انهيار أسعار الحديد الخام ومستقبل سنيم / د. يربان الحسين الخراشي

إن التحكم في النمو السكاني المفرط، واستغلال الموارد الطبيعية،  والمحافظة على البيئة، والوقاية من الكوارث الطبيعية هي أهم أربعة تحديات تواجه البشرية في القرن الواحد والعشرين وترتبط جميعها بخامات الحديد واستخداماتها  بشكل مباشر أوغير مباشر. وقد قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية 

الاحتياط العالمي من الحديد الخام  حتى نهاية 2014 بحوالي ( 190 مليار طن) حيث بلغ الاحتياطي الأسترالي (53 مليار طن) ، والبرازيلي (31 مليار طن) ،والروسي (25 مليار طن) ، والصيني (23 مليار طن ) ،والهندي (8.1 مليار طن) ،بالإضافة إلى احتياطات معتبرة في كل من أمريكا و أوكرانيا و كندا والسويد و كازاخستان وإيران  وجنوب أفريقيا ...  ومن حيث الإنتاج حسب نفس الهيئة فقد بلغ الإنتاج العالمي من الحديد الخام سنة 2014 ما مجموعه (3.22مليار طن) حيث أنتجت الصين (1500 مليون طن ) أستراليا (660 مليون طن) ، والبرازيل (320 مليون رطن) و الهند (150 مليون طن) وروسيا (105مليون طن) .....

أما بنسبة لبلادنا وحتى نهاية سنة 2014 م  قدر احتياطها من الحديد الخام ب (1.5 مليار طن) و إنتاجها بحوالي 13 مليون طن .

ومنذ سنة 2000 م ، أدى التطور السريع لصناعة الصلب العالمية وخاصة في آسيا إلى زيادة كبيرة في الاستهلاك العالمي من الحديد خام قدرت بمعدل (105مليون طن) سنويا، حيث ازداد الإنتاج العالمي من الصلب من 850 مليون طن سنة 2000 م  إلى 1.66 مليار طن سنة 2014 م. وقد شكل هذا الطلب المتنامي على الصلب ومن ثم على  المادة الخام زيادة مضطردة في أسعارها، حيث قفزت من (12.5 دولار) سنة 2000 م إلى حوالي (187 دولار)  فبراير 2011م .
لكن الأربعة سنوات الأخيرة شهدت موجات متواصلة من الانخفاضات والهبوط التدريجي  حيث وصلت إلى أقل من 40 دولار الشهر المنصرم، لتصل بذلك إلى أدنى مستوى لها في السنوات الثمانية الأخيرة وذلك ما شكل  صدمة كبيرة للكثير من العاملين في القطاع المنجمي.
وقد أدت هذه  التقلبات العنيفة في أسعار الحديد الخام إلى إغلاق العديد من المناجم والتسريح  آلاف العمال وساهمت في زعزعة استقرار اقتصاديات بعض الدول المنجمية مثل بلادنا.

لكن ما السبب وراء الهبوط المستمر لأسعار الحديد الخام منذ 2011 م؟ ومتى ستتحسن هذه الأسعار؟ وماهي السيناريوهات المستقبلية للشركة الوطنية لصناعة والمناجم (سنيم)؟

(1)
الصين كأكبر منتج ومستورد:

خلال 15 السنة الماضية صاحب النمو السريع للاقتصاد الصيني  والتطور الهائل في البنية التحية والصناعية لها تزايد في الطلب على إنتاج الحديد الخام  واستيراده ،حيث ازداد الإنتاج الصيني من الحديد الخام من حوالي( 420 مليون طن ) سنة 2005 م إلى حوالي (1مليار طن) سنة 2010م،  وفي نفس الوقت ازداد استيرادها من (275مليون طن) سنة 2005م إلى (660مليون طن) سنة 2010م.
لكن منذ سنة 2010م  بدأ الاستثمار الصيني في البنية التحية والعقارات الذي كان وراء الطلب الكبير على الحديد الخام  في تباطئ متأثرا بالأزمة المالية العالمية، والتغيير في السياسات الصينية في ظل مخاوف من حدوث فقاعة عقارية،  حيث ظهرت في الصين اكثر من 20 مدينة أشباح من أشهرها مدينة الأشباح بمنطقة أردوس في منغوليا الداخلية على مساحة 32 كلم مربع  والتي شاهدتها بأم عيني أكتوبر 2010 م ، ومدينة أشباح بمساحة 150 كلم مربع بمدينة تشنغتشو في إقليم خنان.

