بونزي موريتانيا / عبد الرحمن ودادي

"خداع الناس أسهل من اقناعهم بأنهم خدعوا ـ مارك توين"
لكل فن رواده و اعلامه الذين سجلتهم صفحات التاريخ ، كان تشارلز بونزي  اسطورة عالم النصب و الاحتيال وإمام هذا الفن بدون منازع و احد اقطابه المبدعين ، ما ورد اسمه قط في مجالس اللصوصية الا مصحوبا بآيات التبجيل وعظيم الثناء.

مر الفقيد بسلم المهنة منذ وطئت قدماه ارض امريكا قادما من ايطاليا في بداية القرن العشرين و في جيبه دولاران و 52 سنتا، انتقل بين مختلف الأساليب بدأ ببيع مياه الحنفية للمتدينين الكاثوليك بدعوى انها مياه نهر الأردن المقدسة وتوزيع مبيضات اسنان تزيل الاصفرار في دقائق رغم آثارها السلبية التي تتمثل في تآكل الأسنان تماما في وقت يتيح للبائع الانتقال الى مكان آخر، و صولا الى ادعاء الانتماء الى اسر ايطالية ثرية لخداع ابناء جلدته من ذوي الاصول الايطالية والدخول معهم في عمليات تنتهي غالبا بالاستيلاء على اموالهم وصولا الى تزوير الشيكات.
في احد سجونه العديدة  توصل بعد تفكير عميق الى خطة ضمنت له الدخول في سجل الخالدين و تم تسجيل الفكرة حتى اليوم باسمه  في جميع المراجع المتخصصة فتارة تسمى  نظام  بونزي أو هرم بونزي أو خدعة بونزي او سلسلة بونزي.
شرع  زعيم النصابين في جمع الأموال بنسبة فائدة خيالية  ، تدفع على مدى يتراوح بين ثلاث اشهر الى سنة كاملة.
لم يتأخر الدفع بتاتا في الآجال المحددة، و اخذ عدد المتعاملين يزداد بشكل مطرد و سريع ليشمل مختلف الشرائح الاجتماعية و ارباب المهن و الأعمال.
الطريف ان معظم من يجنون ارباحا يعيدون استثمارها من جديد للحصول على  أقصى قدر ممكن من الاستفادة.
الحقيقة انه كان يدفع ارباح المساهمين  القدماء من المساهمين الجدد ،فعلى سبيل المثال اذا استثمر احدهم مئة الف دولار و كانت الفائدة 25 في المائة فإنه من الممكن دفع فائدة من 25 في المائة لأربع سنوات بدون انقطاع، و في السنة الثانية يتضاعف عدد المودعين لتزداد الفترة بأربع سنوات اخرى و هكذا دواليك الى يصل عدد المودعين الى اقصاه فيتم ايقاف العملية لتتبخر الاموال.
اصبحت خدعة بونزي مجالا لدراسات خبراء الاقتصاد ، و تمت صياغتها رياضيا من قبل العالم مارك آرتزروني** والفت حولها العديد من الدراسات وكُررت لآلاف المرات في مختلف انحاء العالم، ومن اشهرها عملية البانيا التي بدأت 1991 و انفجرت بداية 1997 ***  و ادت الى ثورة شاملة كادت تختفي معها بنية الدولة في عهد الرئيس صالح بريشيا، فخرج الألبان الى الشوارع و استولوا على مخازن سلاح الجيش بعد ان ذهبت ثلة من النصابين بمدخراتهم، كما عرفت مصر نفس العملية تحت اسم شركات توظيف الاموال و على راسها شركة الريان****.
في موريتانيا استخدمت نسخة محدثة من الخدعة، اذ تحول الاستثمار المالي الى شراء العقارات و السيارات و البضائع بثمن يفوق قيمتها الحقيقية على مدى لا يتجاوز السنة، ليتم بيعها فورا بأسعار اقل من قيمتها السوقية.
التغطية في هذه العملية لا تتم عبر ادعاء استثمارات خيالة كما جرت العادة ، بل باستخدام الدين  و تجنيد جيش من النصابين و السماسرة يعملون ليلا نهارا بلا ملل و لا كلل  للبحث عن ضحايا جدد، فنسبة عمولتهم تحصّل من عملية الشراء و عملية البيع نقدا و بدون مماطلة، و يتنقلون بين صالونات نواكشوط و اسواقه و  يتوزعون على مقاهيه يتصيدون الضحايا، و يختلقون  قصصا لا تدخل تحت حصر عن شيخهم و تلامذته النافذين، بدأ برئيس الدولة الذي انقذته بركاته من سقوط حكمه بعد الرصاصة المشبوهة في الطويلة،  و الذي يزعمون انه يستقبله بن الحين و الآخر طلبا لبركاته وسطوته في عوالم الغيب، و طبعا حكايا عديدة عن  بقية اركان  الدولة و كبار الأغنياء  الذين يلجؤون له في الصغيرة والكبيرة،  ويبدع القائمون على الدعاية في اختلاق الغرابات والمعجزات التي لا تدخل تحت حصر، و من اطرفها ادعاء تخصصه بأمور السلطة فيسمونه "ولي التمكين" للتأثير على الطامحين للتعيينات و الخائفين من العزل، و يختلقون قصصا ظريفة عن  لقاءاته الدورية  بالخضر وسيدنا عيسى بن مريم  و يكثرون من  الاستخدام المكثف لاسم  الرسول عليه ازكى الصلاة و السلام بين الحين و الآخر لعلمهم بمدى تغلل محبته في قلوب الموريتانيين.

نجاح العملية و انتشار ضحاياها و صل الى درجة التأثير على سوق العقارات في نواكشوط، الذي شهد انخفاضا غير مسبوق.

قمة الابداع في التلاعب بالعقول  وصل الى درجة ان من يتزعم العملية لا يوقع أي وثيقة تتعلق بعمليات البيع ـ مما يشي  بسناريو الإخراج النهائي ـ  بل يأمر احد مساعديه بالإمضاء على العقود في الوقت الذي يكتفي هو بهز الرأس و تحريك حبات مسبحته اثناء ذلك، و المضحك ان الضحية يقبل الامر دائما فجرعة الأكاذيب المكثفة من قبل افاقين محترفين متخصصين بخلق هيلمان كاذب كفيلة بمسخ دماغ أي مغفل ، و صدق من قال أن آفة الطماع هي الكذاب.

الأدهى و الأمر الى ان بيع الممتلكات بأثمان متدنية لا يمارس بالخفاء، ثقة في غباء الضحايا، بل يتم امام اعينهم بدون مواربة كأن تباع سيارات تاجر سيارات بنصف الثمن لجاره في السوق  في اقل من ساعة .

خطورة خدعة بونزي انها تستمر في النجاح الى ان  تسقط دفعة واحدة و بدون مقدمات، و ذلك حين يصل عدد الضحايا الجدد الى حد لا يسمح بتغطية الضحايا الأقدم، و لذك تطارد السلطات في العالم أي شخص تشتبه في استخدامه للحيلة قبل ان تضيع اموال الناس.

ترى لماذا تسكت الدولة عن الالعوبة المكشوفة التي ستدمر آلاف العائلات و تؤدي الى كارثة حتمية  لا يمكن تخيل آثارها على بلد فقير و هش؟  و كيف سيكون مصير المتقاعدين الذين باعوا كل ما يمتلكون و اجروا بيوتا بالدين انتظارا لمال لن يأتي أبدا؟ و كيف ستكون ردات فعل من سيخسرون كل ممتلكاتهم ؟ و هل يا ترى يوفر اهل النظام الحماية للعصابة مقابل شرائهم للعقارات المباعة بأبخس الأثمان كما يدعي البعض؟ ام هل بلغ بهم الجهل وهُزال العقيدة درجة الوقوع في براثن بونزي موريتانيا ؟
 
                                             --------------------------------------------------
*بعض من سيرة شارل بونزي
https://fr.wikipedia.org/wiki/Charles_Ponzi
https://en.wikipedia.org/wiki/Ponzi_scheme
**خدعة بونزي في ألبانيا
http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Wasat%20magazine/1997/4/7/%...
*** معلومات حول الخدعة و الصياغة الرياضية لها :
https://fr.wikipedia.org/wiki/Syst%C3%A8me_de_Ponzi

**** معلومات عن الريان :
http://www.youm7.com/story/0000/0/0/-/267215#.VpwmQFldpso

19. يناير 2016 - 19:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا