أخيراً قرر الشباب الموريتاني الطامح للتغيير والمكتوي بجحيم الواقع الاجتماعي والاقتصادي المنهار ، أن يعود للشارع بقضية تؤرق كافة المواطنين بمختلف انتماءاتهم وتنوعهم العرقي والجهوي والسياسي ..
وذلك تتويجاً لحملة إعلامية مسعورة أطلقها العشرات من الشباب
تنديداً بالإرتفاع المتزايد والمذهل لأسعار المحروقات والتي تشهد هبوطاً دولياً وإقليمياً ملحوظاً في حين يُفضل نظام الجنرال أن يرفع من تلك الأسعار بشكل مُجحف مع ما يصاحبه ويواكبه من ضعف للقوة الشرائية وانتشار للبطالة .
الحملة الإعلامية اختار لها النشطاء أن تكون تحت وسم " ماني شاري گزوال" وذلك للفت انتباه الحكومة والنظام على حدة هذه الأزمة التي يتضرر منها المواطن بشكل مباشر على شتى الصُعد والمستويات ، فجاءت مسائية الأربعاء في كرفور مدريد تجسيداً ميدانياً لتلك المطالب والتطلعات ..
فصدحت حناجرُ المُتظاهرين بشعارات غاضبة من قبيل :
" ماني شاري گزوال ... ما عندي تَـيْتْ اباشْ
موريتـــاني تنـكــــالْ .... موريتاني تنْحـاشْ "
لذا ستشهد الحملة الإعلامية مزيدا من الأنشطة الإحتجاجية التصعيدية في الأيام المقبلة حتى يتم إرغام النظام على التنازل والتراجع عن رفع الدعم عن أسعار المحروقات ، على غرار محيطنا الإقليمي والدولي ..
فقضية المحروقات يتأثر منها المواطن في مجال النقل وغلاء المواد الاستهلاكية والتموينية بتنوعها .
ولعل تظاهرة الأربعاء الماضي أحرزت نقاط نجاحٍ عديدة ، من رأب الصدع بين مختلف الحساسيات والفرقاء الشبابيين المؤمنين بعدالة القضية وخصوصية المرحلة السياسية التي تتطلب نضالا ميدانياً نوعياً مُتعدد الوسائل والأساليب، فقد آن الأوان لتتوحد كل الجهود والنضالات لتنصهر في بوتقة واحدة تدفع بعجلة التغيير ويعود لها الفضل في إعادة الثقة والأمل إلى الشارع بوصفه "الخلاص" الوحيد و " المُنقذ" من جحيم هذا الواقع المُوغل في الضبابية والتفاهة .
ومن المؤشرات القوية لنجاح الحملة وتأثيرها على النظام الحاكم هو ما تسرب من تدوينات تافهة من الخلية الرئاسية المكلفة بالتشكيك في أي حراكٍ شبابي من شأنه تسليط الضوء على القضايا ذات البعد الشعبي والاستقطاب الجماهيري .
لتأتي بعد ذلك التصريحات السيئة والمُضحكة التي تفوه بها مساء اليوم الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد الأمين ولد الشيخ حيث قال "إن الحكومة الموريتانية حسب علمه لا تعتزم إجراء أي تخفيض في أسعار المحروقات " مُعتبراً " طرح قضية المحروقات مسألة ثانوية لا تهم الوطن ولا المواطن" ، وهو قول مردودٌ على قائله جملة وتفصيلا ، لما له من تجنٍ على الإنسان الموريتاني وقفزٍ على واقعه الإجتماعي والمعيشي المتأثر والمُتضرر من غلاء أسعار المحروقات ..
لكن الرد الأنسب على مثل هذه الترهات هو العمل على إنجاح هذا الحراك الإجتماعي المطالب بخفض أسعار المحروقات ، وذلك لن يتحقق ما لم يتجاوز الشباب الموريتاني جميع الحساسيات الضيقة والتجاذبات السياسية التي من شأنها أن تُحدث شرخاً داخل صفوف الجماهير .
فعاملُ الثقة وحده هو الكفيل بالإنسجام وبناء ثقة حقيقية وقوية بين النشطاء تفادياً لسهام النظام وضرباته التي طالما استهدفت جهود الشباب ونضالهم المُستميت ضد القهر والظلم والإستبداد .!