وفي السنوات الخمسة الأخيرة وبرغم من ضعف  الاستثمار الصيني نسبيا في المجالين المستهلكين للحديد كما ذكرنا أعلاه  إلا أن الصين واصلت زيادة إنتاج الحديد الخام واستيراده،حيث ارتفع استيرادها للحديد الخام من (686 مليون طن 2011 ) إلى  حوالي (1مليار طن 2015)، أما الإنتاج فقد ازداد من ( 1.32 مليار طن) سنة 2011 م  إلى (  1.51 مليار طن) سنة 2014 م؛ مما نتج عنه تخمة في السوق الصيني  بحوالي 200 مليون طن. وعلى سبيل المثال لا للحصر يوجد داخل  44 مخزن على مستوى الموانئ الصينية المخصصة لتخزين المادة الخام  اكثر من 100 مليون طن من الحديد الخام  إلى درجة ظهور تلال سوداء من المادة الخام المكدسة يتجاوز طولها حوالي 10 متر. 

  وقد أدت سياسية إغراق السوق الصيني  بالمادة الخام رخيصة الثمن إلى  شبه توقف وإغلاق الكثير من المناجم الصغيرة  والبالغ عددها حوالي 500 منجم،  و تكبدت الشركات الصينية العاملة في مجال صناعة صلب  خلال  20015م خسائر فادحة قدرت ب53 مليار يوان، وأعلنت 30 شركة منها عن إفلاسها.
ولتعامل مع الوضعية الجديدة لصناعة التعدين اتخذت الحكومة الصينية بعض الإجراءات لزيادة التحكم والرقابة  وتحسين الوضع، فمن جهة بدأت مع  نهاية 2014 تنفيذ سياسة إعادة هيكلة الشركات المملوكة لدولة عن طريق دمجها وحتى الآن تم تقليص الشركات التي تخضع لرقابة للجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة من 130 إلى 108شركة كان آخرها إعلان عملاقي التعدين  شركة ام سي سي وشركة مينميتالس عن اندماجهما في سبتمبر الماضي،  ومن جهة أخرى تم تقليص الشركات الصينية المؤهلة لاستيراد الحديد الخام من 500 إلى 118 شركة (70 مصنع للصلب و 48 شركة تجارية) ،كما تم إلغاء خصومات التصدير لمنتجات الصلب، وتم تفعيل قانون حماية البيئة الجديد الأكثر صرامة.
كل هذه الإجراءات مؤشر على أن الصين التي تعدت اليابان سنة 1996 لتصبح أول دولة على مستوى العالم من حيث إنتاج صلب وحافظت على موقعها في الصدارة لهذه الصناعة بدأت  في إعادة هيكلة هذه صناعة التي تعتبر العمود الفقري لاقتصادها وذلك تماشيا مع استراتيجيتها  حول التحول الاقتصادي لتجنب فخ الدخل المتوسط و تحقيق المجتمع الرغد عند الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني سنة 2021 م.

(2)
العرض والطلب ودور الأربعة الكبار: 

يعتبر قانون العرض والطلب أحد القوانين الأساسية في علم الاقتصاد، والعمود الفقري لاقتصاد السوق وتشكيله، وتعتبر الأسعار انعكاسا  طبيعيا له. وبالرجوع إلى حالة العرض والطلب على الحديد الخام  خلال السنوات الخمسة الأخيرة نلاحظ أن  الشركات الأربعة العالمية الكبرى حافظت على زيادة مستمرة في إنتاجها  بل إفراطا في الإنتاج والعرض رغم تناقص الطلب على المادة الخام ورغم المشاكل العالمية الاقتصادية  والهبوط المستمر للأسعار. 
حيث ارتفع إنتاج شركة فالي البرازيلية (Vale) من 307.8 مليون طن سنة 2010م إلى 332 مليون طن سنة 2014 ؛

