فيما مضى؛ قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
أعرف بأن هذا القول معروف لديكم ومألوف سماعه. كذلك إذا دخلت الموعظة أذن الجاهل، خرجت من الأذن الأخرى..!
لا خلاف في أن العرب هم أمهر خلق الله تعالى من البشر في الكلام، مبدعون، لا أحد يجاريهم في ذلك، حتى أنهم أوجدوا له سوقا يبيعون فيها الكلام بيعاَ!
ونعلم أن كثيرَ الكلام، خبير في اختلاق الأعذار، وتلك صفة ملازمة لقليل الفعل، والفعل فيه الصحيح وفيه المعتل. نفعنا الله ببركة كلام العرب..
لا تسيئوا فهمي فلو بقيت لدي كلمة واحدة فجلها للعرب؛ نعلم أن جل الأفعال عند العرب معتل وللفعل المعتل خمسة أقسام باعتبار اللفيف قسمان، أما الفعل الصحيح فهو ثلاثة أقسام فقط، لم يسلم منها إلا واحد..! والقسمان الباقيان أحدهما مهموز والآخر مضعف يعني في أصله حرف مكرر؛ لا أعرف حقيقةً كيف حصل ذلك، لكنه حاصل؛ إذن قسم واحد من أفعال العرب "صحيح سالم" وتلك سبعة أقسام باقية على علاتها بشكل أو بآخر!
سبحان الله الذي هو أعلم بخلقه وبعث نبيا صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بخلق الله وقد بدأ بدعوة العرب قبل غيرهم ومن جملة ما نصحهم به قوله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولاحظوا معي أن فعل "صَمَتَ" فعل "صحيح سالم" لا مراء فيه، وكذلك فعل "سَكَتَ" الذي يحمل معناه.
وقال الله تعالى: ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) وبالرغم من أن فعل "عَمِلَ" فعل "صحيح سالم" ولا مراء في ذلك؛ فقد لاحظنا جميعا أن هذه الآية دائماً يستخدمها القائمون على شؤون الناس للحث على العمل ووجوبه وما إلى ذلك كاستدلال، ولكني واثق أن الكثيرين منكم سيفاجئون إذا علموا أن تفسير هذه الآية الصحيح عند بعض المفسرين كما جاء في كتاب ابن سعدي رحمه الله هو أن المقصود بها هم المنافقون , أي اعملوا أيها المنافقين سرا وأخفوا فسيفضح الله عملكم . والله أعلم ويمكنكم السؤال عن حُكم الاستدلال بها.
لكن لاحظوا أنه يمكن السؤال إن كان المخاطِب بهذا الآية للاستدلال من المؤمنين أم لا، فالآية قالت إنه سيرى الله والرسول والمؤمنون أيضا، عملكم، من أنتم إذن؟
خاصة أنه بإمكانهم أن يستخدموا الآية " َوسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" وفي هذه الآية الذي سيرى العمل هو الله ورسوله وهذه الرؤية تشملنا جميعا المخاطِب منا المستدِل، والمخاطَب على حد سواء.. والله أعلم يمكنكم الرجوع إلى أحد علماءنا وسيبين لكم الأمر بشكل بارز.
المهم أنه إذا كان الكلام فضة صار السكوت ذهبا، وقد قيل ما ندمت على سكوتي مرة ولكن ندمت على الكلام مرارا، أردت فقط أن أوضح للمحللين والمتفاخرين بالعروبة البارعين في الهجوم على إيران وتركيا وغيرهما من الدول التي ظاهرها الإسلام صحيحا كان أم معتلا أن الذل والمهانة والشقاق والخذلان الذي نعيشه نحن العرب ليس سببه إيران ولا تركيا ولا غيرهما فهذه دول بافتراض النوع هي متوحدة على صعيد واحد، وبالمقابل نحن العرب نوع واحد فيه عشرات الجمهوريات ليست على قلب رجل واحد ولا حتى دين واحد كما هو الحال مع إيران حتى لو كان إسلامها عليلاَ.
غلبنا اليهود، فبدأنا نلقي اللوم على إيران "الفرس"، وسخر منا النصارى، فصرنا نعاتب الأتراك "العثمانيين" وضاعت عزتنا لما ضيعنا مصدرها وهو الإسلام وليس العروبية، وصرنا دويلات متناحرة وها نحن عدنا إلى جاهليتنا الأولى وما عادت لنا هيبة، وكل ما استطعناه هو نظم الكلام في مدح السلطان والفخر بما كان في سالف الزمان، وبضع كلمات في شتم إسرائيل أو ذم إيران ، وماذا يفعل المغلوب على أمره أو أشد نسأل الله حسن الختام.