إن الصورة التقليدية للحكومة، بوصفها تلك الأجهزة التي تدبر الشأن العام انطلاقا من مباني حكومية يتجه إليها الموظف صباحا ليجد أمامه طوابير المواطنين في الانتظار للحصول على خدمة لا يسهل الحصول عليها نتيجة التراتبية البيروقراطية و التعقيدات العملية الأخرى.. و في انتهاء الدوام يرجع الموظف
خائر القوى.. و يرجع المواطن معدوم الخدمات.. إن هذه الصورة أصبحت موضة عتيقة جدا في عالم اليوم.. و ربما لا يقع اللوم على أي منهم في غالب الاحيان.
إن سيادتنا الوطنية لا يمكن أن تكون مكتملة اليوم إلا إذا طعّمنا سيادتنا على إقليمنا بسيادة موازية على فضائه السيبراني ..
أليس من المهين جدا أن نجد المواقع القليلة لوزاراتنا لم تحدث منذ أشهر أو سنوات.. كيف يمكن للمواطن الاطلاع على خدمات دولته و حقوقه و واجباته؟؟ كيف يمكن للدول الأخرى التعامل معنا أو حتى معرفة مؤهلاتنا الثقافية و المادية؟؟
يمكن "لحكومتنا الالكترونية" أن تساهم بشكل كبير جدا في رفع مستوى الكفاءة و الفعالية داخل القطاعات الإدارية، كما يمكن لتعاملاتها أن تجري في أوقات قصيرة جدا مما يوفر الكثير من امتهان العامل و تبذير الأموال.. يمكنها أن تكون بوابة موريتانيا الواسعة جدا على العالم الخارجي..
بإمكان دولتنا أن تكون رائدة في هذا المجال الذي يطبعه التنافس في فضاء اليوم المعولم، ذلك أن إنشاء "الحكومة الالكترونية" لا يتطلب موارد مالية كبيرة و لا كادر بشري كثير.. يتطلب فقط الكادر المدرب و الملتزم..
إن رهان موريتانيا اليوم يتمثل في إنشاء "الحكومة السيبرانية" التي توفر الموارد و تقلل التكاليف و تزيد من فاعلية العمل الحكومي و رضا المواطنين..
هنا يكمن الحل الأمثل للتعامل مع الشائعات و الأكاذيب التي تنتشر بشكل ساعاتي من طرف الطامحين إلى النيل من وحدة الأمة و سيادة الدولة بتخصيص بوابات الكترونية تفند الأكاذيب و تبطل الأوهام..
هنا فقط يكون المواطن الجالس في بيته مخولا للحكم على ما ينشر على مواقع التواصل و الصحف الالكترونية من إشاعات و دعايات مغرضة، لأنه ما إن يسمع خبرا حتى يفتح احد بوابات "الحكومة الالكترونية" و يطل منها ليعرف الحقيقية..
لكن من هم المخولون بإدارة و حراسة هذه البوابات التي يبدو أنْ لا تقدمَ في عالم اليوم المتشابك بدونها؟؟
لابد أن يكون هؤلاء الحراس من الشباب الثاقب الذهن و المتطلع على مستجدات الأمور، الفاهم في التعامل الالكتروني الحديث، الحائز على تدريبات مكثفة في مجالات الاتصال الإداري و المؤسسي و تسيير الشأن الإعلامي ، لا بد أن يكون هؤلاء من خيرة شباب موريتانيا في مجال "الكتابة الصحفية" و في مجال الانضباط العملي و الأخلاقي.. لا بد أن يتم اختيارهم بطريقة شفافة.
لا بد أن تكون الدولة الموريتانية هي من درب هؤلاء على الوطنية و العمل الجاد على مستوى تكنولوجيا عالم المعلومات إدارة المؤسسات العمومية و الاتصال المؤسسي و العلاقات العامة.. أن تكون دربتهم على عمل الملحقيات الإعلامية في الوزارات و السفارات و دربتهم كذلك على كتابة الخطابات الرسمية و آليات الخطاب و تحليل المعلومات... إلى غير ذلك من المواد التي تخدم عمل الحكومة الالكترونية..
و لحسن الحظ فإنه توجد مجموعة شباب يتمتعون بالشروط السابقة، إنهم قلة نادرة في هذا المجال..
و بالفعل فقد أنفقت الدولة الموريتانية على هذه القلة المميزة الكثير من الأموال في سبيل أن يكونوا مؤهلين للقيام بمسؤولياتهم..
و اليوم، تريد هذه القلة أن ترد الجميل لوطنها .. تريد خدمة موريتانيا و العمل على ان تصبح رائدة في مجال "الحكومة الالكترونية" و "الدولة الافتراضية".. هل من غضاضة إذا عمل الأبناء على برور أمهم..
و نتيجة للشروط السابقة المطلوبة في قادة "الحكومة الالكترونية"، فيبدو من الجلي أن تتجه الأنظار مباشرة إلى دفعة "الكتاب الصحفيون".. الذين تم تكوينهم على هذه المهمة الكبيرة قبل عدة سنوات و ما زالوا ينتظرون شرف تحمل المسؤولية..