وارتفع  إنتاج شركة ريو تينت (Rio Tinto ) من 184 مليون طن سنة 2010م إلى 295 مليون طن سنة 2014 م ؛

وارتفع إنتاج شركة بي اتش بي بيليتون استورالية (BHP) من 124 مليون طن سنة 2010م إلى  232مليون طن  سنة 2015م؛

أما شركة مجموعة فورتيسك ميتالز استورالية (FMG ) فقد ارتفع إنتاجها  من حواي 40 مليون 2010 إلى  165 مليون طن  سنة  2014 م.

ويعتقد  البعض أن الإفراط في الإنتاج لدى  الشركات العالمية الكبرى خاصة الأسترالية والبرازيلية منها هدفه خفض الأسعار؛ وبالتالي إخراج المناجم ذات التكلفة المرتفعة من الأسواق خاصة المناجم الصينية عالية تكلفة الاستخراج  وذات مكامن منجمية  نسبة الحديد فيها قليلة ( أقل من 30%).
لكن واقع الحال يقول أن سياسة الإفراط في الإنتاج هذه لم تمكن الأربعة الكبار من التحكم في السوق نهائيا  بل  يبدوا أنها ساعدت الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ في تنفيذ سياسته
المتمثلة في إعادة هيكلة الاقتصاد الصيني،  والشركات الصينية، ومحاربة الفساد ورموزه والتي قادت حتى الآن إلى اعتقال الكثيرين.
وإذا كان الأربعة الكبار قد حققوا أرباحا أفضل في بداية دورة هبوط الأسعار هذه بفضل صادراتهم القياسية  فإن 2015  حملت  خسائر كبيرة  خاصة للشركة البرازيلية  تقدر بحوالي 3 مليارات دولار مما يعني أن الجولة القادمة من حرب الأسعار ستكون أساسا بين  الشركات الأسترالية  والصين.

(3)
معركة التحكم في السوق  وهبوط الأسعار

يعتقد  الكثير من المحللين الدوليين أن العامل الرئيسي وراء تدهور أسعار خامات الحديد هو انخفاض معدلات النمو في الصين ( حيث  تراجع  نموها من %10.6 -2010  إلى %7.3 -2014 ) ومن ثم انخفاض معدلات الطلب على الصلب، ومن ثم على خام الحديد؛ كما يعتقد البعض الآخر أن السبب الرئيسي  هو إغراق السوق الدولي والصيني خاصة بالحديد الخام  من قبل الشركات  الدولية الكبرى  بغية إخراج المناجم الصينية العالية التكلفة من المنافسة والتحكم في السوق في نهاية المطاف كما ذكرنا سابقا .
  إلا أننا  بينا أعلاه  أن الصين حافظت على معدلات استيراد متزايدة  للحديد الخام ، وأن انخفاض الأسعار ساعد الصين على كنس سوقها و تنفيذ سياسة دمج شركاتها مما يجعل تفسير انخفاض الأسعار على أساس قاعدة السوق متمثلة في التفاعل بين العرض والطلب  وحدها غير مقنعة  في هذه الحالة.
ولفهم العامل الرئيسي وراء تدهور الأسعار لابد  من الرجوع إلى بداية تشكل المشكلة وتعقب تطورها داخل الصين لكونها أكبر منتج ومستورد،  حيث ترجع جذور المشكلة إلى أيام  الأزمة المالية العالمية 2008 م، التي كان من تداعياتها نقص الطلب العالمي والصيني خاصة على الصلب ،
حيث سجلت  شركات صناعة الصلب الصينية أول خسائرها أكتوبر من نفس السنة.
وقد وصل حجم الإنتاج الصيني من الصلب سنة 2009  حوالي (567 مليون طن ) بينما بلغ الاستهلاك في نفس السنة حوالي (430 مليون طن )  أي أنه هناك فائض في الإنتاج  يقدر ب (137 مليون طن )  وهكذا  بدأت  الخيوط الأولى لمشكلة التخمة في السوق الصيني التي تعقدت وتشعبت وتداخلت مع القطاعات الصناعية الأخرى مما ولد العديد من المشاكل الهيكلية والبنيوية الحالية للاقتصاد الصيني.
حيث أصبح حلها  يمثل مفتاح تحول وإعادة هيكلة الاقتصاد الصيني،  وقد حاولت الصين  التوصل إلى حل مع الأربعة الكبار عن طريق التفاوض خلال منتصف 2011 م، لكن مساعيها باءت بالفشل مما فتح الباب على حرب الأسعار أو حرب المؤشرات بعد إعلان الصين عن مؤشرها لأسعار خامات الحديد أكتوبر 2011 م لينضاف إلى المؤشرات الثلاثة الأخرى  ( Platts ,MBIO,TSI).

وإذا كان الأربعة الكبار يسعون من وراء إغراق السوق بالمادة الخام رخيصة الثمن إلى التحم في السوق الدولي، فإن أحفاد سون وو(545 -470 ق.م) (صاحب كتاب "فن الحرب"  أقدم كتاب حربي حول الإستراتيجيات والوسائل العسكرية في العالم ) ولفك معضلة التخمة  في سوقهم وإنقاذ صناعة الصلب العمود الفقري لاقتصادهم  قد ركبوا الموجة لأهدافهم بل يبدوا أنهم استغلوها في وضع فخ للشركات الدولية يتمثل في خلق ظرفية طويلة الأمد نسبيا يكون فيها عرض المادة الخام أكبر من الطلب مما يؤدي إلا تدهور أسعار الحديد الخام،  ومن ثم  تدور أسعار الصلب.

وهذا ما يفسر أن الصين  وفي ظل سنة (2014) انكماش اقتصادي، مع هبوط مطرد في الأسعار، وفائض في الإنتاج من الصلب، وخسائر فادحة لشركاتها  استوردت من ضمن ما استوردت (700مليون طن) من من الحديد  الخام  مصدرها الأربعة  الكبار، وهي تشكل 75 % من واردات الصين من هذه المادة لنفس السنة، واكثر من 70% من إنتاج الشركات الأربعة مجتمعة لنفس السنة.
ويفسر كذلك انه  مع  إعلان الصين عن مؤشرها  أكتوبر 2011  انخفض سعر الحديد الخام بأكثر من 40دولار في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لأول مرة في التاريخ حسب علمي  حيث كان السعر ( 177 دولار) سبتمبر 2011  و انخفض إلى 135 نوفمبر2011م. وتتوخى الصين من وراء فخها هذا تحقيق ضرب خمسة عصافير بحجر واحد :

1-فرض التعامل بمؤشر أسعار خامات الحديد الصيني ( CIOPI) وبتالي التحكم في سوق العالمي لخامات الحديد؛
2- تمهيد الطريق  لعالمية العملة الصينية  رينمنبي؛

3-إعادة ترتيب السوق الداخلي بكنس المناجم الصغيرة وشركات السمسرة وخلق شركات أكثر قدرة على المنافسة في السوق الدولية؛

4-تقليص إنتاج الصلب وخلق فرصة تتيح للسوق الصيني استهلاك الفائض المتراكم من 2009 م ؛

5- خلق فرص خارجية لشركات الصينية للخروج إلى العالمية والذي هو أحد أهداف الخطة الخمسية الثالثة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية الصينية (2016-2020).

وقبل أن نختم لابد أن نشير إلى أن كل خسائر الصين خلال السنوات الخمسة الماضية  يمكنها استرجاعها مستقبلا من فارق السعر فقط في حالة تم التعامل حسب المؤشر الصيني  ففارق السعر  بين المؤشر الصيني لأسعار خامات الحديد والمؤشرات  الثلاثة أخرى هو (2  إلى 4 دولار للطن).

