حـُرمة العلماء، وحق الاختلاف / سعدبوه ولد الشيخ محمد

تشكل مشكلة " التصنيف" هاجسا يلاحق الكتاب، والمدونين، والصحفيين في موريتانيا، فالتصنيفات جاهزة، والأوصاف مسبقة، فإذا أبديت أي رأي مدافع عن النظام مثلا، فأنت مطبل، مصفق، منبطح.. إلخ وإذا انتقدت السلطات، وعريت جزء من ممارسات النظام الخاطئة فأنت معارض، حاقد، ومكابر،

أما إن تجرأت على الخلاف مع الشيخ الددو – حتى في الموقف السياسي- فأنت فاسق، حقير، وعميل، بل وحتى كافر، وإذا أبديت إعجابك بالعلامة الشيخ الددو – وهو بالمناسبة يستحق ذلك- فأنت إخواني، متأدلج..
موجبه أن الجدل الدائر منذ أيام على خلفية مقال للكاتب سيد محمد ولد أبه اعتبر انتقاصا من مكانة الشيخ الددو، ونيلا من قدره، وما تلا ذلك من ردود فعل أبان عن ظاهرة مقلقة، اختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وتم تحميل الأمور ما لا تحتمل، لذلك ارتأيت أن أبين الملاحظات التالية، والتي تعكس قناعتي، وتعبر عن رأيي الشخصي، وليصنفني الجميع في أي خانة يريد.  
أولا: حـُرمة العلماء، وحق الاختلاف..
لو انطلقنا من هذه القاعدة البسيطة لما وقعنا في كثير من الجدل، ولوفرنا الجهد، والخلاف حول هذا الموضوع، فعلى الجميع – دون استثناء- أن يعلموا أن للعلماء حرمتهم، ومكانتهم، ورمزيتهم في المجتمع، ولا يجوز التعريض بالعلماء، أو الإساءة إليهم، تحت أي ذريعة، وبأي حجة، لكن في المقابل على الجميع كذلك أن يدركوا أن حرمة العالم، لا تقتضي حرمة الاختلاف معه، فالاختلاف وارد، وقد يكون مطلوبا، خاصة في قضايا الفكر، والسياسة، فكل شخص يؤخذ من كلامه، ويـُرد، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه قاعدة محل إجماع بين المسلمين، لم يقل بخلافها أحد، ويبقى فقط أن نضبط المسافة الفاصلة بين احترام العالم – بما هو عالم، لا بأي صفة أخرى- وحقنا في الاختلاف معه، والاقتداء بغيره من علماء الأمة، ونظل نتحرك ضمن هذه المسافة، وفق الضوابط المطلوبة.
الفعـل، وردة الفعـل..
إذا انطلقنا من فرضية إدانة ما كتبه سيدي محمد ولد اب بحق الشيخ الددو، واعتبرناه "كفرا بواحا" فإن ردود أفعال أنصار الشيخ الددو بدت مسيئة للشيخ  أكثر مما كتبه ولد أب، وبدت تلك الردود متناقضة في بعض الأحيان، وساذجة أحيانا أخرى، وغير مقنعة بالمرة.
متناقضة،لأن العلامة الشيخ الددو تعرض قبل أشهر لاعتداء جسدي مباشر، حيث أقدم أحد تلامذته السابقين على صفعه في ملإ من الناس، في أقدس الأماكن(المسجد) ومع ذلك ظل هذا الرجل يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ولم نشهد حملة منددة بفعله المـُدان، لا على المواقع الإلكترونية، ولا على صفحات فيسبوك، وابتلع أنصار العلامة الددو ألسنتهم، وأقلامهم، وتركوا الحادثة الخطيرة، والأولى من نوعها تمر بهدوء، في حين انتفضوا هذه الأيام  في هبة رجل واحد للدفاع عن الشيخ الددو ضد مقال كتبه صحفي مغمور، يعبر عن رأيه الشخصي، فتجاهل الاعتداء الجسدي المباشر، والتركيز على رأي مخالف – حتى لو اعتبر مسيئا- يعد تناقضا غير مفهوم..
كما أن دفاع أنصار الشيخ الددو عنه في وجه سيدي محمد ولد اب يعتبر انتقاصا من مكانة الشيخ، فالعلماء يقولون إن هناك خلاف مـُعتبر، وخلاف غير معتبر، فكان ينبغي أن نترك خلاف ولد اب مع الشيخ الددو ضمن الخلاف غير المعتبر، لأن المسافة بين الرجلين في العلم، والفهم، والفضل هي بمثابة ملايين السنين الضوئية..
كما أن إقدام مناصري الشيخ الددو على قرصنة موقع "البديل" الإلكتروني، الذي يديره ولد اب، يعتبر فعلا مجرما، ويعطي انطباعا خاطئا بأن هذا الموقع استطاع إفحام هؤلاء بالحجة، والدليل، فلجؤوا إلى إسكاته بالقرصنة، بدل دحض ما ينشره، وتسفيهه، والرد عليه، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بإسكات أعدائه بقتلهم، مثلا، بل باستمالتهم، وإقناعهم، وإقامة الحجة عليهم، وبعد ذلك (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بية)..
وبدت ردود أنصار الشيخ الددو غير مقنعة لسبب بسيط، هو أن أصحابها ينطلقون من فرضية الدفاع عن العلماء، وهي فرضية تكذبها الشواهد،لأن المنابر التي تهاجم ولد اب هذه الأيام، لم تكتف فقط بعدم الدفاع عن علماء آخرين غير الددو، مشهود لهم بالعلم، والفضل، بل ساهمت تلك المنابر في الهجوم عليهم، وتم وصفهم بعلماء السلطان، وأحيانا وصفو ب "الديكه" فلو كانت علة الدفاع عن الددو مجرد العلم والفضل، كان ينبغي أن ينطبق ذلك على العلماء الآخرين، فما جاز على الشيء يجوز على مماثله، أما وقد وقع التفريق بين العلماء، فبعضهم يرتقي في سلم هؤلاء لمرتبة "العصمة"، أو دونها بقليل، وبعضهم لا يستحق حتى صفة عالم، فهذا يعني أن هؤلاء يؤمنون ببعض العلماء، ويكفرون ببعض.
إن حل هذا الإشكال يكمن – بنظري- في ثلاثة مسائل:
الأولى:أن يعتذر الكاتب سيد محمد ولد اب عن أي عبارة تعتبر مسيئة للعلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، ويتعهد باحترام مكانة العلماء، وفضلهم .
الثانية: أن يتراجع أنصار الشيخ الددو عن قرصنة موقع " البديل" ويعتذروا عن ذلك أيضا .
الثالثة: أن ينطلق الجميع من مبدأ احترام العلماء- كل العلماء- وأن تكون صفة العلم هي الفيصل في ذلك، وليس المرجعية الفكرية، أو الموقف من الثورات العربية ..
إذا تمت مراعاة هذه المسائل سيتم حل الإشكال، ولن يتكرر الجدل مرة أخرى، وإلا فإن الجميع محق في بعض ما يقول، ومجانب للصواب في بعضه الآخر، ولا أستثني، ولا أزكي أحدا.

25. يناير 2016 - 0:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا