مؤتمر مراكش حقوق الأقليات في العالم الإسلامي لمن الخطاب ؟! / د.محمد المختار دية الشنقيطي

في بداية التسعينيات من القرن الماضي نظمت رابطة العالم الإسلامي مؤتمراً لحماية الأقليات الإسلامية، فكتبت حينها في مجلة البصائر التي كنت أصدرها مقالاً أغضب السعوديين، قلت فيه إنني أشك في أن من يضطهد الأكثريات لن يقيم وزنا أو حماية للأقليات ،واليوم وبعد انعقاد مؤتمر(حقوق الأقليات

 في العالم الإسلامي ) أتساءل لمن يوجه الخطاب في هذا المؤتمر؟
وهل المؤتمرون يملكون ما يستطيعون أن يحموا به تلك الأقليات؟!
ومن الذي يضطهد ويهدد تلك الأقليات؟
أهي الأنظمة والحكومات في العالم؟
أو هي الشعوب والحركات والجماعات؟
فإذا كانت الدول والحكومات،هي من تهدد تلك الأقليات فأين أثر المؤتمرين في سياسة وعمل تلك الحكومات وهم اللسان والأداة المسلطة على الشعوب من تلك الحكومات: الإمارات، مصر، سوريا، العراق، وحتى أمريكا وفرنسا، وروسيا، التي تصب طائراتهما وقاذفاتهما الاعتدال والوسطية والحكمة، لإنقاذ تلك الشعوب من بطش الإرهابيين والمتطرفين؟!
وإذا كانت الشعوب والحركات والجماعات، الإرهابية والمتطرفة، وتلك المستكينة المسالمة؟!
، فهل ترك المؤتمرون لأنفسهم مساحة، أو خط مع تلك الجماعات وهم الذين يرونهم أداة في يد تلك الحكومات للدفاع عنهم في كل المحافل والمؤتمرات، ويفتكون بتلك الجماعات في كل المحافل والأوقات؟!
ولم يسمعوا يوماً من أولئك المؤتمرين إدانة واحدة لظلم الحكام وبطشهم بشعوبهم ولا لعدوان أمريكا وفرنسا على العباد والبلاد، والله جل وعلا يقول:{ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم أعذاب أليم}.
وعاتب الله نبيا من أنبيائه حين أخذ النمل بجريرة نملة آذته ،روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:قال- صلى الله عليه وسلم:" نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأخرج متاعه من تحتها ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة ." أقول هذا وأنا أعلم أن المبدأ العلمي الفقهي عند المؤتمرين أن: الأمن قبل العدل كما يقولون؟!
تلك أسئلة تبدو واقعية وعلمية، والجواب عليها ضروري، وخاصة إذا علمنا أن الجهتين الفاعلتين في المؤتمر هما: المغرب عبر وزارة الأوقاف، والإمارات عبر منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة .
فالمغرب ليس موضوع المؤتمر مطروح لها بحدة، لا رسميا ولا شعبيا(الجماعات)، فالأقليات أو الأقلية فيها في قمة الحضور والفعل والتأثير إلى درجة أنها خرجت لتضطهد الأكثرية في فلسطين؟!
أما الإمارات فإن الأمر مطروح عليها بإلحاح، فهي التي تضطهد، الأقلية الشيعية والإخوان المسلمين فيها، بل إن فواعلها تفعل فعل الاضطهاد والتشريد ومحاولة المحو والإقصاء خارج حدودها مصر وليبيا مثلاً؟
واحتضان المغرب والحالة هذه لمؤتمر يراد له أن يكون دوليا حول حقوق الأقليات في العالم الإسلامي شيء لاشك يستحق قدرا كبيراً من الإشادة والتنويه، وأن يكون من مهام المؤتمر أن يوجه  نداء للتعايش، ويرفع صوته في وجه الإقصاء ويحذر من الطائفية والانغلاق الديني فهذا أمر كذلك يستحق الإشادة والتنويه .
ويحقق مطلبا  يرفعه ويدعو له كل العقلاء والخيرين في العالم من مسؤولين وعلماء ومفكرين وباحثين ومواطنين، ممن أدركوا المخاطر التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي والتركيبة لا أقول المذهبية ولكن الفكرية في أغلب بلدان العالم الإسلامي  وخاصة في السنين الأخيرة، وبعد أن ساد الخطاب الديني المنقلب والطائفي بعد انتشار الفكر الخميني الشيعي والذي يرمي في أبعاده ومضامينه إلى رفع أسوار الحقد والكراهية بين المكونات المتعددة التي تعايشت على مر القرون من دون أن يثير ذلك أي نعرة من أي نوع كان .
ونحن ولاشك ندعم نظريا المؤتمر الذي ينعقد في مراكش تحت شعار"حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية.. الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة" ولكننا نتساءل عن مصير التوصيات والأوراق التي ألقيت داخل القاعة ما مصيرها وهل ستصبح ثقافة مشتركة بين مختلف الأطياف والمذاهب في أرجاء العالم الإسلامي، ومن سيعمل على تحقيقها، أو ستكون مجرد مادة إعلامية للإعلام الرسمي، ومناسبة لضخ قدر من المال السحت في بعض الجيوب وينتهي الأمر، كما يحصل في عدد كبير من المؤتمرات المماثلة والتي سرعان ما تنسى بمجرد أن يجف المداد الذي كتبت به وتقبض التعويضات ؟.
ما هو حاصل اليوم من الاهتمام والتفعيل لقضايا الأقليات والمذاهب في العالم العربي والإسلامي إنما هو تكرار لما جرى في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وإنما الذي تغير هو الشخوص الذين يحركون قضايا الأقليات والطائفية والمذهبية والمناخ السياسي؟.  
فالكثير من الجماعات اليوم والشخصيات المنتمية إلى الإسلام، والتي تؤسس خطابها الفقهي والديني على قضيا الأقليات وحماية الظلم ونشر الفساد إنما تؤدي نفس الدور والمهمة التي أداها الاستعمار الغربي في الماضي؛ وهي: تفكيك كل الوحدات الاجتماعية القائمة في البلدان العربية والإسلامية.
وما يقوم به المتشددون والمتطرفون اليوم في معسكرات التشدد والتطرف ومعسكرات الظلم والاستبداد إنما يضاعف من تأثيرات الأوضاع القائمة والتي توجد في حالة تفكك وانفلات أصلا بسبب سياسات الأنظمة، التقليدية القبلي منها والمدني، والذي يجسد في الوقت ذاته استمراراً للسياسة الاستعمارية القديمة والحديثة، التي تركز في وسائلها ومقاصدها على خلق حالة من الحقد بين مختلف مكونات وطوائف ومذاهب المشهد السياسي في بلاد المسلمين وأين ما وجد المسلمون .
لاشك ولا ريب أن الإسلام اليوم يتعرض لقدر كبير من التشويه والتعسف في توظيف مبادئه العليا لخدمة أهداف الظلم والاستبداد والفساد على يد فقهاء السلطان، كما يتعرض وبنفس القدر لتشويه وتحريف مبادئه وقيمه على يد المتطرفين،فالمتطرفون وفقهاء السلطان في تحريف وتشويه قيم الإسلام قرني كبش؟
الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان إفهام الناس وإلزامهم بالتمسك بأحكام وقيم الإسلام العظيم، أحرى  إفهام الإسلام لغير المسلمين وفقا لما هو عليه في أصله .
الأمر الذي يتطلب جهدا مضاعفاً لتنقية أحكام وقيم الإسلام مما لحق بها من تحريف، وصقلها بالوحيين مما علق بها من إفهام وتصورات وانطباعات أصبحت هي القاعدة الطبيعية في النظر إلى الدين وتقييمه لدى الآخرين .
لقد أصبحت قراءات وممارسات فقهاء السلطان ودفاعهم عن الظلم والفساد والطغيان والاستبداد هي الصور المرسومة للإسلام في ذهن الكثير من العوام وأعداء الإسلام، تماما كما أصبحت ممارسات وأفكار المتشددين والمتطرفين تمثل هي الأخرى الإسلام عند أنصاف وأرباع المتعلمين،ومبرراً لأعداء الإسلام لإعلان الحرب على قيم الإسلام ومعاقله قيما كانت أو أخلاقا، أو موارد، أو حصون بشرية؟ .
ما من شك عند الباحث المنصف المتبصر بالإسلام أن خطابي فقهاء السلطان والمتشددين والمتطرفين يتضمن تناقضا رئيسا يخفي الرسالة الجوهرية للدين الإسلامي الحنيف، ففي الوقت الذي يقول فيه  الوحي أن الإسلام هو دين الحرية والعدالة والرحمة والعدل والبر، نجد الفريقين كل منهما يقدم تصوره وتمثله للإسلام على أنه ظلم وجور واستبداد وحماية للظلم أو الظالمين، أو إنه إقصاء وانغلاق وكبت وتشريد ، والإسلام من كل ذلك براء .
إن الإسلام في حقيقته هو دين للعالمين، نزل موجها إلى الإنسانية جمعاء، ولكن أفعال فقهاء السلطان والمتشددين تدعم التوجه الظالم والفاسد والعنصري، الأمر الذي يجعل الإسلام في نظر البعض رديف أو معادل موضوعي للنزعة الطاغوتية والقومية الضيقة، وهكذا يتحول الإسلام من دين للعالمين إلى دين لظلمة والفاسدين .
والواقع أن تنامي فقه والفكر فقهاء السلطان والمتطرفين وانتشار الجماعات المتشبثة بفقه وفكر الطائفتين، والتي تقدم نفسها على أنها الناطقة والممثلة للإسلام، لا يشكل ذلك تحريفا للدين فحسب وإنما يمثل أيضاً تهديدا للأقليات المتواجدة داخل العالم العربي والإسلامي، بل وكذلك للمسلمين أنفسهم.
وهذا ما أعطى في بعض الحالات مبرراً ووجاهة عند البعض لكثير من الهجوم والنقد والحاصل في الضفة المقابلة ضد المسلمين بشكل عام، خصوصا في العالم الغربي، والذي يخدمه في النهاية ذلك النمط من الفقه والتفكير الذي نجده عند الفريقين، ومحصلة عمل الفريقين هو الدفع نحو إنجاح أطروحات أعداء الإسلام واعتمادها بشكل رسمي من لدن غير المسلمين .

30. يناير 2016 - 11:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا