لا تبني الأوطان بالأماني و التغني المفرط بالأمجاد / الولي ولد سيدي هيبه

لا تبني الأوطان بالأماني و التغني المفرط بالأمجاد/الولي ولد سيدي هيبه
"لا نستطيع التكهن بالمستقبل، لكننا نستطيع صناعته" بريغوجين (Prigogine)
لا شك مطلقا في أن أمة لا تاريخ لها تعتز به و تستلهم منه الدروس للبقاء و المنعة هي بالنتيجة الحتمية أمة مذبذب حاضرها و لا مستقبل لها؛ حقيقة عقلتها كل شعوب العالم فانبرت

 تنفض كل الغبار عن تاريخها و تتكفل باستثماره، تثمنه، تعتني بمعالمه و تستخرج كنهه و أثاره، بل أكثر من ذلك تنقيه من الشوائب و العوالق التي تثقل إن ظلت على الحاضر و تشوش على المستقبل؛ عَملية من أنبل ما يكون لكنها تتطلب تجردا معرفيا و شجاعة عِلمية و نزاهة فكرية لتؤتي أكلها مرتين :
·        أولهما تصحيح القراءة التي تصبح حينها مجردة من التغني الأسطوري الكمالي في غير ما إلزام بالأمجاد و من سباحة مربكة ضد تيار الحاضر الذي يصبح بهذا الفعل السلبي جامدا لا يبرح مكانه في أتون حنين مضر و متولد عن عُقد ـ أقرب إلى النقص ـ من الماضي بذاك الوجه المخل بعيدا عن اتخاذ صفحاته المشرقة مُلهما للموريتانيين بكثير من المعاني والقيم الراقية التي يجد المواطنون اليوم أنفسهم بأمس الحاجة إليها في العصر الحاضر لأجل رفعة الوطن ورخائه.
·        و ثانيهما التخلي عما هو حاصل من النأي عن استخلاص الدروس القيمة و العبر العظيمة منه ماضي ينصح و يعلم بمآثره و محامده الجمة كذلك، و لا يكبح عن الحراك المشروع في سياق الحداثة من ناحية، و وضوح رؤية قواعد هذا الحاضر الناطق بمتطلباته المنطقية المستندة على عمق تجربة تتكئ هي الأخرى على أهلية التمييز و قدرة الإدراك و دقة الاستخلاص و عميق التصور و جدية السعي البناء، من ناحية أخرى.
هو إذا التاريخ على أهميته القصوى يصح خلفية و متكأ و مستلهما للشموخ و لكنه لا يغني بحال عن الأخذ بأسباب الحداثة من علوم و تقنيات و من توجه إلى محاربة الرواسب السلبية من قبلية بغيضة و تراتبية مشينة و كسل تخل بعملية التنمية و البناء و من سطو على مقدرات و خزائن البلد بمبررات ظالمة و مدمرة، علما بأن الأوطان لا تبنى بالأماني وغض الطرف عن المخازي و النواقص ووضع الرؤوس في رمال الأوهام وتجميل الواقع بتزييفه من ناحية، و علما بأن الثورة العلمية التي لم تأت عند غيرنا و حولنا من فراغ أو بطريقة مفاجئة أو بقرار من فرد أو مجموعة من الأفراد، بل كانت حتمية تاريخية، جاءت نتيجة لوعي مستشر و إدراك الحاجات الاقتصادية المستمرة التي ترافق حياة الإنسان وحضارته.
و في ظل الأخذ بالعلم و المعارف الحديثة لا بد من التوجه إلي البحث العلمي في كل مفاصله و تطبيقاته على مقدرات البلد و خيراته المتنوعة و أن يستلهم منها حسن التخطيط والجد في العمل وروح الانضباط والتجرد، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل مصلحة و في كل أمور حياة مواطنيه إذا ما أردوا أن يواجهوا تحديات مختلف مجالات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية وغيرها إدراكا واعيا بأن الأوطان لا تبنى بالأماني فقط، ولكن تحتاج إلى جد وتعب حتى تقام على أساس قوي بإرادة و سواعد أبنائها.

25. فبراير 2016 - 18:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا