"طوبى لمن حافظ على سلامة عقله و روحه في زمن الريح الصفراء و انتشار الطاعون"/رضوى عاشور
"لا يمكن لأي نشاط في الحياة المعاصرة أن ينجح دون الاعتماد على وسائل الإعلام. كما تبدو العلاقة بين أجهزة الأمن في أي مجتمع ووسائل الإعلام علاقة تحكمها المصلحة المتبادلة
بين الطرفين، ويتوقف نجاح هذه العلاقة على إدراك كل طرف لأهمية هذه العلاقة ومتطلبات الطرف الآخر واحتياجاته، وأجهزة الأمن لايمكن أن تحقق أهدافها في ظل غياب التعاون المستمر مع أجهزة الإعلام التي تستطيع أن تشحذ الرأي العام في اتجاه مضاد للجريمة, وتشجعه علي التعاون مع أجهزة الأمن لكبح جماح السلوك الإجرامي، وتحقيق مفهوم الأمن الوقائي والأمن العلاجي."
و مرة أخرى يفرض الإعلام نفسه بكل ثقله و كامل أهميته و صارخ تناقضاته على الساحة الفكرية و القانونية و السياسية و الأمنية من خلال حلقة نقاشية قيمة مفتوحة على مختلف الآراء الإعلامية و القانونية و الأمنية؛ حلقة أنعشها لفيف من الإعلاميين و خبير أمني و نقيب سلك المحامين و نظمها في مبانيه المركز العربي الإفريقي للإعلام و التنمية مساء الأحد 24 يناير 2016.
و لما أن موضوع الطاولة كان "الاعلام و التحديات الامنية الراهنة" فإن موضوع السلفي الذي هرب من السجن و أعيد بعد مطاردة مضنية خارج البلاد برز جوهريا طيلة النقاش و فتح على الآراء المختلفة حول العلاقة القائمة بين الأمن و الإعلام و أوجه التعارض و التماهي في بعض الملامح و التحفظ القائم والتنافر الملحوظ بينهما.
و لأن وسائل الإعلام هي التي تلقي الضوء على أهداف أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو علمي أوأمني و مقاصد ذاك النشاط، وتعلم الجماهير عن انجازاته، وترصد نجاحاته وإخفاقاته، وتقيم تجربته وتعكس آراء الناس حوله، فيمكن القول إن وسائل الإعلام هذه أصبحت أهم آليات تحقيق مفهوم الاتصال ذي الاتجاهين الذي هو حجر الزاوية في نشاط كل المنظمات المعاصرة بصفة عامة والحكومية علي وجه الخصوص كما ذهب إلى ذلك عديد الخبراء خلال مداخلاتهم .
و فيما يبدو الاختلاف قائما في العلاقة بين الاعلام و أجهزة الأمن في هذه البلاد فإنها تبدو لدى غالب المجتمعات من حولها علاقة تحكمها المصلحة المتبادلة بين الطرفين، وهي العلاقة التي يتوقف نجاحها علي إدراك كل طرف لأهميتها ومتطلبات الطرف الآخر و احتياجاته، وأن أجهزة الأمن لا يمكن أن تحقق أهدافها في غياب التعاون المستمر مع أجهزة الإعلام التي تستطيع أن تشحذ الرأي العام في اتجاه مضاد للجريمة، وتشجعه على التعاون مع أجهزة الأمن لكبح جماح السلوك الإجرامي، وتحقيق مفهوم الأمن الوقائي والأمن العلاجي.
حقيقة يدعمها أن الإعلام أصبح اليوم أهم أداة للتحكم والسيطرة لدى البعض لأن فيه و به ترسم الاستراتيجيات الأمنية والسياسية و الاجتماعية و ألاقتصادية و به يمكن تغيير أنظمة وتفكيك دول لما يتمتع به من تأثير بالغ وانتشار واسع.
كما قد حولت قنوات الاتصال الجديدة التي لا تعرف حدودا ولا حواجز العالم إلى ما يشبه قرية كونية ومكنت كل شخص من معرفة ما يجري حوله من خلال شاشة التلفزيون أو جهاز الكمبيوتر مما حدى ببعض المتدخلين خلا ل النقاش المفتوح إلى القول إن الإعلام أضحى صناعة جديدة و كأية صناعة مادية كانت أو فكرية" لها أسس ومقومات تتمحور حول الرسالة الإعلامية حدثا أو خبرا أو موضوعا أو فكرة، والفاعل البشري متمثلا في المرسل والملتقى، والوسائل التقنية التي تمرر بها الرسالة وبالتأكيد بعيدا عن لغة الشحن العاطفي التي كانت سائدة فإن هذه الصناعة تهدف إلى ترويج سلعتها المادية أو الفكرية أوهما معا بهدف تحقيق منفعة الإنتاج وتلبي رغبات المتلقي.
وبقدر ما يكون الإعلام قويا ويمتلك الوسائل التقنية والبشرية المتطورة والقادرة على مجاراة عجلة التطور السريعة، بقدر ما تحققت أهداف الرسالة الإعلامية ويكون الإعلام في النهاية ناجحا ومؤثرا.
و على العكس من ذلك فكلما كان مقيدا بأصفاد الاعتبارات المخلة بقيام دولة المواطنة للجميع ولا يسهر على وحدتها و أمنها و استقرارها، كلما كانت نتائجه حتما على قدر انصياعه وراء هذه الاعتبارات وكلما عكسها في النهاية مرآة غائمة بأسباب الإخفاق والبعد عن الدور البناء. و هو ما ذهب ليه البعض من المتدخلين حيث ضربوا الأمثلة بما يجري وبشكل سافر من تلميع بعض الوسائل الإعلامية للأشخاص على اعتبارات قبلية و جهوية و نفعية ربحية دون اعتبار للجدارة و الكفاءة و الوطنية، و ما يكون من الانتقائية البدائية للظهور و التصدر و التمثيل على ذات الخلفيات الرجعية و المناقضة لكل مواثيق الحداثة و أهدافها البناءة. و أنى لإعلام ما زال بعيدا عن المهنية و لا يتشبث بمواثيق أخلاقية أن يساير متطلبات العصر بفكره و مناهجه، بالأحرى أن يتشبث و يتقيد بالتزامات ضبط أمن بلاده و المساواة بين أفراده و تثمين طاقاتهم وقدراتهم.
و المتتبع للحراك الإعلامي عامة و الالكتروني خاصة لا بد أن يلحظ ما ينجر إليه بعض العاملين في حقله من صارخ خرق مواثيق الشرف الصحفي التي تفرض قيودا فردية يمليها حتى الحس المهني الراقي لدى الصحفي، فيراهم و هم يتسابقون لنشر الإثارة بدافع الرغبة في الظهور و النجاح ولو كان ذلك على حساب المصداقية ومصلحة الوطن العليا بعيدا عن أي تحر أو تدقيق على خلفية غسل الأخبار وإعادة نشرها بثوب جديد في خروج سافر على المهنة الإعلامية النبيلة وعن رسالته و إدراك أهمية إن لم يكن وجوب التخصص في الصحافة، وخلق صحفيين متخصصين في الجوانب الأمنية والتعاطي معها، حيث أننا في إطار العولمة والجريمة العابرة للحدود و الإعلام مطالب بالتسلح بالمعرفة اللازمة من أجل المساهمة في مواجهة تحديات جديدة سلاحها الأول الإعلام بكل جدارته.