وزارة الشؤون الإسلامية ومساجدها وأزمة الفقه والثقافة / محمد المختار دية الشنقيطي

وزارة الشؤون الإسلامية ومساجدها وأزمة الفقه والثقافة والفتوى والاختلالات الإسلامية ومعركة البقاء في مناهجنا الدراسية؟:
من المفترض أن تكون وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، هي الجهة في الدولة المسؤولة والراعية للإسلام و قيمه في المقررات الدراسية

ومؤسسات الدولة والمجتمع، وليست فقط جهة أمنية، وصية على المساجد وهيئات المجتمع المدني الخيرية والتعليمية لإعادة صياغتها وتصنيعها وفق المقاربة الأمنية لما يسمى بمكافحة الإرهاب، بوسائل ومقاربات تنتج مزيدا من الإرهاب وأسبابه ومبرراته ؟!
فالمتابع لمقاربات تلك الوزارة وما تمارسه من تجاهل وإهمال للمقررات الدراسية للتربية الإسلامية ومكانتها في مؤسساتنا التعليمية، وما تمارسه من ضغط على المؤسسات التعليمية الأهلية والمنظمات الخيرية، وتخدير وتحيد لأئمة مساجدها، يدرك بجلاء أن الوزارة فاقدة لبوصلة الوعي بمسؤولياتها واحتياجات مجتمعها، ونا ضجات الفكر الإسلامي الهادي ومحكمات القضايا الفقهية في شريعتها ودينها، الأمر الذي أفقدتها القدرة على تحقيق رسالتها وما هي مكلفة به من بعث ونشر لقيم الإسلام وتطوير مفاهيمه وفق إستراتجية محاربة الإرهاب ونشر الوسطية والاعتدال وفق القواعد والضوابط الفقهية لمذهب الإمام مالك كما يعلنون ويدعون ؟ّ!
فمن المسلم به أصوليا: أن الحكم على الشيءِ فَرعٌ عَن تَصَوُّرهِ: قاعدة أصولية تفيد بأنه لا يمكن الوصول إلى حكم شرعي صحيح للأحداث المستجدة المعاصرة دون فهم الواقع فهما صحيحا, وإدراكه إدراكاً كاملا, من خلال معايشته ومعرفة جزئياته وحيثياته, ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن فقه الواقع وأثره في الحكم الشرعي في توجهات الوزارة وفقهائها ؟ والتساؤل عن ما أنجزته الوزارة على مستوى نشر المذهب المالكي وبسط روح الاعتدال والوسطية وقيم التدين ومحاربة  للغلو والتطرف وتجفيفا لمنابع الإرهاب  وأسباب وجوده في المجتمع الموريتاني ؟!
فلا شك أن تنزيل نصوص الشريعة على الأحداث المستجدة والوقائع المتجددة, وغرس المفاهيم الإسلامية واستنباط الحكم الشرعي المناسب لكل ذلك, والفتوى الصحيحة المتوافقة مع الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة, أمر في غاية الأهمية لنشر التدين ومحاربة الإرهاب, فالبيان كما يقال: يطرد الشيطان,والمقصود هنا(الغلو والتطرف والإرهاب) ويكشف للناس الحلال من الحرام, فيكونون على بينة من أمرهم, ويعبدون الله على بصيرة وهدى في حياتهم، ويتمسكون بقيم مجتمعهم و أساليب تدينهم ؟
وعلى هذا فإنه لابد وفي بداية هذه الوقفة الحوارية والنقاشية من بيان قصير وإيضاح لكلمتي:(الفقه والواقع) فأما كلمة "فقه" فتعني في اللغة الفهم مطلقا سواء ما ظهر أو خفي, وذهب بعض العلماء إلى أن الفقه لغة هو فهم الشيء الدقيق .
وأما معنى فقه الواقع فهو: النزول إلى الميدان وإبصار الواقع الذي عليه الناس، ومعرفة مشكلاتهم ومعاناتهم واستقطاعاتهم وما يعرض لهم، وما هي النصوص التي تتنزل عليهم في واقعهم، في مرحلة معينة، وما يؤجل من التكاليف لتوفير الاستطاعة، إنما هو فقه الواقع، وفهم الواقع، إلى جانب فقه النص، والذي يعني فيما يعني استيعاب  ما تجري عليه حياة الناس، في مجالاتها المختلفة، من أنماط في المعيشة، وما تستقر عليه من عادات وتقاليد وأعراف، وما يستجد فيها من نوازل وأحداث، وهو ما يفتقر إله أغلب طاقم الوزارة.
فقه الواقع إذن وكما يقول الفقهاء: هـو الوقــوف على ما يهـم المسلمين مما يتعـلق بشــؤونــهم أو كيــد أعــدائـهم، لتـحـذيـرهم، والنهوض بـهم واقـعيا لا نـظـريا – فالكلام النظري عبث وجهد ضائع- أو انشغال بأفكار الكفار وأنبائهم... أو إغراقً بتحليلاتهم وأفكارهم، والضغط لتجفيف منا بع الدعم لمؤسسات العمل الخيري الإسلامي لا يخلق الاعتدال ولا يبسط قيم الإسلام ولا يحارب الفقر ولا التفاوت الطبقي المشاهد بين فئات المجتمع.
فلمعالي الوزير وفقهائه أن يدركوا أن فقه الواقع في الأساس مبني على دراسة الواقع المعيش، دراسة دقيقة مستوعبة لكل جوانب الموضوع، معتمدة على أصح المعلومات وأدق البيانات والإحصاءات، وعلى أساس ذلك تتنزل عمليات الاجتهاد والاستنباط والفتوى، والتي يجب أن تكون عند الوزارة بعد الاجتهاد والعمل على ترسيخ وتدريس التربية الإسلامية في مؤسساتنا التعليمية، ودعم ومساندة تلك المجتمعية منها ومهما كان القائم عليها والجهة التي تدعمها ما دامت تخدم الهدف الاستراتجي في بسط العلم وتوسيع دائرة التدين.
سيدي الفقيه الوزير لا شك: أن من مظاهر أزمة الاجتهاد اليوم عند فقهاء الوزارة المكلفين بنشر رسالتها وإنجاز أعمالها وتحقيق أهدافها هي: أن التركيز في شروط أهلية التدريس والاجتهاد انصرف في معظمه إلى معرفة فقه الفرع وعلى حساب فقه النص في الكتاب والسنة، أو إلى تحرير النص وبيان صحته، وهذا المطلب أو هذا الفقه لا شك أنه من الأبجديات التي لا تتحقق القراءة الفقهية الشرعية والكسب العملي إلا به، ولا تتوفر المعايير والموازين للأشياء إلا فيه، وهناك جانبً آخر بشكل عام وهو فهم أو فقه محل النص وموطن تنزيله، إلى جانب فقه النص، أي لا بد من فقه النص وفهم الواقع الذي يراد للنص أن يقومه وينزل عليه، وفي هذا فإنه لا يكفي حفظ نصوص الكتاب والسنة، أحرى المتون الفقهية، والتي هي في الأصل وفي معظمها، استجابة لواقع معين له خصوصياته، والمؤكد فقهاً وعلماً: أن فقه النص لا يتوفر على حقيقته إلا بفهم الواقع تركيبا وتأثيراً وخصوصية ؟.
ولقد كان سيدي الفقيه الوزير فقهاء الأصول المقاصد يون يدركون ويقررون مكانة وأثر فهم الواقع ومنهم الإمام ابن قيم رحمه الله الذي جعل من فهم الواقع والتمكن فيه أمر لا بد منه في المفتي والقاضي والحاكم, وشرط ضروري لاستحقاق إطلاق لفظ العالم على المتمكن منه, وشرط للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح, و لعصمة للقاضي والمفتي والعالم من الوقوع في التسبب في إضاعة حقوق العباد, و نسبة ذلك إلى الدين والإسلام.
فيقول ابن القيم رحمه الله: ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم- في هذا الواقع, ثم يطبق أحدهما على الآخر, فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من دبر إلى معرفة براءته وصدقه, ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا, ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم, ونسبة إلى الشريعة التي بعث الله بها ورسوله.
وذلك لأن فقه الواقع ليس مقطوع الصلة بمصادر التشريع الإسلامي الأساسية من كتاب وسنة كما قد يعتقد البعض, بل إن مكانة هذا الفقه ثابتة بكثير من الآيات والأحاديث النبوية, ناهيك عن العمل به في آثار وسيرة السلف الصالح من هذه الأمة.
فمن المعلوم أن القرآن الكريم نزل بعضه في مكة وبعضه الآخر في المدينة, مع بدهية الاختلاف في الواقع زمانيا ومكانيا بينهما, كما أن الله تعالى أقر ما كان صالحا من أعراف الناس وأحوالهم في القرآن الكريم, وهو ما يعبر عن مراعاة كتاب الله تعالى لواقع الناس, وتقرير أحوالهم الصالحة غير المخالفة لتعاليمه وأحكامه, كما أن أسباب نزول كثير من آي القرآن الكريم -والتي كانت تنزل حسب الوقائع والأحداث- تشير بوجه أو بآخر لمراعاة حاجات الناس ومتطلباتهم, ناهيك عن منهج التدرج الذي انتهجه القرآن في تقرير بعض الأحكام الشرعية -كتحريم الخمر وغيره– مراعاة للواقع الذي كان عليه حال المسلمين.
أما السنة النبوية فهي مليئة أيضا بما يشير إلى الأخذ بواقع الناس وأحوالهم في تقرير الأحكام, فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخاطب الناس على قدر عقولهم وأفهامهم, ويجيب عن السؤال الواحد بأجوبة مختلفة, نظرا لمراعاته واقع وحال كل واحد من السائلين, ويكفي أن نشير إلى مثال واحد يؤكد النظرة الواقعية النبوية في تقرير الأحكام.
ففي الحديث الصحيح عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ! قَالَ : مَا لَكَ؟ قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ : لَا فَقَالَ : فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فَمَكَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ – قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ ؟ فَقَالَ : أَنَا . قَالَ : خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ . فَقَالَ الرَّجُلُ : أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي !! فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ : أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ".
وانطلاقاً من تفعيل تلك القواعد والقيم والضوابط تربعت الأمة الإسلامية بمناهجها وقيمها ولعدة قرون على قمة هرم العطاء الفكري والإبداع العلمي والإنتاج المعرفي، قائمة بدور الأستاذية للحضارة والبشرية، ثم توقفت وانكسرت وبدأت تتراجع وتوالت الانحدارات والتراجعات والنكوص، إلى حد القبول والرضا بالذيلية والتَّبعية بل والهزيمة والذبان الفكري والثقافي والعلمي، والفقه التطبيقي، وذلك لعوامل منهجية، وأسباب معرفية لعل من أهمها:
الاختلالات المفاهيمية (بناء المفاهيم)، وتتجلى بالأساس في الفهم الخاطئ لمجموعة من المفاهيم المعرفية، وبالتالي توظيفها توظيفًا خاطئا أو غيرَ مناسب، والنتيجة الحتمية لذلك هي: ظهور الاختلالات في النتائج العلمية والعملية في التعامل مع الأصول الشرعية والمقومات الوجودية، ومن الأمثلة على ذلك، تعريف السنة بعيدًا عن كونها بيانًا للقرآن الكريم.
ومفهوم الفقه بكونه يقتصر على استنباط الأحكام الشرعية، رغم كون هذا الأخير جزءًا من الفقه، وليس الفقه كله، واعتبار الجهد البشري في الاستنباط والتنزيل، والمحكوم بحاجات الزمان وأدواته، هو التلخيص والتجسيد العملي للوحي وعطائه؟ .