(4)
متى تتحسن الأسعار ؟

على الرغم من وجود اتفاق عام بين المحللين على أن مستقبل أسعار خام الحديد هو المزيد من الانخفاض، إلا أنه هناك تباينا في الآراء حول المستوى الذي يمكن أن تتراجع إليه الأسعار حيث يتوقع بعضهم  أن تظل الأسعار خلال 2016 ما بين 30 -55 دولار للطن، بينما يرى المتشائمين أن الأسعار ستسقط خلال الربع الأول من هذه السنة إلى أقل من 20 دولار للطن، على أن  تظل بين   40 -47  دولار خلال 2017 .
والسؤال الذي يطرح نفسه متى تتحسن الأسعار؟
ترتبط  الأسعار ارتباطا وثيقا بنمو الاقتصاد العالمي و بالحركة العمرانية والتجارية وحتى السياسية فيه لذا نتوقع أن تتحسن الأسعار في الربع الأخير  من سنة 2018 م وذلك للأسباب  التالية:

1- قرب انتهاء حرب المؤشرات بعد بدأ بعض الشركات العالمية الكبرى التعامل بالمؤشر الصيني لخامات الحديد بالإضافة إلى قرب اكتمال الدورة السعرية  الحالية لخامات الحديد وذلك  بعد اقتراب بلوغ انخفاض الأسعار من نهايته.

2- انتهاء حرب استخدام النفط كسلاح سياسي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية بتعاون مع المملكة العربية السعودية على روسيا؛ وذلك لأن الاقتصاد السعودي الذي سجل عجز في الميزانية لعام 2015 بلغ  98 مليار دولار، وبرغم من تملكها احتياط في سندات الخزانة الأميركية وودائع بنكية تقدر ب680 مليار دولار، إلا أنها لن تستطيع تحمل تبعات هذه الحرب بعد أغسطس 2018 في حالة بقيت أسعار النفط تحت 40 دولار؛ وإلا فإن الأمر سيتحول إلى انتحار اقتصادي  ستدفع السعودية والأمة العربية  ثمنه غاليا .

3-انتهاء السياسة الأمريكية الهادفة إلى إعادة توازن الاقتصاد الأمريكي و تقوية عملتها؛ وذلك بسحب 3000 مليار دولار تم ضخها في سوق الأوراق المالية العالمي  بعد الأزمة المالية 2008، والذي يعتبر رفع الاحتياطي الفيدرالي( البنك المركزي) الأمريكي أسعار الفائدة مؤخرا  0.25 في المئة  احد مضامينها، حيث أن استقرار سعر صرف العملة الأمريكية يساهم في  استقرار مؤشر  الشحن والتجارة (BDI ) الذي يؤثر مباشرة على تكلفة النقل عبر البحار لخامات الحديد .  

4- دخول مشاريع إحياء طريق الحرير البري والبحري " مشروع القرن الصيني"  حيز التنفيذ الفعلي، حيث تم توقيع عقود  استثمارات في بنية التحية في 49 دولة حول العالم بقيمة 71 مليار دولار خلال 2015 م، ومن المتوقع ضخ 3.26  تريليون دولار في مشاريع البنية التحتية حول العالم التابعة لمشروع القرن هذا في الفترة ما بين 2015-2019 م من بينها  على سبيل المثال إنشاء 1600 مطار و إقامة خطوط سكك حديدية  داخل الصين يبلغ طولها حوالي 20 ألف كلم  قبل 2030 م.
 
5- انسحاب السعودية من حلف أمريكا في حربها على روسيا سيفتح المجال أمام إيجاد حلول سياسية للحرب في سوريا، واليمن، وربما ليبيا، وبالتالي بدأ مشاريع إعادة الإعمار، بالإضافة إلى دخول مشاريع الخليج للاستعداد لأحداث  كأس العالم  و معرض إكسبو الدولي. كل هذا سيرفع من الطلب على حديد التسليح ومن ثم على المادة الخام.

(5)

سنيم و السيناريوهات المستقبلية المحتملة

يمثل  احتياط بلادنا المؤكد من الحديد الخام حتى سنة 2014  نسبة %0.79  من الاحتياط العالمي، و صادراتها تمثل حوالي 0.98 % من الصادرات العالمية خلال  نفس السنة، لكن نسبة "0.98" هذه تعني الكثير لبلادنا، وتعني أكثر لآلاف العمال وأسرهم.
  وحسب الحالة الراهنة والدراسة لاستقرائية لمستقبل الأسعار  يبدو أن سنيم مقبلة على أربعة سيناريوهات محتملة والتي  يجب التعامل مع كل واحد منها على حدة:


السيناريو الأول-: انحدار أسعار خامات الحديد  إلى أقل من 20 دولار للطن. ربما يكون هذا التوقع متشائما لكنه يبقى ممكنا خاصة  في ظل الوضع الحالي حيث تمكنت شركة بي اتش بي الاستورالية من خفض تكلفة الإنتاج  إلى حدود 15 دولار للطن  وتسعى شركة فورتيسك ميتالز خفض تكلفتها إلى 18 دولار للطن خلال السنة الجارية؛

السيناريو الثاني-: أن تستقر الأسعار بين  (20- و40 دولار) للطن الوضع الحالي؛

السيناريو الثالث-: أن تظل الأسعار بين (40- 70 دولار) للطن ؛

السيناريو الرابع-: عودة الأسعار إلى المعدل المعقول فوق 80 دولار .

في حالة السيناريو الأول والثاني نعتقد أنه لن تكون خطة الشركة بزيادة الإنتاج ب (4مليون طن ) من المنجم الجديد (الكلب 2 ) مجدية بل ستكون استنزاف لثروتنا الطبيعة في حرب محسومة النتائج هذا طبعا بناءا على أن تكلفة الإنتاج  لدى سنيم في حدود 20 دولار، وتكلفة النقل البحري في حدود 15 دولار للطن، والتي تعتبرعاملا مؤثرا في سعر خام الحديد  بنسبة لبلادنا ،مع أن أهل ازويرات  أدرى بشعابها وحديدها وتكلفته.
ولابد أن أشير هنا على أنه على الجميع إدراك الوضع الصعب الذي توجد فيه اسنيم، وإدراك أيضا مدى الهزات الاجتماعية التي ستنتج عن فشل سنيم وإفلاسها لا قدر الله؛ فهي لن  تزيح نظام الحكم الحالي فقط بل ستقتلع نظام المحاصصة القبلية والاثنية القائم منذ تأسيس الدولة والذي تعتبر المعارضة بكل أطيافها جزء منه، لذا على كل الفاعلين السياسيين الابتعاد عن تسييس موضوع سنيم.
كم تمنيت أن أضع بعض الملاحظات التي قد تخدم ولو بكلمة المهتمين بمصير شركتنا الوطنية  في التعامل مع هذه الحالات الأربعة  لكن للأسف الشديد نقص المعلومات عن الشركة حال دون ذلك.
مهما يكن من أمر وحسب موقع الشركة على الشبكة و لمواجهة أزمة الأسعار تبنت الشركة مجموعة من الإجراءات من أجل المحافظة على توازنها المالي حيث فرضت الشركة على نفسها برنامج إجراءات يرمي إلى تخفيض معتبر لتكاليفها الإنتاجية.
ولقد دق رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز ناقوس الخطر في نوفمبر الماضي بازويرات خلال اجتماعه بعمال الشركة إذ قال: "وحدها الشركات المعدنية التي ستتمكن من تخفيض تكاليفها الإنتاجية ستتمكن من تجاوز أزمة السوق العميقة هذه."  لكن  سياسة تخفيض التكاليف على أهميتها ليست كل شيء.
إن الشركة إن لم تتطور وما يتماشى والوضعية المستقبلية  لسوق الدولية التي بدأت ملامحها تظهر فإن مصيرها إلى زوال لا محالة.  ونحن نعتقد أن مستقبل سنيم يكمن في استراتيجية متكاملة ترتكز على خمسة محاور  :

المحور الأول- : تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة كفاءة الاستخراج، مع السعي إلى تنويع مصادر الدخل  بالدخول  في استغلال مصادر أخرى مما تزخر به بلادنا من ثروات طبيعية كالذهب والنحاس ولكوارتز والجبس و الفوسفات.... 

المحور الثاني- : السعي خلال 5 سنوات  لقادمة إلى تطوير إنتاج مكورات خام الحديد لتغطية احتياجات شركات الصلب العربية وخاصة الخليجية التي تزداد يوما بعد يوم، والذي هو أصلا مطلب عربي حسب التوصية  الصادرة عن مجلس إدارة الاتحاد العربي للحديد والصلب في اجتماعه للدورة العادية 109 بالإمارات العربية المتحدة  مايو 2014 م .

المحور الثالث-:  السعي إلى تطوير صناعة الصلب  خاصة حديد التسليح والذي  تعتبر  منطقة المغرب العربي ودول غرب أفريقيا سوقا مستقبلية ضخمة له.

المحور الرابع-: السعي إلى إيجاد موطئ قدم في المجالات الأخرى لسلسلة النشاطات الاقتصادية المربطة بخامات الحديد  كالتسويق والنقل والتخليص و التجارة والتي هامش الربح فيها وفرص العمل التي تتيحها اكثر بكثير من استخراج المادة الخام و حتى صناعة الصلب  والتجنب في النهاية  الاعتماد  الكلي على السوق الصيني  الذي تناقص استيراده لحديدنا الخام  ب 26% خلال 2015 .

المحور الخامس -: إنشاء مرصد للدراسات العلمية والاقتصادية  يهتم بالبحوث التي تساعد على تحسين الإنتاج وتقليل التكلفة ودراسة السوق الدولي .


يقال  أن النفط  والغاز هما الدم الذي يجري في شريان الصناعة، و الحديد والصلب هما غذاء ها، والصين قاعدتها، حيث تعتبر صناعة الصلب ثاني أكبر صناعة في العالم بعد النفط والغاز بحوالي 900 مليار دولار، ويستخدم الصلب في كل  الصنعات المهمة الأخرى خاصة قطاع الإسكان والبناء والتشييد  الذي يستهلك حوالي 50% من الإنتاج العالمي من الصلب الذي بلغ  (1.66 مليار طن ) سنة 2014م، وقد تربعت الصين على العالم في كل ما يتعلق بهذه الصناعة  حيث استحوذت على نسبة 49.4 % من صناعة الصلب، و 46.58 %  من إنتاج الحديد الخام، وحوالي 65% من صادرات العالم من الحديد الخام  عبر البحار.
وإذا كانت 8 أعوام  (2000 -2008) أعوام ذهبية لصناعة الصلب الصيني، فإن (2008 -2016) كانت ثمانية سنوات عجافا، ويتوقع بعض الخبراء في هذا المجال أن تكون 2016 سنة وصول لإنتاج  الصيني من الصلب إلى ذروته، مما يوحي بدخول مرحلة جديدة سيكون لها لاعبين جدد خاصة مع اقتراب دورة هبوط الأسعار هذه من نهايتها. لكن نحن نعتقد أن الصين نظرا للتمدن الذي تشهده  حيث يشكل سكان الريف حاليا حوالي60.9% من سكانها  البالغ عددهم  1.368 مليار نسم ستظل لاعبا قويا في الدورة القادمة لصناعة الصلب  التي يصعب التنبؤ بالضبط متى وأين ستبدأ، رغم اعتقادنا أن سنة 2018 من المحتمل أن تكون بدايتها.
وإذ كان الطلب الصيني والفوضى في الاستيراد في نهاية القرن الماضي وراء الزيادة المتتالية للإنتاج  والأسعار فوق المعدل المعقول مما أسال لعاب الشركات العالمية الكبرى وأثار في انفسهم  طموحا للتحكم في الأسعار لجني أرباح اكبر مما أدى إلى خلق تخمة ومشاكل هيكلية لصناعة الصلب في الصين؛ فإن  الصين  أيضا استغلت هذه الظرفية لخلق الظروف المناسبة  التي ستمكنها من  إعادة هيكلة صناعة الصلب  والتخلص من التخمة  لكي تكون رأس قاطرة التحول الاقتصادي الصيني قادرة على حمل حلم الأمة الصينية  في تصدر العالم  في الذكرى 100 لتأسيها (2049) وربما هذا هو السبب الحقيقي وراء تدهور الأسعار منذ2011 م.
 

22. يناير 2016 - 15:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا