يبدوأن الأمر أصبح أكثر واقعية من أي وقت مضى،ولعل خير دليل على ذلك
ما نشاهده في هذه الفترة من تجسيد للحكم الواحد الذي يعكس حكم العائلة والأقارب والأنساب..
وفي ظل هذه العوامل، تذهب الأخلاق والأعراف والقيم المتعارف عليها كما كان سابقا إبان القرون الوسطى
(عصر الجهل والتخلق والفقر)الذي تقصى فيه الطبقات الاجتماعية باستثناء تلك الطبقة التي ينتمي إليها الحكام والملوك وضباط الجيش السامون الذين يستأثرون بسلطة تلك الطبقة التي يطلق عليها *النبلاء*
هذا هو ما يحدث في أيامنا هذه..، فخلافا لسلطة تلك الطبقة تحل محلها سلطة القبيلة لهذا الزعيم أو ذاك.، يفتح المجال لكل أفرادها من أكبرها إلى أصغرها (أطفالا ,رجالا ونساء وشيوخا) ينهشون البلد ويتطاولون على أبنائه ,يدعون السلطة والثروة كأنهم ورثوها بالأمس عن آبائهم.
هذا النظام أقصد نظام الحكم الواحد الذي ينفرد بالسلطة ويتخذ قرارات في أغلب الأحيان، ما تكون خاطئة لكونها تستند على الفكر التقليدي لذلك القائد أو الزعيم كما يرى البعض وبطانته السيئة التي لا ترقى لأن تكون أفكارها قادرة على قيادة بلد وشعب له تنوعه وخصوصيته العرقية..، هذا التنوع العرقي الذي كان بالإمكان أن يكون مصدر قوة حقيقية لو قدرت له قيادة سياسية واعية أكثر فهما وتنبئا لأبعاد المستقبل.
لكن ذلك لم يحدث... ربما قدرنا أن يكون ساستنا وقادتنا بهذه الهشاشة الناتجة عن إعاقتهم الذهنية العاجزة عن إقامة (المشاريع العامة وبناء الدولة بثرواتها الوافرة والوحدة الوطنية وإصلاح قطاع الخدمات الصحية والتعليمية ودعم الشباب ودمجهم في العمل السياسي وخلق فرص العمل والنهوض بالبلد نحو الأفضل من خلال إمكانياته الذاتية التي تسمح له بذلك).
في العادة من يصلون إلى سدة الحكم يجدون أنفسهم في سياق تنافسي يفرضه الواقع الملموس لإنجازات من سبقوهم , لذلك يبحثون عن فراغ صغير يتسع لكتابة أسمائهم بين القادة الذين حفظت ذاكرة التاريخ ما وصل له البلد من تطور وتقدم يحسب لهم.
وانطلاقا مما سبق يجد الوافدون إلى السلطة في ذلك المعنى الحقيقي للوطن والولاء له , لهذا يراجعون سياساتهم وقراراتهم ويضعون أولويات البلد على قائمة برامجهم ومشاريعهم التي تخدم الصالح العام الذي يجدون فيه كل المعنى العام فذلك يكفيهم شرفا وعزة لكونهم قد أضافوا لبلدانهم إضافة قيمة تدون لهم بين سطور قاموس الإنجازات الملموسة (هذا تميز صغير يصنع كل الفارق)
على النقيض من قيادتنا والمحيطين بها في أيامنا هذه..، تلك القيادة الموجودة بين صفوف الفاسدين من السياسيين والإعلاميين الذين يعتبرون الخدمة المدنية نوعا من السذاجة ،ويرون حسن تدبير على أنه سوء تدبر..، كما يسمون الأخلاقيات المهنية والتمسك بالمعايير المهنية والمؤهلات عند التعيين قلة سياسة ويعتبرونها جميعا مجالا للسخرية في مجتمع التقى فيه النفوذ السياسي بالمصالح الخاصة للقلة وتعميم وخفاء علنية الفساد (هذا أيضا تميز صغير يصنع كل الفارق)
أتساءل كيف استطاع المجتمع الموريتاني أن يبقى صامدا في هذه الظروف وتحت شعار النظام الجمهوري المزيف الذي يتخذ من مبادئ الثورة الفرنسية مثالا له ونعم المثال والقدوة (شرف ,إخاء ,عدل),ما أجمل هذه المبادئ لو طبقت على أرضية الواقع.
إذا نظرنا إلى واقعنا المعاش وانطلقنا من فكرة الواقعية النقدية فإن نوع النظام في موريتانيا ليس نظاما جمهوريا، بالمفهوم الحقيقي الذي له أسسه وثوابته ينطلق من فكرة التناوب على السلطة بصفة نزيهة وشفافة تعكس فعلا رغبة المجتمع دون توجيه أو إملاء لهذا أو ذاك ,وإنما هي محاولة لصياغة مجموعة من الإرهاصات والحيل تصوغ للعامية أن من وصل إلى مركز القيادة كان يعكس فعلا تلك الرغبة
وإذا صدقنا هذه الكذبة واعتقدنا أن من وصل إلى المقعد الذهبي شرعي بحكم رغبة العامة إلا أنه مقال بحكم أنه لم يستوف بنود (العقد الاجتماعي ) الذي تقوم عليه الدولة بمعنى أن الناس جميعا قد تنازلوا عن حقوقهم وخولوا لشخص ما السلطة شرط أن يضمن لهم حقهم ويحرص على أمنهم ومصلحتهم حينها يكون مؤهلا وشرعيا وهذا لم يحدث أيضا.
إذن من الجدير القول بأن نظامنا هذا ليس نظاما ملكيا ولا هو جمهوريا لا في المحتوى أو المضمون، وإنما يشبه الشكل وربما هو الأقرب إلى الحكم العائلي، الذي تطغى فيه القبيلة والعشيرة وتلعب فيه المحسوبية و الجهوية دورا بارزا وفعالا لتحقيق المآرب ذات الطابع الخاص. وبالتالي فقد تنطبق عليه فكرة( الأنانية) التي وضعها "هوبز" باعتباره نظاما منفعيا بطبعه لا يسعى إلا لتحقيق أغراضه وحاجياته ولذلك فهو أشبه بنظام الغابة الذي يعتمد على قانون الطبيعة (أي أن الناس جميعا يتصارعون كما تتصارع حيوانات الغابة، فإن تهيأت لأحدهم القوة اعتدى على الضعيف، ولو استطاع القضاء عليه لقضى عليه واستحوذ على أملاكه )..
كل تصرفات هذا الحكم العائلي القبلي تشير إلى ذلك..، إنه حكم همجي تعسفي ينظر إلى الدولة على أنها محل تجاري كبير تحسب لهذا أو ذاك أو أولئك فينهبون وينهشون خيراتها كما تنهش الذئاب الجيف هذا هو واقعنا المر وبئس الواقع الذي نكتبه بواقعية من أجل تغيير الواقع.