ومفهوم العقل بكونه مصدرًا للمعرفة وليس أداة لبلوغها ؟ هذا إذا لم تتم عملية الإفراط والتفريط بإسقاطه، أو تجريده في إمامته من كل قيد ؟!.
وذا أرادت الأمة تجاوز أزمتها، واستعادة عزتها ورقيها، وتصدر قافلة الحضارة الإنسانية، كما كانت في يوم ما من أيام دورات الحضارة ؟، فعليها أن تمتلُّك وعياً منهجياً واضح الخطوات في بنائه، بين بناء للمفاهيم، وبناء للأطر المرجعية، للتحقق من تلك المفاهيم، ولتحقيق غاية المنهجية، كما عليها قبل ذلك الاقتناع بضرورة تملك هذا الوعي والعمل على نشره، سواء من جهة بناء التفكير المنهجي أو البحث المنهجي أو السلوك المنهجي، وذلك لتجاوز مختلف الاختلالات التي يعاني منها الفكر الإسلامي من جهة امتلاك الرؤية الكلية للكون وللعالم أو في فهم الواقع وأساليب التعامل معه، أو في تفسير الظواهر وإدراك علاقة الأسباب بالنتائج .
وأول مُقومات هذا الوعي، فيما يتعلق بمنهج التعامل مع القرآن، هو الانطلاق من منطق شمولي، واعتماد المرجعية القرآنية ضمن مفهوم الوحدة البنائية للقرآن الكريم والسنة النبوية بوصفها بيانًا للقرآن وتطبيقًا لتوجيهاته .
إن الإسلام إذا حسن فهمه، وأُحسِنَ خطابُه، وتمت تنقية رؤيته القرآنية الكونية الحضارية من التشوهات، وتمت تنقية منهج فكره ومفاهيمه من الانحرافات والخرافات، وحسنت أساليب ناشئته، سيخلق جيلاً مبرءاً من الغلو والتطرف والإرهاب، وسيجد الإنسان المادي المعاصر فيه- ولا شك- الخلاص من الصراعات والمظالم والمخاطر التي تهدد وجوده، وسيجد فيه الهداية والرشد الذي تتطلع إليه أشواقه الروحانية وفطرته السوية، ليبدل الإنسانية من بعد خوفها أمنًا، وطمأنينة نفسيَّة، ورفاهية وعدلاً في المعاش، وتجفيفا لمنابع الغلو والتطرف ومن ثم محاربة الإرهاب؟!.
فالقرآن الكريم يعتبر منبعًا أكيداً ومضموناً للطاقة الفكرية للمسلم، ومن ثَمَّ منبعًا لجميع المعارف والعلوم؛ قال تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } (الأنعام: 38)،
فالمعرفة القرآنية متكاملة وشاملة، وهو بالضرورة يتضمن منهجيَّات مختلفة تتناسب والقضايا المطروحة، كفيلة بإخراج الأمة من الانحطاط إلى تبوء مركز الصدارة والريادة كما كانت باعتبارها خير أمة أخرجت للناس،ما خرجت من تلقاء نفسها، وإنما أخرجت، بصيغة الدفع، ولا خيار لها في أن تكون لها الريادة والأستاذية للحضارة والبشرية، قال تعالى:{ هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
فالكتب الهادي للتي هي أقوم في السلوك والعمل هو القرآن الكريم الموحي به،قال تعالى:{ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا }الكهف1-3.
والحكمة هي السنة الوحي الموحى به لبيان ما ينبغي قوله أو فعله في تمثل أحكام الدين وقيمه في منهج عمارة الكون، أوامر القرآن وبرنامج عمل النبوة، قال تعالى :{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} لمعالم الهداية إلى تحقيق العبودية في تعمير الكون، واستخراج خيرات الوجود، وتذليل ما أودع الله فيه من منا فع للإنسان، حين يسلك سبيل الهداية والحكمة،في التصور والإدراك والفهم والعمل قال تعالى:{ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}، وقال:{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وقال:{ فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}، سلطان العلم والحكمة والبصيرة، وبعيدا كل البعد عن منهج المقتسمين، قال تعالى: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} الحجر: 89 – 91.
