إنه السؤال الجوهري الذي يتردد في نفس كل وطني مسكون بحب هذه الأرض مشفق على أهلها يراها يوما بعد يوم تتجه نحو مصير مجهول بدأت ملا محه أشهرا قليلة قلبة الإطاحة بالرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ، بدى يومها لمن له أدنى حس من الوطنية و القليل من الروح الاستقرائية
للأحداث أن العسكر يعد لطبخة ستنتهي بالانقلاب المشؤوم الذي قفز من خلاله السيد محمد عبد العزيز على السلطة ليمارس نموذجا جديدا قديما من حكم التسلط مدعما بأسلوب غير مسبوق من الفساد و الرشوة و المحسوبية ، استطاع الرجل أمام معارضة شاخت أفكراها كما شاخ بعض رموزها و وهن عضدها و افتقدت روح الأبداع و خلق آليات نضالية تناسب المرحلة و ترتفع لمستوى التحدي ، أن يجرها من خلال اتفاق داكار إلى انتخابات تعرف قبل غيرها أنها الخاسر فيها و أنه الفائز
هكذا تربع الرجل على عرش السلطة مستندا على شرعية انتخابية ظن أنها تجٌب جريمة اغتصاب السلطة في وضح النهار ، و اغتر الرجل كما اغتر سابقوه بجموع جماهير مغفلة تهتف باسم ’’رئيس الفقراء’’ على وقع شعارات الإصلاح و محاربة الفساد و توزيع ما توفر من عدالة مفقودة بين المواطنين كما توزع أسماك اليايبوي المتعفنة ..
بعد مضي المأمورية الأولى تفاجأ الموريتانيين أنهم انخدعوا برجل استطاع أن يدغدغ مشاعرهم بإسماعهم ما يحبون دون أن يفعل الحد الأدنى من ما يحتاجون رغم ذلك استطاع الرجل أن يجدد مأموريته منفردا بعد مقاطعة المعارضة للانتخابات الراسية ، مقاطعة لم تكن كافية لنزع الشرعية السياسية عن الرجل في دولة لا يعير شعبها كثير اهتمام للشرعية السياسية و لا للشرعية الدستورية بقدر ما يعترف بكل من و صل للسلطة مهما كانت و سيلته في ذلك و ذلك أمر يعرفه محمد ولد عبد العزيز تماما فأطلق يده في ثروات البلد نهبا و بيعا بأبخس الأثمان للأجانب فتكشفت فضائح فساد كثيرة و كبيرة و مرت دون محاسبة ، مما يعني أن عائدات ثروات البلد الطبيعية قد تم تبديدها بشكل مخيف أنعكس على واقعه الاقتصادي و الاجتماعي ، شركات كبيرة تنهارـ شركة اسنيم مثلا و بناتها ـ و عمال بالمآت يسرحون بشكل جماعي مما يزاد ارتفاع نسبة البطالة في البلد ليجد مآت الأسر أنفسهم بلا مصدر للدخل في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية وفي ظل تخلي الدولة عن تحمل مسؤوليتها اتجاه المواطن و توفير أمنه الغذائي كعنصر مهم من أجل الأمن العام
جيش من العاطلين انضاف إلى جيوش من حملة الشهادات و الشباب المطحون بجحيم البطالة لا يرى أملا قريبا في حل مشاكله
ارتفاع جنوني للمحروقات رغم انخفاضها إلى مستوى 30 دولارا للبرميل عالميا و رغم انخفاض نفس المادة في دول الجوار مرات و مرات في تجلي صارخ لعدم مسؤولية الدولة و كأن كل ما يهم القائمين عليها هو تحصيل المال حتى ولو كان من جيوب الفقراء الذين لا دخل لهم لتنضاف تهمة الإهمال تلك إلى تهم كثير بتخلي الدولة عن مسؤوليتها اتجاه المواطن فيها كالصحية و التعليمة و الأمن
في ظل هذا التأزم و التدهور المخيف في قدرة أو إرادة الدولة في مواجه التحديات بفعل الفساد المستشري و الذي لا يبدو أن معترضا يعترضه و لا أن رادعا يردعه تبرز مشكلة الانهيار الأمني و فضيحة المخدرات
الانهيار الأمني : ظلت السلطة إلى عهد قريب تعتبر استتباب الأمن أحد أهم إنجازاتها و وورقتها الرابحة للمساومة الخارجية و عامل ضغط مهم يجعل موريتانيا أحد أهم مرتكزات أي ترتيب خارجي يستهدف محيطها الإقليمي ، لكن ظهور عصابات مسلحة و مدربة تعتدي على المواطنين فتسلبهم ممتلكاتهم و أرواحهم بل و تسطوا ـ بشكل استعراضي ـ على منشآت عسكرية و تسلب أموالها ، وهروب السجين السلفي المحكوم بالإعدام بتخطيط و تنفيذ خلية متشددة تتبع لتنظيم الدولة الأسلامية ـ التنظم الأحدث و الأخطر ـ من ثم لا حقا هروب العشرات من المدانين في جرائم الحق العام من السجن أمور جعلت دعاية الأمن و قوة الأجهزة الأمنية تفقد بريقها بعدما أصبح المواطن مهدد في أي لحظة في حياته و رزقه و كأن المصائب لا تأتي فرادى و تكشف أيضا أن خطر تلك الجماعة محدق و أن ما يمنع أن تضرب ـ لا قدر الله ـ ضربتها الكبرى ليس يقظة و كفاءة أجهزة أمننا و إنما أمورى أخرى لعل وثائق المخابرات الأمريكة المسربة حديثا تكشف بعض جوانبها
الظهور المفاجئ لشبكة المخدرات و الحقيقة أن ظهورها لم يكن مفاجئا للمتتبع لمسيرة تلك الشبكات و التي بدأت مع مسيرة النظام الحالي و كأن حلفا سريا موقعا بين الأثنين ، فقد أعلن في مرارات كثيرة عن اكتشفا شبكات لتهريب الخدرات و الاستحواذ على كميات كبيرة من أنواع مختلفة من الخدرات هذا عدى معدات (طائرات ، سيارات ... ) لكن سرعان ما يتم صرف أنظار الرأي العام عن كل ذلك بشكل مريب ليتم في النهاية إخلاء سبيل المجرمين و تأخذ المضبوطات مصيرا مجهولا ، فلا يمكن أبدا تفسير إخلاء سبيل بارونات المخدرات و تعطيل ملفاتهم إلا في إطار اتفاق ملزم من جهة نافذة بتأمين سلامة الضالعين من المتابعة القضائية .
أمام هذه الأوضاع و التحديات الكبيرة التي تواجه بلدنا في ظل سلطة غارقة في الفساد حتى أوداجها ، وفي ظل انهيار أمني غير مسبوق ، و وضع اقتصادي متدهور و ظرف معيشي صعب يجعل المواطن في حيرة من أمره ، في ظل بيئة خصبة لنمو شبكات الإجرام المختلفة بما فيها التحدي العالمي الأكبر (الإرهاب ) لا يمكن للمرء أن يجزم أن البلاد بخير وهو ما يدعو بقوة إلى البحث الجدي عن حلول جذرية تنتشل البد قبل فوات الأوان و لن يكون هناك حل أفضل من رحيل أو ترحيل نظام هو المسؤول الأول عن كل ما يحدث و هي مسؤولية تقع على الأحزاب السياسية كقوى منظمة قادرة على التغيير متى استطاعت أن تتخلص من عوائق التغيير و معوقات العمل النضالي المثمر بين صفوها و هي كثيرة بكل تأكيد .