي على المسلمين الآن ولا سيما الموريتانيون أن يطلقوا عليه شيخ الإسلام في هذا القرن الأخير ألا وهو العلامة الفاضل الشيخ عبد الله بن بي حفظه الله فقد استمعت إليه وهو يتكلم عن موضوعه الذي يسميه .. تعزيز السلم في بلاد المسلمين وهو فرع من موضوعه الأكبر الذي هو التجديد والترشيد وقد أعلن هو انطلاق العمل به في السنة الماضية.
ونظرا إلى أن هؤلاء العلماء الأجلاء ينطلقون من واد اسمه واد العلم الموسع ويتكلمون فيه بجادرة مشرقيـن ومغربـين وأنا أتكلم من واد اسمه واد الجهل المركب، إلا أن الإسلام في تاريخه جمعني وإياهم بأن أذن لكل مسلم أيا كان جهله وموقعه السفلي من العلم أن يطرح أي قضية ارتاب في شأنها أو رأى أن عليه أن يطرحها أمام أهل العلم لمناقشتها كما قال تعالــي (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وأنا قطعا لا أعـلم .
وقبل أن أضع إشكالي أو استفتاءي على هؤلاء العلماء كل بحسب موضوعه الذي كان يتكلم فيه في قناة المحظرة وحسب موضوعه أيضا فيما أعطاه الله من العلم المكتسب والذكاء الموهوب ، فإني أعلن أني استفدت من أولئك العلماء ومراجعتي للقرآن المحفوظ ولله الحمد قضيتين : .
أولاهما : أن حصول أي مسلم على البشارة من الله ساعة موته هي أصعب مكسب يكتسبه المسلم في حياته حتى ولو كان عالما لأن الله سيسأله عن ما أعطاه الله من العلم ماذا عمل فيه وبه فقوله تعالى (( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم )) وقوله تعالى (( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) وقوله تعالى(( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)) وقوله تعالى: (( الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)) إلى قوله تعالى(( وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون )) فالحصول على هذه المنزلة صعب للغاية كما قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : .
أما القضية الثانية فهي خطورة العلم على صاحبه وأول ما يفهم من هذه الخطورة هو ما وجه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من تهديد على كمال إيصال العلم إلى من أرسل إليه أيا كان يقول تعالى (( يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته )) وقوله تعالى (( وإن كادوا ليفتـنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره )) إلى آخر الآية ويقول له المولى عز وجل (( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما )) ويقول تعالى (( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض )) إلى قوله تعالى(( ولا تتبع الهوى )) ويقول للعلماء مباشرة (( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم... الآية )) .
فيفهم من هذه الآيات وذلك التهديد الذي بدأ بالأنبياء وانتهى بالعلماء في قضية تفعيل العلم في أمة البشر كلها كما أنزله الله أن خطورة العلم على المسلم أشد من خطورة الجهل على المسلم الذي مات وهو لا يشرك الله شيئا فقط لوجود وعد برحمة يدخل فيها هذا ولوجود خطورة تهدد ذلك .
وبناء على هذه الفبركة الوسطية فإني سوف أضع فوق الورق فقط هذا التعليق من مثلي أنا المتـقدم وصفي الكاشف لجهلي المركب .
أولا : لقد استمعت للدكاتر الموريتانيين والمغاربة يناقشون في هذا العصر القاعدة الأصولية وهي تـنقيح المناط ولكن تـنقيح المناط عن ماذا؟ تنقيح المناط كما ناقشوه عن علاقة الزمان والمكان المعبر عنها بالتشريع الوضعي وعلاقة ذلك بالتشريع الخطابي المعبر عنه بفعل المكلف المحكوم بالنصوص الثابتة .
ومع أن هذا البحث له ما يبرره ولكن في زمنه ومكانه ومجتمع يبحث عنه فيه فأنا أظن أن أي عالم الآن في هذا الزمان عندما اختلط حابل المسلمين بنابل غير المسلمين واختلط كذلك حابل المسلمين بنابل بعضهم على بعض فعلى العلماء أن يبحثوا عن تحقيق مناط ما يلي :
أولا : علاقة الحاكم بالمحكوم في هذا الزمان وفي المكان الموجود فيه الحاكم والمحكوم وكذلك تحقيق المناط في ما يطلبه الإسلام من علاقة المسلم بأخيه المسلم أيا كان في الزمان والمكان عندما يصاب بايذن من حاكم أو محكوم .
وأظن أن أول تحقيق مناط في العلاقة بين الحاكم والمحكومين هو ما جاء في خطبة أبي بكر رضي الله عنه عندما ولي أمر المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي من السماء حيث كان الوحي يوجه النبي صلى الله عليه وسلم في جميع علاقته بغيره ، أما بعد ذلك فلم يـبـق إلا تحقيق مناط موجودة أصوله في الإسلام المقروء والمجتهد فيه على ضوء النصوص الثابتة .
