شكل توقيف الأمين العام السابق لوزارة الداخلية محمد الهادي ماسينا، شكل مفاجأة من العيار الثقيل، ليس فقط لداعمي نظام ولد عبد العزيز فحسب، بل كذلك للمعارضين، ورغم عنصر المفاجأة في القصة، إلا أن المعارضة – كعادتها – حاولت أن تستغلها، لتقطف ثمارا لم تزرعها، وقد بدا موقف منتدى
المعارضة من هذه القضية متناقضا، ومرتبكا.
فلأول مرة تبادر الحكومة بتوقيف مسؤول رفيع منها، وتقدمه للعدالة، ولم يكن ذلك مطلبا من المعارضة، ولا شرطا منها للدخول في الحوار، وهذه الحقيقة أصابت المعارضة بالذهول، وقللت من فرص استغلال الحدث، وبدت الحكومة بذلك جادة في مكافحة الفساد، بغض النظر عن من يتورط فيه، وحتى لو كانت خيوطه قادمة من خارج الحدود.
خلال مؤتمرهم الصحفي قبل يومين، حاول قادة المنتدى أن يوهموا الرأي العام أن لديهم معلومات عن قضية وزارة الداخلية، لكن سؤالا مفاجئا من أحد الصحفيين كان كفيلا بخلط أوراق المنتدى، وإحراج قادته، الذين أشهروا لأول مرة سيف تدويل القضايا الداخلية، واستجداء العالم، وهو ما يعكس – برأي المراقبين- أمرين:
الأول أن المنتدى فشل في تحقيق أهدافه عبر جهوده الذاتية الوطنية، ولم يبق أمامه إلا التخلي عن الشعب الموريتاني، والتوجه للعالم، لعله يسعفه بما عجز عن تحقيقه منذ سنين.
الأمر الثاني أن المنتدى لا يمانع في الدوس على السيادة الوطنية، واستجلاب أي تدخل خارجي، طالما كان ذلك التدخل سيضعف، أو يسقط نظام ولد عبد العزيز، وهذا موقف غير وطني بالمرة، ومع ذلك فإن تلويح المنتدى بالتدخل الخارجي في قضايا البلد بدا غير مفهوم، حتى بالنسبة لمن يهددون به، ويعكس جهلا، أو تجاهلا لمبادئ، ومقتضيات القانون الدولي، والعلاقات الدولية.
ذلك لأن مقتضيات القانون الدولي، وأبجديات العلوم السياسية تخبرنا بأن مبدأ تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى مرفوض تماما، ولا يمكن وقوعه إلا عبر تفويض دولي، يكون في الغالب متعذرا، ولا بد له من مبررات هي أبعد ما تكون عن التوفر في موريتانيا، أما تلويح المنتدى باللجوء للقضاء الدولي فيبدو أكثر استغرابا، واستحالة، فمحكمة العدل الدولية لا تتدخل إلا في حالة ارتكاب جرائم إبادة، أوجرائم ضد الإنسانية، ويمكن لقادة المنتدى الرجوع إلى ميثاق محكمة العدل الدولية، وللقانون الدولي ليكتشفوا عبثية تهديدهم باللجوء لتدويل قضايا بلدهم الداخلية، فحتى موضوع المخدرات الذي طالب المنتدى النظام بمعالجته بصرامة، وإلا سيلجؤون للعالم، هناك دول احتلت عصابات المخدرات فيها مدنا بكاملها، وأحياء في عواصمها، ولم تطلب تلك البلدان تدخلا خارجيا.
إن الاستعانة بالخارج ضد الأشقاء في الوطن، والدين، واستجداء التدخل، والتعدي على السيادة الوطنية أمر قد يرقى لجريمة الخيانة العظمى في مفهوم الشعوب، فقديما قال العرب:
بلادي وإن ضاقت علي عزيزة... وأهلي وإن جاروا علي كرام
لعب المنتدى إذا آخر أوراقه، وأعلن إفلاسه السياسي، وعجزه في الأداء، وإحباطه، فقرر التلويح بالتدخل الخارجي، في أسوأ موقف سياسي للمنتدى، وارتكب بذلك قادة المنتدى خطأ، يرقي لدرجة "الخطيئة" السياسية، ما لم يتم التراجع عنه فورا، والاعتذار للشعب، ومن فشل عن إقناع شعبه بالثورة ضد النظام، رغم سنين من المسيرات، والمهرجانات، والاعتصامات، فهو في إقناع العالم بالتدخل أفشل، وأفشل.
على رسلك أيها المنتدى.. فموريتانيا ليست العراق، وولد عبد العزيز ليس صدام، وولد بوحبيني ليس أحمد الجلبي، ولا ولد مولود، إياد علاوي، وصالح ولد حنن ليس هو موفق الربيعي.. ثم إن التجارب السياسية، القديمة، والحديثة أثبتت أن أي شعب فشل في حل مشاكله بنفسه، تزداد تلك المشاكل، وتصبح مزمنة كلما تم الاستنجاد بالخارج.