يتميز رئيس حزب تواصل، الأستاذ محمد جميل منصور بالفصاحة، والبلاغة، والرزانة، وقوة الإقناع، بأسلوب لبق، شيق، ويتميز القيادي في حزبه السالك ولد سيدي محمود بالدقة في ما يقدمه من أرقام، ومعطيات، في حين أن نائب رئيس الحزب محمد غلام الحاج الشيخ لا هذا، ولا ذاك، فالرجل لم يـُعط
حكمة، وبلاغة جميل، ولا دقة السالك، فمحمد غلام لا يكاد يخاصم إلا فجر، يتسم بالحدة في الأسلوب، والصدامية، والتناقض أحيانا، سواء في ذلك تكلم الرجل، أو كتب.
ومع أن قيادات التيار الإسلامي في العالم معروفون بالقدرات الخطابية الكبيرة، التي هي نتاج تجاربهم منذ مراحل العمل الطلابي، إلا أن خلفية محمد غلام الأمنية ربما حرمته الحصول على هذه الميزة، التي لا غنى عنها لمن يريد الصدارة، رغم ولع الرجل بها.
مقال محمد غلام الأخير حمل من الأخطاء الاستراتيجية كما لا يعادله كثرة إلا حجم المغالطات التي وردت في المقال، ورغم أن "غلام" حاول – من خلال المقال- أن يبدو
" راشدا" إلا أن هفواته كانت بادية، وتهافت أفكاره، وتناقضها بدا واضحا، مع أسلوب سوقي، يميل إلى الابتذال، ولن أحاول هنا أن أدافع عن نظام ولد عبد العزيز، لأن محمد غلام كفاني مؤونة ذلك، بأخطائه التي تصب كلها في مصلحة النظام، بل سأسجل بعض الملاحظات من وحي المقال، حتى لا أتهم بالتقول على الرجل.
أولا: الانتخابات، وجمعية المستقبل..
في هذه النقطة تحديدا ارتكب ولد الحاج الشيخ أخطاء قاتلة، لا يقترفها إلا من هو بحق
" غلام" في السياسة، فالرجل اعترف بأن حزبه شارك في الانتخابات الأخيرة من أجل منح شرعية لولد عبد العزيز، بعدما رفض المعارضون ذلك، وهذا الجزء من الجملة وحده يسيء لحزب تواصل في نظر جمهوره، لكن الجزء الآخر من جملة محمد غلام حمل خطأ، بل "خطيئة" أكبر، عندما أضاف غلام "... فكافأنا بحل جمعية المستقبل" ليؤكد محمد غلام التهمة التي ظل حزب تواصل ينفيها عن نفسه، وهي الاستفادة من الريع السياسي لجمعية المستقبل، فالرجل أكد شرعنة حزبه لنظام ولد عبد العزيز، وأكد كذلك تضرر الحزب سياسيا من وقف أنشطة جمعية المستقبل، ليقم هدية مجانية لا تقدر بثمن للنظام الموريتاني، بهذه المواقف التي تتسم ب " البلاهة السياسية" على حد تعبير الشنقيطي، في وصفه للعلامة عبد الله بن بيه.
ثانيا: التناقض الصارخ..
وقع محمد غلام في مقاله في تناقض واضح، بل فاضح، عندما أمعن في استغباء القراء، بتقديمه لمعادلة لا تستقيم عقلا، لا منطقيا، وواقعيا، فالرجل يؤكد أن من وصفهم ب
" الإسلاميين" بذلوا جهودا كبيرة في مجالات التعليم، والصحة، وغيرها، ويريد أن يقنعنا أنهم أنجزوا كل شيء في هذا البلد، وفي نفس الوقت يؤكد أنهم كانوا دائما محظورين، مطاردين، مقموعين، لا يسمح لهم بالعمل، فالجمع بين دور الضحية المنبوذ، والبطل المنقذ لا يمكن أن يجتمعا إلا في مقال لمحمد غلام !!
ثالثا: المغالطات...
وردت في مقال محمد غلام مصطلحات تكررت كثيرة، من قبيل التدين، الإسلاميين، التنصير، اللائكية، المرتزقة..الخ، وكأن الرجل أعطى لنفسه حق توزيع هذه الأوصاف حسب هواه، ومعلوم أننا في بلد مسلم بالفطرة بالكامل، والمزايدة بالإسلام تعتبر قمة الوقاحة، ومنتهى الإرهاب الفكري.
ثم عن أي مرتزقة يتحدث محمد غلام ؟ وهل هو نفسه بعيد عن الارتزاق ؟ أو التبعية لجهة ما، ومواقفه " البطولية" اليوم من القذافي، ألا تبدو متأخرة قليلا ؟ إنه مجرد ادعاء للكمال، وإعجاب بالنفس في غير محله.
رابعا: ضرب الشيخ الددو...
هنا كانت قمة المغالطة في مقال محمد غلام، عندما اتهم النظام بعدم معاقبة من ضرب الشيخ الددو، لأن الأخير ليس من علماء السلطة – حسب زعم غلام-... لتعلم يا " غلام" أن أقرب العلماء في البلد اليوم من ولد عبد العزيز هو العلامة الشيخ الددو، والمواقف، والشواهد على ذلك كثيرة، مادية، ومعنوية، ولا أريد أن أزيد، ثم لماذا تتهم النظام – يا غلام- بعدم معاقبة هذا السفيه الذي اعتدى على الشيخ الددو إذا كان الددو نفسه عفا عنه، وسامحه، ولم يرفع ضده شكوى ؟ والأهم من ذلك.. ما الذي فعلت أنت يا غلام وحزبك للدفاع عن الشيخ الددو، والانتقام من المعتدي عليه ؟ وأنتم الذين تملؤون الدنيا صراخا، وتعدون بتحرير فلسطسن، والإطاحة ببشار الأسد، قبل ولد عبد العزيز؟ أين بطولاتكم، وغيرتكم للعلامة الددو ؟؟؟!!
اختتم غلام مقالته بالجمل التالية :" علينا إذن أن نقوم بالتركيز على عمل إعلامي وتعبوي أضحي سهلا ميسورا بدون كلفة تذكر، والدخول في تعبئة مفتوحة ضد الفساد والمفسدين، فنفضح الاستهزاء بالمواطن المغلوب على أمره في جرأة لا يخشى أهلها إلا الله وننشر ثقافة دولة الحرية والقانون والمساواة".
وهذه العبارات، بقدر ما تعكس من يأس، وإحباط، وإقرار بالفشل، والإفلاس السياسي، فإن تشي بحرص شديد على عدم التضحية في سبيل المبادئ، فمحمد غلام يبدو أحرص الناس على حياة هادئة، ومترفة، في العمارات الشاهقة، بحي " صكوكو" الراقي، لذلك اكتفى بعمل إعلامي" أضحي سهلا ميسورا بدون كلفة تذكر"، وتعلق محمد غلام بماله، وكرهه لإنفاقه بدا أكثر وضوحا في عبارته التي ننقلها حرفيا: " والسؤال المطروح بإلحاح علينا كإسلاميين هو إلى متى ستظل جهودنا المخلصة تستنبت في ظل أنظمة استثنائية لا تقيم وزنا للدستور ولا للقانون تدير أمر الدولة والمجتمع بمزاجية تهدم ما بنيناه بشق الأنفس وعزيز المال؟"
لكن إذا كانت هذه المقالة باكورة ذلك العمل الإعلامي الذي يبشر به الرجل، فأنصحه بأن يبتعد عن الفعل الإعلامي فهو ليس من أهله، ولهل مقاله خير دليل على ذلك، إذ خلا المقال من براعة الاستهلال، وحـُسن التخلص، ولعل أبلغ وصف لمحمد غلام، عندما يحاول ممارسة الكتابة، والتنظير، وإعطاء الدروس في التدين، والوطنية، قول الشاعر:
مما يزهدني في أرض أندلس @ أسماء معتصم فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها @ كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
ولعل أنصار حزب تواصل لما قرؤوا مقال محمد غلام، ولاحظوا ما حمل من أخطاء فادحة تمنوا أن الرجل ليس من قومهم، أو على الأقل لسان حالهم يقول ليته سكت !.