ومن ما جاء في تلك الخطبة: لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أنا أحسنت فأعينوني وإن أنا أسأت فقوموني إلى آخر ما قاله أول حاكم منتخب في الإسلام وما أجابه به قواد الشعـب الذين انتخبوه عنـدما قالوا له: أنه إذا أساء سيقومونه بسيوفهم كما جاء في رواية للواقعة
فهل على العلماء الآن أن يسكتوا عن الإعانة في وقتها للحاكم ، والتـقويم في وقـته أيضا كما أن هناك تحقيق مناط أوضح من ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في علاقة المحكوم بالحاكم وبجميع المسلمين وعامتهم وهو حصر الدين في النصيحة لهؤلاء الحكام والمسلمين وعامتهم بتعريف المسند والمسند إليه ( الدين النصيحة )الخ الحديث فهل على العلماء أن يسكتوا على بطش بعض الحكام بشعوبهم تبعا لسياسة الدنيا المتداولة الآن .
وهذه المواقف إن لم يظهر السؤال فيها للناس عند وفاة كل عالم فسيظهر له هو عند موته مباشرة كما قال تعالى(( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون )) ومن بين الأسئلة المباشرة للعالم خاصة كما قال صلى الله عليه وسلم<<لا تزال قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع ومنها علمه بماذا عمل به .... الخ آخره .
وملخص التعليق على ما جاء أعلاه أن عند العلماء الآن ما يشغلهم من قول الحق فيما يجري في المسلمين كل المسلمين من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وقول هذا الحق هو تحقيق المناط المطلوب الآن تحقيقه ولو بالكلمة المؤصلة والمؤثرة في أي اتجاه يحقق مناطا من ما هو مطلوب من العلماء الآن .
أما القضية الثانية وهي إشادة الدكتور السعودي بالمجامع وهدفها اللاستماتة في اثرائها والإشادة بذلك فهذا قريب من البحث في تحقيق المناط المتقدم في غير زمانه ومكانه .
فالمجامع تبحث في إثراء الفقه بالفقه إلى أين ؟ ولمن ؟ فمن استمع إلى محاضرة السعودي في هذا الموضوع فسيقول له مباشرة ما قاله العالم العراقي الذي جاء العراقيون يسألونه هل دم البرغوث طاهرا أو نجسا؟ بعد أن قـتـلوا الحسين بن علي وفصلوا رأسه عن جسده أتقـتلون ابن النبي صلى الله عليه وسلم وتسألوني عن طهارة دم البرغوث .
وكذلك السعودي هو يعلم أن الملك عبد الله الذي نرجو له من الله الرحمة هو الذي فجر مصر الإسلامية وأرجعها إلى أسفل سافلين بوقوفه (أعوذ بالله من ذلك ) وراء السيسي الذي فعل أفعال من لا يرجو لقاء الله فلم يكتـف باغتصاب الحكم لأن من اغتصب الحكم وأراد له الله الخير وفعل في الحكم الخير دون الفساد في الأرض يرجى له داخل دائرة الإسلام خيرا .
أما من اغتصب الحكم وهو عازم على أن يهلك الحرث والنسل ويـبوء بجميع كل إثم قد ارتكبه طاغية في الدنيا فإن مساعدته وتمويله والمجادلة عنه في الدنيا لا ينفع معها مجمع فقهي ولا مبحث علمي ولا سكوت خوف أ و طمع من البشر الذي ظهر قريـبا أنه زائـل وأنه قادم إلى ما قـدم .
فماذا قال المجمع العلمي في منظمة العالم الإسلامي عندما ارتـكب السيسي ما ارتكب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وأين البحوث الفقهية في الأزهر التي ساندت ذلك كله في الدنيا .
فهل بحث المجمع العلمي السعودي ما جاء من البحث الفقهي في قـتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا سيما النفوس البريئة غير المغالبة إلى آخره نسأل الله تبارك وتعالى أن يوجه أهل ذلك المجمع الفقهي في السعودية إلى ما يرضى عنهم المولى عز وجل عندما تاتي كل نفس بما كسبت رهينة ، وأما المبحث الفقهي في الأزهر فقد سالت الدماء به وعليه .
ولكن أنبه الجميع أيا كان أنه إذا استحيا من قول الحق ساعته وأمام أيا كان فإن الله لا يستحي من الحق والمرجوع إليه قريـبا جدا هو الله جل جلاله كما قال تعالى (( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون .
أما التعليق الثالث والأخير وهو المستـنـتج من العنوان الكبير الذي سجله العلامة شيخ الإسلام الآن العلامة عبد الله بن بي فهو تعزيز السلم في بلاد المسلمين .
فلا أخفي على أي أحد أنني عندما سمعت العنوان تمنيت أن أكون بجانبه لنقول له تعزيز السلم في بلاد المسلمين ، في أي مكان يكون هذا العنوان الآن؟ فهو حفظه الله موجود دائما في السعودية أو الإمارات( أبو ظبي خاصة) فأين السلم المعزز ؟ وأين المسلمين المعزز فيهم السلم ؟
إن أكبر اهدار للسلم في بلاد المسلمين هو ما فعلته أبو ظبي ومازالت مصرة عليه وهو مساندتها وتمويلها لمن ظهر أن الله خلقهم ليفعلوا ما فعلوا والجميع يدرك تفصيله فعاثوا في الكنانة فسادا قولا وفعلا وبطشا لا يخافون فيه لومة لائم في الدنيا .
وأنتم أيها الشيخ الفاضل تعرفون أن من شارك في قـتـل دم مسلم ولو بحرف جاء يوم القيامة مكتوب على وجهه آيس من رحمة الله ولا سيما من شارك في قـتـل آلاف المسلمين ومول ذلك القـتـل وجاد عنه وهو قـتـل بدون مغالبة بل ما بين الاغـتـيال بدم بارد أو بالتعذيب إلى الموت إلى آخر ما يعلمه الجميع ويعلمه الله .
وهنا نكـرر هذا السؤال أين الشعب الذي سيعزز فيه السلم والذي قلتم أن دماء المسلمين أبيحت : بعضها أبيح بالاجتهاد الخاطئ وبعضها أبيح بالفتوى المضللة ولكن أكثر ما أبـيح هو بالطغيان الخالص في مصر بمساعدة بعض دول الخليج .
فالذي قـتـل في مصر وعذب وسجن لا لأجل أي عقيدة ولا فتوى ولكن لمجرد طلب الاستمرار التحكم في الحكم ، وهذا النوع هو الذي ساندت فيه أبو ظبي والسعودية من قـبل وأظن أنهما الآن مكان الإقامة لمعاليكم .
أما الشعب في العراق والشام والصومال فهناك مغالبة بين الأفكار المتطرفة والحكام المتطرفين المستبدين ولا أظن أن توجيهاتـكم الرشيدة الجديدة يمكنها أن تصل لا إلى الحاكم ولا إلى المغالب بمعنى أن تعزيز السلم في بلاد المسلمين لا أرضية له الآن إلا في مصر وحامي مصر الآن هو أبوظبي ومن يدور في فـلـكها ، فـلعل سيادتكم أن تـتـفضلوا على المستمع الموريتاني بجواب هذا السؤال: من أين نبدأ تعزيز السلم ؟ وأين بلاد المسلمين التي يمكن أن تكون هي الهدف ؟ وأين الشعب المستهدف بهذا السلم ؟ .
ولكنـني أنا بكل تواضع وخجل أقول هل أنبـئـكم بخير من ذالكم : إن وطنـنا الموريتاني ولله الحمد هو الذي أنجز هذه الفكرة من قـبـل على أرض الواقع بعدما كاد تزيغ قلوب كثير من الشباب باجتهادات يحسبون فيها أنهم يحسنون صنعا فأرسلت إليهم الحكومة علماء لا ينطلقون من توجيهات الحكام مع أن الحكام لم يعطوهم من توجيهات إلا تعزيز السلم في بلاد المسلمين ، كما أن العلماء دخلوا مع شباب لم تشحن قـلوبهم غيظا على فعـل وطنهم كما وقع في الخليج و العراق و الشام تـلك الشعوب التي عاشت على مشاركة أولئك الحكام في الخليج والعراق والشام للأجانب غير المسلمين في إبادة المسلمين في كل من الشام والعراق وافغانستان ...إلى آخره .
فأنا لا أظن أن قـتال داعش لغيرها من البشر مسلما كان أو غير مسلم احياءا لخلافة في الإسلام أو انتصارا للإسلام بل هو انـتـقام من محيطهم الذي سانـد الأعـداء أمريكا على احتـلال العراق وساندت الشيعـة في كل مكان على إبادة أهـل السـنة وما تـنفيذ الإعدام في الرئيس صدام في نوعه ويومه على مشهد من حكام تـلك المنطقة إلا مظهرا لذلك .
فجميع تـلك المجتمعات موبوءة باستبداد الحكام وطغيان الأفكار المتولدة عن ذلك الاستبداد ولا مكان فيها لتعزيز أي سلم .
فعندما يرى المسلم مساندة مصر لليهود وقـتـل الفلسطينيين وتسليم جثـثهم لغزة كما تـفعله اسرائيل اليوم ومساندة أبو ظبي لمصر بعد هذا الفعل المقيت ، فأين المكان لتعزيز السلم ؟ وأين المسلمون المعزز فيهم السلم ؟ .
فأقول أيضا بكل خجل وانكسار يا شيخنا الفاضل إن ليلة واحدة منكم في موريتانيا تعززون فيها السلم بين جميع أعراقها وتجمعون بالكلمة الحسنة بين أحزابها وتربطون فيها رباطا وثيقا بين شعبها وحكامها مع ساعة واحدة في ( لقـليك) تأمر فيها في يوم ذي مسغبة بإطعام يتيم ذا مقربة أو مسكين ذا متربة لهو خير لكم أيها العلامة من حمر النعم في تـلك الأرض الموبوءة ولاسيما أبو ظبي حتى يخوضوا في فعل أو حديث غيره ، وتـقول لك موريتانيا بصراحة وبإلحاح ما في المدينة أحوج .
وأخيرا جعلني الله وإياكم ممن أسكنهم في الجنة غرفا من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار .