تدور أحداث هذه الخاطرة في المقهى التونسي، ولا أدري هل هو الموجود في نواكشوط أم آخر يحمل نفس الاسم في بلد عربي مغاير لا يختلف حاله مثقفيه كثيرا عنا.. واعذروني فأنتم أهل الرأي والرأي الآخر.. وهي إهداء مني لكل المثقفين والمثقفات الناشطين على الساحة، ولكل السياسيين والسياسيات
المناضلات، ولكل أسرى محراب الثقافة والعلم الذي لا ينفع في الدنيا والآخرة..
----------------------
مثقفو آخر الزمان
----------------------
سحبت هواء النرجيلة الملوث إلى صدرها ولفظته مع الآهات والحسرات المعتلجة في صدرها، وصفعت من قدرت على صفعه من الصليبيين العلوج المارين في خيالها.. مر المسلم التافه من أمامها كالبرق يحمل بيده التي لا تحمل الزجاجة الملفوفة، بطاقة شحن للجوال.. همست دون أن يسمعها من حولها من الغافلين: "يبدو أنه سيتصل بالقنوات اللقيطة، وسيهذي من جديد"..
تأملته بإمعان.. لم ولن يتغير.. مثله من تبحث عن ضلاله وجهله المنظمات الصهيونية والتنصيرية والمخابرات المعادية، تحتضنه وتغدق عليه المال الحرام، وتلمعه، وتضعه على سدة مراكز الفكر والقيادة في بلده من أجل تنفيذ أجندتها المعادية لجنسه ودينه..
لم ولن يتغير أبدا.. نفس المثقف المتحرر المنحل شارب الخمر الذي ابتليت بأمثاله أمة الإسلام هذا الزمان.. قد يعلم كل شيء إلا كيفية ضبط صلاته ! لا تهمه ولا يبحث عنها رغم اكتسابه صفة الباحث ! .. طريقة تأنقه الفاشلة وترفعه على من سواه يشيان بضيق يده ونظره.. هوايته الإدلاء برأيه في مصائب المسلمين لدى القنوات المدسوسة التي لا تناقش غيرها..
اللعنة على حسد العلوج، يتدخلون في شؤوننا في كل مرة دون وازع من ضمير، أحيانا بحجة أسلحة الدمار الشامل، وأحيانا بحجة ترسيخ الديمقراطية والحريات، وأحيانا بحجة داعش البغيضة.. تبا لظلمهم، أما يلهيهم تحضرهم الفاجر عنا قليلا ؟ ما دخلهم في تطبيقنا لشريعة ربنا على أرضنا ؟ ما دخلهم في ارتداء نسائنا للحجاب وما شئن ؟ ما دخلهم في عبادتنا لربنا كيف شئنا ؟ ألم تعد لنا خصوصية في هذا العالم المنافق الذي كنا يوما أعدل أسياده ؟
اللعنة عليهم ؟ ألا نجرؤ حتى على الإعتراض على اعتراضهم على اعتراضنا على كفرهم وفجورهم وقوانينهم الوضعية وديمقراطيتهم المفروضة علينا !؟..
التافه الجاهل في الأربعين من عمره، ورغم ذلك لا يزال يبدد أيامه ولياليه وراء الأوهام.. ذاب كقطعة ثلجية في كأس الحضارة الغربية المنتنة مذ حشره أبواه في مدارس الأجانب التي لا تعلم غير الفجور، فعاش زهرة شبابه يعب من شذوذ الفلاسفة والمفكرين والمخرجين والمغنيين، والزناة والمدمنين..
عاش في أجواء الديمقراطية التي يمنع مصدروها إلى العالم غيرهم من الحق في الحياة كما يشاؤون.. عجبا له.. كم أود الضحك من خفة عقله وفكره لولا أن المصيبة أجل.. أعطاه ربه جميع مقومات الفهم والسعادة في الحياتين الأولى والآخرة، فاستبدل ذلك كله ببصل الضالين، وتتبع خطوات الشياطين حتى أدخلوه جحر الضب الشهير..
لم يدرك يوما أنهم يسعون في الأرض فسادا بنهبهم للآمنين وسفكهم لدمائهمـ ومؤامراتهم على دينهم.... صدق أكذوبة نشر الحريات، وأضحوكة الموضة الفاجرة التي تستر المرأة فيها عورتها بأكذوبة شفافة.. صدق أسطورة أسلحة الدمار الشامل التي قيل إن بلدان التخلف الشامل تمتلكها !.. صدق أكذوبة "داعش" التي حيكت في جحور المخابرات ولم تحقق إلا مصالح الظالمين !..
اليساري التحرري التقدمي الديمقراطي المبتدع الوسطي الأحمق.. المشجع لبرشلونة، المؤمن بقضيته العادلة (الفوز بالليغا) التي هي عنده أعدل من قضية فلسطين.. آمن بأنه يحسن صنعا بموافقة للقوم في ديمقراطيتهم التي ضحكت على الذقون، وخربت بمظاهراتها البلدان.. قال يوما في مداخلة له على قناة "BBC" أعتقد أنه لم يكن في وعيه حينها: "انه يؤيد تساوي المرأة مع الرجل في الإرث، بل ووصايتها عليه، وطلاقها له !".. وقال مرة على قناة "الخنزيرة": "إنه ضد قطع يد السارق، ورقبة الكبش – كبش العيد".. تبا لجهله..
وقال على قناة "فرانس 24" في استفتاء لإختيار أتقى شيوخ العالم: "انه يرشح الشيخ بابا الفاتيكان".. ولما سأله المذيع عن السبب، أجابه ضاحكا: "هذه حرية شخصية.. في الحقيقة يعجبني حزام عنقه الموشى كثيرا".. ولما شاهد لاعب كرة القدم "ميسي" يضع القبعة اليهودية على قناة "إسرائيل الثانية"، اتصل بالقناة فورا وهتف بعبرية ركيكة: "إذا كان ميسي يهوديا فأنا ابن يهودية"..
وقال في قناة "الميادين": "إن من حق الغرب الدفاع عن نفسه ضد الإرهاب السني الوهابي"، ولم يفكر يوما في إرهاب الغرب الذي يدك البلدان !.. وقال في نفس القناة "إن من حق الشيعة المظلومين ذبح كل من يتولى الشيخين أبا بكر وعمر لأن توليه لهما موافقة على قتل الحسين".. الغبي التعيس !..
وقال يوما على قناة "روسيا اليوم": "أحترم قرار رئيسكم قصف سوريا، هذا دوره، قواعد اللعبة البشرية الدموية تقول إن للقوي الحق في أكل الضعيف، وعلى الأخير تفهم الأمر أو نطح الحائط برأسه"..
ذاب مثل الكثيرين في كأس الحضارة الغربية المسكرة، اختلطت عليه وعلى أمثاله أمور دنياهم ودينهم حتى لم يعد الواحد منهم يميز بين إلحاد وتوحيد، أو شريعة وديمقراطية، أو علج وملاك.. ابتعدوا عن مصدر عزتهم فلم يتعلموا دينهم، وإن تعلموا منه القليل وجدوه مخلوطا بملح البدعة والوسطية الديمقراطية المزعومة، فحادوا عن الصراط المستقيم، وابتعدوا عن أسباب النصر..
أنصتوا بخذلان لنواقيس الإبتهاج التي تدق في معابد الكفار ابتهاجا بتحضر المسلمين الجديد، وتأملوا باستكانة الطائرات المحلقة التي تقصف البقية الباقية من بلدانهم وعزتهم.. لم يعد الواحد منهم يميز بين صواب وخطأ أو حلال وحرام أو عدو وحبيب.. تساوى عندهم العدو والحليف، والضلال والإيمان، والهواء والدخان، والترتيل والغناء !.. صاروا بعد التبتل وطلب العلم يدخنون السجائر والشيشة في المقاهي على وقع أخبار القنوات الخادعة التي تنقل لهم بمكر واحترافية انجازات الأعداء فيهم !..
ما أثقل الهم الجاثم على صدري، وما أثقل نشرة أخبار هذه "الخنزيرة" الكذابة التي لا تتحدث إلا عن الإخوان المملين.. ليتني أستطيع الضحك لأضحك من غباءنا وتنسكنا المغشوش.. آآآآه.. ما علينا.. سأسحب نفسا عميقا من هذه الشيشة الكئيبة.. حسبي أنني لست مثل الآخرين فأنا على الأقل أفهم ما يحاك لي وللأمتي من مكائد..
آآآآه.. لأتفرج قليلا على قناة "رو.. رو".. لا يمكنني نسيان اسم عشت أردده طيلة عمري.. "رو.. رو".. آه تذكرت.. أيها النادل، لو سمحت شغل لنا قناة "روتانا كَلْبْ" لعلها تنسينا قليلا من هذه الهموم..