ليست هذه هي المرة الأولى التي يعتذر فيها بلد عضو في جامعة الدول العربية عن استضافة القمة العادية على أراضيه، فبعد أن قرر ميثاق الجامعة تنظيم مؤتمرات القمة في البلدان العربية طبقا للترتيب الأبجدي، عقدت أول قمة على هذا الأساس في العاصمة الأردنية عمان سنة 2001، لكن عندما جاء
الدور على دولة الإمارات العربية المتحدة كبلد يلي الأردن حسب الترتيب الأبجدي، اعتذرت عن استضافة القمة وتنازلت عنها للبنان، وهكذا عقدت قمة 2002 في بيروت، وهي القمة التي صادقت على المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل المعروفة بمبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، التي رمتها إسرائيل في حاويات قمامتها! وبالمناسبة مثلت بلادنا في تلك القمة بالوزير الأول حينها الشيخ العافية ولد محمد خونه، حيث كان معاوية ولد الطايع كثير التغيب عن القمم العربية والمحافل الدولية.
في سنة 2003 جاء الدور في استضافة مؤتمر القمة العربية، حسب الترتيب الأبجدي دائما، على مملكة البحرين لكنها اعتذرت هي الأخرى، ليتم ترحيل مكان انعقاد القمة إلى مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، وهي القمة التي انعقدت على إيقاع دق طبول الحرب على العراق، وشهدت المشادات الكلامية الشهيرة بين الراحلين العقيد معمر القذافي وولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز حول الموقف من الحرب على هذا البلد العربي، وطرح خلالها الشيخ زايد بن سلطان مبادرته بتنحي صدام حسين عن الحكم لتجنب المنطقة كوارث الحرب، ووصفها وزير الخارجية العراقي حينها ناجي صبري لحديثي ب " المبادرة السخيفة ".
في سنة 2004 جاء الدور على تونس فلم تعتذر عن استضافة القمة، لكنها طالبت بتأجيلها مبررة موقفها بضرورة دراسة الملفات المقدمة في جدول الأعمال، وإثرائها بقضايا تعالج الواقع العربي على حد تعبير البيان المطالب بالتأجيل، وهو المبرر نفسه الذي يقدمه المغرب اليوم لاعتذاره عن استضافة للقمة، والمعروف أن هذا ليس هو السبب الحقيقي، فقد استضافت الرباط والدار البيضاء قمما سابقة لا تختلف في جدول أعمالها عن قمم اليوم، وإنما هناك حساسيات ومواطن إحراج طرأت على الواقع العربي الذي ظل يتعقد بعد كل مؤتمر قمة، يُرحل كل مؤتمر التعقيدات والتناقضات إلى المؤتمر الموالي، لتعلق به تعقيدات وتناقضات أخرى وهو في طريقة إلى القامة القادمة!
لقد ظلت الشعوب العربية تطالب بمواقف عربية حاسمة اتجاه القضايا العربية المزمنة وتلك المستجدة، وتعلق الآمال على كل قمة تعقد لعلها تسمع في ختامها قرارات حاسمة حتى ولو لم ترى تلك القرارات طريقها إلى التنفيذ، قبل أن تكتشف هذه الشعوب وتصل إلى قناعة بأن الجامعة العربية وقراراتها، ما هي إلا محصلة وانعكاس لمواقف وسياسات البلدان المشكلة لها، وبالأساس البلدان ذات الثقل والتأثير المالي والاقتصادي، أو بلدان المركز بشكل عام..
وبالتالي فلا أحد يتوقع من مؤتمر قمة اليوم أي قرارات ذات شأن، فلم يحدث ذلك وكل البلدان العربية قائمة ومستقرة نسبيا والاستقطاب في ما بينها أقل، فكيف يحدث ذلك اليوم وربع هذه البلدان تمزقه النزاعات والحروب، وبعضها بلا رؤساء ولا حكومات حتى؟! إلا أن ذلك قد لا يكون مبررا لإلغاء القمم العربية التي هناك من يقول إنها هي آخر ما بقي للعرب مما يلتئمون حوله، ولو على أدنى المستويات وأقل الآمال والتوقعات.
هنا يأتي احتمال استضافة بلدنا للقمة العربية المقبلة بعد اعتذار المغرب، ولا أعرف ما إذا كانت سنة كاملة كافية لتحضيرنا لهذا المؤتمر فكيف بشهر واحد؟! ونحن هنا لا ننظر للموضوع من ناحية ما سيتمخض عن القمة من قرارات، فكما أسلفنا فإن ما ستناقشه القمة، وما سيتضمنه جدول أعمالها وما سيعلنه بيانها الختامي معروف سلفا، ولن يكون سوى انعكاسا لما تشهده المنطقة من صراع واستقطاب وتضارب مصالح ورؤى، إنما الذي يهمنا هو ما يتطلبه تنظيمها من إمكانات مادية وفنية وأمنية ولوجستية مهما توفر لنا اليوم من إمكانات مادية، ومهما شكلناه من خلايا نحل ونمل، فلن نكون قادرين على توفير ربع تلك المتطلبات والظروف الملائمة لاحتضان مؤتمر بهذا الحجم، لا يقتصر على الوفود العربية فقط، بل جرت العادة على أن يحضره وفد من الأمم المتحدة يرأسه الأمين، ووفود للاتحاد الأوروبي والإفريقي والمؤتمر الإسلامي وممثلون من آسيا وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى مئات المراسلين من القارات الخمس!
أتذكر أنه في سنة 2007 دعي ضيوف لحضور حفل تنصيب الرئيس السباق سيدي ولد الشيخ عبد الله، لكن بعد التأكد من عدد الرؤساء الذين لبوا الدعوة لحضور الحفل، وهم بالمناسبة كانوا خمسة رؤساء فقط، ظهرت مشكلة عدم وجود أماكن بالمطار لتوقف طائراتهم، وكان الحل المتاح هو تهيئة مساحة ترابية تمت تسويتها وجلبت لها الأتربة على عجل وتم ضغطها لتكون قابلة لتوقف الطائرات! والمطار اليوم لا زال هو هو، وقد عجز عن استقبال خمس طائرات فكيف سيستقبل عشرات الطائرات من مختلف الأحجام وخلال يوم واحد؟!
أتذكر أيضا أنه خلال تخليد ذكرى عيد المولد النبوي التي كان معمر القذافي يقيمها دوريا في إحدى بلدان المنطقة وأقامها عندنا هنا سنة 2009، مع قلة، وعدم رسمية، الوفود الأجنبية المدعوة لها ظهرت مشكلة النقص الكبير في الفنادق والنزل، مما فتح المجال أمام أصحاب البيوت للخروج من بيوتهم وتجهيزها وتأجيرها لبعض الضيوف! فما الذي توفر من فنادق ونزل بعد تلك المناسبة، وهل من اللائق أن نستضيف شخصيات رسمية عربية ودولية كبيرة في بيوت عائلية؟!
لن يفوتنا شيء ولن نخسره باعتذارنا نحن أيضا عن استضافة مؤتمر القمة القادم وحجتنا معنا، وهي أننا لم نكن على بال من الموضوع، والوقت المتبقي غير كاف للإعداد الجيد لتوفير الظروف الملائمة لعقد وإنجاح المؤتمر، مع استعدادنا لاستضافته في دورته القادمة لتكون أمامنا سنة كاملة للإعداد والاستعداد، ويكون المطار الجديد حينها قد بدأ العمل والقدرة على استيعاب حركة طيران الوفود المشاركة، ونكون قد أستحدثنا الحد الأدنى من الفنادق وقصور الإقامة، بالإضافة إلى قاعة مناسبة للمؤتمر وغير ذلك من وسائل وقدرات التنظيم والنقل والاتصالات والمواصلات.. خاصة وأن مكان عقد القمة لا يطرح مشكلة، لأن ميثاق الجامعة يقر عقد القمة في مقر الجامعة بالقاهرة تلقائيا إذا تعذر عقدها في بلد عضو آخر، وقد حدث ذلك مرات عديدة..
فكما يقولون " بلاش " أخطاء وسوء إعداد وتقدير وإرباك و " بلاش " إحراج.. فإستضافة قمة ليس هدفا في حد ذاته، وسيغلب الفشل في تنظيمها على الفوائد المادية والدبلوماسية المترتبة عنها، وما سينجم عن عدم الإعداد لها ستكون له أضرار لا زال في المتناول تفاديها، وذلك فقط بالاعتذار عن استضافة هذه النسخة منها. وشخصيا أتوقع أن يتم ذلك لأنه هو القرار المناسب والوجيه.