فلابد من تجاوز أزمة التعامل مع النص في حد ذاته من خلال القراءة والتفسير الموضعي بدل الموضوعي، أو ما يعرف بالقراءة العضين، أي القراءة التجزيئية للنصوص التشريعية؛ فتحل محلها القراءة الكلية الواعية البصيرة في التعامل مع الوحي بشقيه الكتاب والسنة وعلاقتهم ببيان فقه السنن المضطردة والناظمة للحياة والكون، وجعل إدراك ذلك وفقهه لازما من لوازم النهوض والبناء والتغير، قال تعالى:{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
فلقد ظهرت في حياتنا سلبيات وأخطاء كبيرة في التعامل مع الوحيين وعلاقتهما بالحياة والكون لعل من أبرزها ما طغى في كتب التراثنا الفقهي والفكري من مظاهر متنوعة من الانحرافات في فهم نصوص الكتاب والسنة، مخالفة لقيم الدين ولفهم العلماء الربانيين المتخصصين في علوم الشريعة، المتبعين لمنهج أهل القرون الثلاثة المزكاة، والمعبر عنهم (بالسلف الصالح) . ومن تلك المظاهر المنحرفة الخطيرة والمتعلقة بفهم الآيات القرآنية خاصة، المظاهر التالية :
1- تطويع معاني الآيات القرآنية للنظريات العلمية والتربوية الغربية المعاصرة في الكون والحياة، وسنن العمران والاجتماع .
2-  تنزيل وتطبيق معاني الآيات القرآنية على واقع معين أو سلوك محدد ، قد لا يكون منطبقا عليه بالفعل .
3-عدم التفريق في التفسير بين الأحاديث والآثار الصحيحة وغير الصحيحة، بل وسطوة تلك الموضوعة والضعيفة على الذاكرة على الرؤية المعرفية والذاكرة الفقهية.
4- عدم الأخذ والالتزام بطريقة علماء الشريعة وضوابطهم في فهم النصوص والاستدلال والترجيح .
5-  المساواة في الأخذ في تفسير الآيات وفهمها بين علماء السلف وغيرهم من علماء الفرق والمذاهب المنحرفة والمخالفة في المنبع والمصدر والقيم والمفاهيم ولا سيما أهل الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي، وشدة الميل لأقوال الفلاسفة في بعض المؤلفات المرجعية في التفسير والفقه والأصول.
6- عدم أخذ المصطلحات في علوم القرآن عن أصحاب الفن، وفهم تلك المصطلحات وفق معاني المصطلح الشرعي، فالمصطلحات العلمية ليست مجردة، وإنما تحمل سيما وسمت الحضارة التي أنتجتها، لتعبر عن ذا تيتها وقيمها .
إن الإسلام هو الدين الذي يدعو إلى سعادة الدنيا والآخرة، وتمتزج تحت ظلاله أصالة القديم وروعة الجديد، وتتصالح في رحابه حاجات الفرد ومصالح المجتمع.
ولقد استطاع هذا الشعب في لحظة من لحظاته اكتشاف كنوز الإسلام الحنيف، وقيمه التشريعية والخلقية، واستخراج ما تختزنه من قيم: العدل والمساواة والحرية والانفتاح على الآخر، والتشجيع على امتلاك مصادر القوة وأسباب التقدم العلمي والتقني،بمقاييس الزمان والمكان، والتوكل على الله والاعتماد عليه في امتلاك هذه الطاقات الروحية والمادية.
ولقد مَكَّن ذلك الامتزاج بين الإيمان والعلم والعمل عند المسلمين الأول من القفز إلى صدارة الحضارة وأن يضربوا أروع الأمثال على أن الإسلام دين والدنيا وآخرة، دين الحياة ودين التنمية والإنسانية كلها، ومن سلك السبيل نفسه نال العطاء نفسه قال تعالى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
 

6. مارس 2016 - 18:39

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا