هل تجاوز المجلس الدستوري صلاحياته في قراره الأخير؟ / أ.د حاتم محمد المامي

لقد أثار قرار المجلس الدستوري الأخير، حول مشروع القانون النظامي الذي يلغي و يحل محل أحكام القانون النظامي رقم 2014-029 بتاريخ 26 ديسمبر 2014 ، المتعلق بتحديد طرق العودة إلى التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ و مدة الإنابة التشريعية للجمعية الوطنية، أثار، زوبعة قانونية

و سياسية كبيرة وتحدث البعض عن أزمة دستورية.
الواقع أن الأمر كان بالفعل مفاجئا في التوقيت و في المضمون لكنه لا يعدو كونه زوبعة في فنجان.
بغض النظر عن الرهانات السياسية حول الموضوع، فإن الحيثيات القانونية رفعت مستوى النقاش إلى أعلى مستوى من التقنية و خصوصا فيما يتعلق بفنيات دستورية  غاية في الدقة.
لقد خلق القانون الدستوري رقم 2012-015 بتاريخ 20 مارس 2012 وضعية تمديد فعلي لمأمورية البرلمان الموريتاني. علقنا عليه حينها بالقول بعدم دستورية هذا التمديد، لأن النص الدستوري المذكور لا يشترط أجلا محددا لنهايته مما من شأنه أن يعطل مبدأ التداول على السلطة، الذي لا يمكن المساس به في ظل دستور 1991، المعدل، وفقا لنص المادة 99 منه.
ولما كان الفيصل في الرأي هو ما يقرره المجلس الدستوري، الذي أقرّ بمشروعية المراجعة الدستورية و دستورية التعديلات التشريعية الملحقة، حسم النقاش و دخلت النصوص حيز التنفيذ. إلا أن ذلك لا يعني أن قرارات المجلس الدستوري، نفسها، لا تخضع للتعليق و النقاش، ما دامت اجتهادات من قانونيين و إن كانوا متمرسين و حكماء.
هنا يجب الإشارة إلى أن اختصاصات المجلس الدستوري في هذا المجال تقتصر على رقابة دستورية القوانين، من خلال الرجوع إلى الكتلة الدستورية بمعناها الواسع، دون الوصول إلى رقابة مواءمة تلك القوانين. إن غير ذلك يجرّ إلى ما يخافه و يحذر منه منتقدي المنظومة الدستورية على النمط الفرنسي، ألا و هو "حكومة القضاة".
كما أن الحصانة و المهابة الممنوحتين لقرارات المجلس الدستوري، التي تجعلها ملزمة لجميع السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، مردهما إلى "عدم قابلية أي شكل من أشكال الطعن في هذه القرارات" و تمتعها "بحجية الشيء المقضي".
الخاصية الأولى جعلت قرار المجلس الدستوري الجديد، القاضي ب "أن تجدد كل فئات غرفة مجلس الشيوخ دفعة واحدة"، أمرا لا رجعة فيه أبدا. و قد يرى البعض في هذا الحكم خروجا على اختصاصات المجلس الدستوري، التي يجب أن تقتصر على البت في مطابقة النص المعروض عليه مع الدستور من عدمها، دون اقتراح إجراءات، هي بنص الدستور، من اختصاص البرلمان و الحكومة المسؤولين عن  صياغة و إقرار القوانين النظامية.
و من المفارقات أن يشير المجلس الدستوري نفسه، في حيثيات قراره الجديد، إلى المادة 15 من القانون الدستوري التي تقر هذا الاختصاص للبرلمان و الحكومة في شكل قانون نظامي. و بالمناسبة لا يمكن تحديد مكان هذه المادة تقنيا في صلب دستور 1991، لأنها تحمل أحكاما انتقالية و استثنائية صيغت في غير محلها. تماما كالأحكام التي بموجبها تم تعديل المواد 42، 52 و 68 من الدستور حيث نصت المراجعة الدستورية في 2012 على أن تلك التعديلات تدخل حيز التنفيذ بعد النتائج النهائية للانتخابات التشريعية الجزئية أو الشاملة لغرفتي البرلمان. و هذا ما يطرح التساؤل، رغم عمل الحكومة بها فعليا، هل دخلت هذه التعديلات حيز التنفيذ دستوريا؟ مع العلم أنه لم تجدد إلا غرفة برلمانية واحدة، هي الجمعية الوطنية.
أما الخاصية الثانية، التي تتعلق بحجية الشيء المقتضي، فهي تعني فنيا أن أي موضوع اتخذ فيه المجلس الدستوري قرارا، فلا يمكن أن يكون نفس الموضوع محل تقاض مرة أخرى. وهنا يبدو أن المجلس الدستوري قد أقر، بموجب القرار 010/2014/م.د، مطابقة التمديد للفئة "أ" لغاية 2017 في القانون النظامي رقم 029-2014. وهو يرفض اليوم في قراره الجديد التمديد لها بعد ما أقره.
إن حجية الشيء المقضي، لا يعتد بها فقط أمام المعنيين بالقرارات الدستورية، بل أيضا، يجب أن يلتزم بها المجلس الدستوري نفسه. فكما هي أمر مفروغ منه في القانون العادي، تكون أقوى في القانون الدستوري، لعدم اشتمال هذا الأخير على منظومة ضمانات التقاضي المتعددة المتوفرة في القضاء العادي. و عليه قد يفاجأ البعض بالبت في أمر قد حاز على حجية الشيء المقضي.
إننا نجهل تماما الخلفيات الدستورية و القانونية التي دفعت بالمجلس الدستوري إلى عدم العمل بهذا المبدأ. وقد برّر المجلس موافقته في البداية على التجديد لفئة (أ) "كان قبل انقضاء مدة هذه الفئة، أما الآن و قد انقضت مدد كل الفئات، بل تجاوزت، فلا وجه للإبقاء على فئة دون أخرى". مثل هذا التبرير يفهم إذا صدر في حكم قضائي عاد، لكن قد يصعب تقبله في فقه القضاء الدستوري. 
و مهما يكن من أمر، فإن المجلس الدستوري قضى في قراره الجديد أن القانون النظامي، المتعلق بتحديد طرق العودة إلى التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ و مدة الإنابة التشريعية للجمعية الوطنية، يجب أن يتضمن تجديد فئات مجلس الشيوخ دفعة واحدة.
و هنا نقول، أنه عكس ما يعتقد البعض، في أن تجديد أعضاء مجلس الشيوخ يجب أن يكون فورا، هو اعتقاد خاطئ، ينم عن فهم سطحي للقانون. بل بالعكس، إن القرار قد يدفع بالحكومة إلى مراجعة الجدولة الزمنية التي كانت تقترحها لإجراء مثل هذا التجديد إلى أجل مسمى. فبنص الدستور لا تنتهي مدة مجلس الشيوخ الحالي إلا مع الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات المزمع إجراؤها. فالشرط الوحيد للعودة إلى التجديد المنتظم لفئات مجلس الشيوخ، كل سنتين، هو أن يكون مقرونا بتجديد شامل لكل فئات هذا المجلس دفعة واحدة، دون التمديد لأي من الفئات الثلاثة المشاركة في المأمورية الحالية. 

17. فبراير 2016 - 13:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا