الحكومة تضع الحكومة في ميزان الحكومة / يحيى بن بـيـبه

يواصل التلفزيون الحكومي منذ أسابيع، الترويج لحلقة مع وزيرة الزراعة، من برنامج ، في ما يعتبر أول هجوم إعلامي مضاد، تشنه الحكومة، بعد أن امتلأت وسائل الإعلام الإلكترونية، والمرئية، على مدى  الشهرين الماضيين، بصرخات التنديد باستقالتها غير المسئولة من القطاع الزراعي .

وبما أن الميزان المذكور هو ميزان الحكومة، فقد أرسل تلفزيون الحكومة بعثة لتسجيل مداخلات ميدانية، ألقى فيها كالعادة، زمام الأمر في يد مندوب وزارة الزراعة في ولاية اترارزة، لحشد عدد من " المدائح " الجاهزة مسبقا، حتى يضمن رجحان الكفة الراجحة أصلا،" مع سبق الإصرار والترصد".
وقد أعطى التلفزيون القوس باريها. فقد نصبت الخيام، وقدم " السابقون السابقون ألائك المقربون ".
ولم يكن في الأمر ما يثير الاستغراب لدينا، معشر المزارعين. حيث إن لنا مع تلفزيون " المجاملة العمومية" تاريخا ثقيلا ، لعل أبسط ما فيه، استبعاد رئيس إحدى النقابات الزراعية، من ندوة نظمها هذا الجهاز، قبل ساعات من بثها، و ذلك بعد أن تم استقدام هذا النقابي من روصو للمشاركة .
والسبب أن مسئولي وزارة الزراعة، الذين فوجئوا بخبر مشاركته،  صمموا على عدم المخاطرة بمواجهة رأي آخر، قد يطرح بصورة غير ناعمة .    " فكان ما كان مما لست أذكره، فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر " كما يقول الإمام الغزالي في موضوع آخر .
ومع تمنياتنا للوزيرة بالتوفيق، في هذه الحلقة ،مع تلفزيون إلا أننا ندرك أن مهمتها على قدر كبير من الصعوبة، ليس لنقص في بلاغتها، ولا لتواضع في إمكاناتها ، ولكن لأن حكومتها ضنت عليها بأية أسلحة دفاعية أو هجومية، تساعدها في هذه المعركة الإعلامية.
فبرغم انهيار محصول الأرز في موسم الخريف المنصرم، وتواضع المساحة التي هيأها المزارعون في الموسم الصيفي الذي بدأ الآن، لم تتخذ الحكومة أي قرار يرسل بادرة أمل للمنتخبين الزراعيين .وكل ما قدمه مسئولونا حتى الآن، محاضرات في الوعظ والإرشاد. فهل يمكن إنقاذ هذا القطاع المنهار بالوعظ و الإرشاد؟ وما الفرق بين الحكومة وأئمة المساجد، إذا لم يكن لديها من وسائل للإصلاح إلا ما لديهم ؟!
وكيف تصم الحكومة آذانها، عن جرس الإنذار الذي انطلق، بانهيار محصول الأرز إلى نحو ثلث مستواه المألوف، خلال الحملة الماضية؟
وكيف تواصل تجاهل الإنذار الثاني، الذي مثلته ضآلة المساحة المهيأة للزراعة، في هذه الحملة الصيفية، المبدوءة الآن، حيث غابت الزراعة بشكل كامل أو شبه كامل عن بوكمون، ومنطقة كرمسين، وعن نحو نصف امبوريه، واجوير، وأم الخوة ..إلخ ؟
كما أن نحو ثلثي حملة الشهادات، البالغ عددهم (185 مزارعا ) غابوا عن الزراعة في هذه الحملة الصيفية، نتيجة انسداد أفق الزراعة أمامهم، وتراكم ديونهم مع الخسارات المدوية في الحملة الأخيرة.
وربما سمعت حكومتنا ، من معامل إنتاج الكذب ، تبريرات تحمل مسئولية انهيار المحصول لكثرة الأمطار هذه السنة ، بل وحتى لتقلبات مناخ الكرة الأرضية ..! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .
وهذا القول ، إن دل على شيء ، فإنما يدل على درجة الإفلاس التي وصلت إليها صناعة الكذب لدى ممثليات وزارة الزراعة .
أما خطة الحكومة، في تسليم مسئوليتها اتجاه المحصول الوطني، إلى موردي الأرز الأجنبي، فلها عيوب كثيرة، يضيق المقام عن ذكرها هنا.
وقد تلقت هذه الخطة  ضربة قاضية، خلال الأسابيع الماضية، مع التراجع السريع في أسعار الأرز الأجنبي، في مدن الضفة، بسبب التهريب الواسع النطاق عبر نهر السنغال ، مما يدل على أن خطة تعتمد على فعالية ونزاهة المسئولين المحليين، هي خطة محفوفة بالمخاطر .
فهل وصلت هذه الحقائق إلى مسامع حكومتنا ؟
ما نفضل أن نعتقده في الميدان الزراعي هنا، هو أن حكومتنا تعرضت للتضليل، وأن ممثليات وزارة الزراعة على الأرض، هي التي تولت كبر هذا التضليل، عن طريق تشغيل مفاعلات إنتاج الكذب.
ويبقى المعول عليه لدينا، دور يلعبه والي اترارزة، وأجهزة الأمن، في نقل معالم الصورة القاتمة، بكل شجاعة ومسئولية، إلى المراجع العليا في الحكومة، وهو ما سنبذل أقصى جهدنا من اجل تحقيقه .
ولن تستطيع أية حكومة رشيدة بعد ذلك، أن تتردد في فرملة هذا القطار الزراعي المندفع بقوة نحو الهاوية.              

8. فبراير 2016 - 14:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا