يعتبر قطاع العدالة من أهم القطاعات في الدولة، إذ بدون إصلاحه لايمكن إن يتقدم البلد او يحافظ على وحدته و استقراره ،فالدول تقوم على الكفر ولا تقوم على الظلم، وبلدنا للأسف يشهد هذه الفترة غيابا شبه تام للعدالة، بل وينتشر الظلم والفساد والمحسوبية والزبونية ، فلا يمكن للمواطن العادي ان يحصل على حقه
الطبيعي،دون وساطة أو نفوذ، فإذا لم يكن لديه وساطة أو نفوذ، فسيظل ملفه عالقا في المحاكم وينتظر حتى يصدر الحكم لصالح خصمه، او ينتهي به المطاف إلى ان يترك حقه يضيع، فنحن للأسف ليست لدينا دولة قانون او بالأحرى دولة مؤسسات، بل مايحكمنا هو منطق القوة، والاستبداد والظلم، فلا نجد تطبيقا للقانون إلا على الضعيف فقط ، فهو من سيطاله العقاب والظلم والقهر وحين يشتكي يقال له نحن نطبق القانون،كما ان دولة ليست بها عدالة لايمكنها ان تجلب الإستثمارات، فالمستثمرون يريدون عدالة حقيقية تضمن لهم حقوقهم وتحسسهم بالأمن والإستقرار، فأين نحن من مبدأ الفصل بين السلطات الذي يقره الدستور الموريتاني؟
للأسف لانجد لهذا المبدأ سوى الإسم فقط، فالسلطة التنفيذية تتدخل في كل كبيرة وصغيرة ، وتعتبر نفسها هي الوصية على كل السلطات الأخرى وخاصة السلطة القضائية، كما أن محاربة الفساد لتي أطلقها النظام خلال الحملة الإنتخابية 2009، ليست إلا شعارا أريد به الوصول إلى السلطة، وحين وصلوا إليها لم نجد تطبيقا لهذا المبدأ ، بل أصبح وسيلة للإستفزاز و تصفية الحسابات مع الخصوم، وفي بعض الأحيان يستعمل للإستهلاك السياسي، والدليل على ذلك هو أننا لم نجد متابعة قضائية من تلك السنة وحتى الآن لأولائك المفسدين بل نسمع بقضايا فساد في الإعلام، وحين نتتبع اخبارها نجدها تنتهي في التحقيق أحيانا بالبرائة وأحيانا بالتدخلات والوساطة وفي بعض الأحيان لا تتجاوز المحاكم الإبتدائية فيصدر فيها حكم إبتدائي فقط وتنتهي هنا، فلا نجد اصحابها يعاقبون في السجون ولا ينبذون من طرف المجتمع بل يتستر عليهم ويصبحون ابطالا ويتقلدون المناصب العليا في الدولة وكأنهم يكافئون على ما فعلوا من فساد وسرقة وإختلاس للمال العام، فلا يعقل ان نجد دولة تظهر فيها قضية فساد بحجم الملايين،ولانجد ملفات اصحابها يمسكون ويتابعون بصفة جدية، فمن يبحث في هذا المجال لن يجد للأسف لافي آرشيف المحكمة العليا ولا غيرها من المحاكم ولا لدى المحامين، أي قضية فساد أستنفدت جميع الطرق القانونية وكل المساطر القضائية بالتدرج حتى تم البت فيها وحكم على اصحابها قضائيا بالعقوبة اللازمة لذلك، بل نجد إهمالا وتقصيرا وعدم الجدية التامة في محاربة الفساد، فالدولة الموريتانية منذ نشأتها وحتى الآن لم تشهد محاربة حقيقية للفساد، رغم اننا البلد الوحيد الذي تعودنا خلال جميع الأنظمة التي تعاقبت عليه، على الفساد واكل المال العام، وكأنها مفخرة لدى بعض أبنائه، فمن لم يستولي على شركة او مؤسسة او قطاع تابع له فهو في نظر المجتمع جبان وضعيف ويعاب بذلك طيلة فترة حياته، ومادمنا بهذا المستوى فمعناه أننا لدينا الكثير من المفسدين الذين يجب ان يعاقبوا أمام الجميع ويشهر بهم ويصبحوا عبرة لغيرهم حتى نقضي على هذه الظاهرة او نحد من انتشارها، ام اننا نطلق الشعارات فقط ونكافئ المفسدين بالتعيينات والوظائف والامتيازات، فهذا مخجل للأسف ولا يمكن ان يستمر بل هو لعبة مكشوفة ولم تعد تخفى على أحد، بل اصبح الجميع يدركها ويعرفها، وسوف يحاربها اصحاب الضمائر الحية والنزيهة والغيورين على الوطن،واصحاب المبادئ الذين لايبيعونها بثمن، ويمكن ان يقال عنهم انهم قلة قليلة لاكن جهودهم لن تذهب سدا بل ستؤتي أكلها إنشاء الله
كما نجد جرائم كبيرة مثل المخدرات تنتشر يوما بعد يوم ويتستر عليها ولا تؤخذ بالأهمية والخطورة الكافية، فأين وصل ملف المخدرات التي حطت بها طائرة في أنواذيب 2007؟ واين المتابعات والأشخاص الذين تمت معاقبتهم حينها؟
وماهي المعالجة والتدخل والعقوبات الصارمة التي استخدمت للحد من إنتشار هذه الجريمة في مدينة انواذيب ؟ بإعتبارها مسرحا لهذه الجريمة بل واصبحت مصدرا للثراء لدى بعض ابناء هذه الولاية، ويتاجرون بها وكأنها تجارة مرخصة في نظرهم.
أما انواكشوط فالوضع اسوأ ما يكون، فنشهد إنتشارا لجميع الجرائم بشكل غريب سواء في الوسائل او الأساليب، فالمخدرات اصبحت تدخل عن طريق القوارب والبواخر والطائرات وغيرها،كذلك القتل على جميع اشكاله،سواء بالذبح اوالحرق والسرقة والإغتصاب.............
.كما نجد غياب العدالة على جميع المستويات وفي مختلف القضايا، فلا نجد شفافية ولا رقابة على تسيير المال العام، كذلك عدم الشفافية والعدالة في التعيينات لمناصب الدولة ولا حتى في المسابقات، كذلك جميع النزاعات سواء الأسرية منها او النزاعات على القطع الأرضية او غيرها كلها تبقى عالقة امام القضاء ويتحملون اصحابها الكثير من المتاعب والصعاب دون الوصول إلى حقوقهم
كما نشهد غياب الخبرة والتكوينات في هذا القطاع، كذلك غياب الدقة في المعلومات وأرشفتها بطريقة دقيقة ومنظمة، كما نجد ضعف اداء القضاء الواقف، فهو لايقوم بالدور المنوط به، وهو تحريك الدعوى العامة والمحافظة على الحياد وعدم الرضوخ للضغوط والنفوذ والوساطة، كذلك نلاحظ في القضاء الجالس كسلا وإهمالا وتقصيرا بالنسبة لبعض القضاة ، بحيث لايهتمون بمتابعة القضايا وتسبيبها وأخذ الحذر والفطنة اللازمين لذلك حتى تأخذ القضية مستواها من الأهمية ومكانتها أمام المحكمة.
فخلاصة القول ان قطاع العدالة في موريتانيا هو جهاز في يد السلطة التنفيذية تستعمله اين شاءت وتحمي به من تريد وتظلم به الضعاف فقط وتهدر حقوقهم تحت طائلة القانون، الذي لا يوجد منه إلا النصوص فقط، والنصوص القانونية دون التطبيق ليست إلا حبرا على ورق وحق أريد به باطل، فإلى متى ستصبح الدولة الموريتانية دولة قانون، دولة مؤسسات، دولة عدالة تحترم فيها الحقوق وتحفظ وتصان؟