يبدو أن فضائح النظام القائم قد بدأت تخرج من تحت السيطرة، وتتساوى في ذلك الفضائح الجديدة وتلك القديمة التي ظلت مخفية بعيدا عن الأنظار من قبل أن يتَكشف عنها الغطاء في الفترة الأخيرة، أو يُكشف عنها، ولا أدري أي العبارتين أكثر دقة للتعبير عن حقيقة ما يحدث.
ويبدو أن هذه الفضائح بقديمها وجديدها قد قررت أن تظهر في فترات محددة ومتقاربة،
وفقا لجدول زمني صارم ودقيق، فلم يعد يمر أسبوع في هذه البلاد إلا وظهرت إلى العلن فضيحة أو فضيحتان. فهل ضربت لنا فضائح النظام موعدا أسبوعيا متجددا لا تخلفه أبدا؟
ومهما تكن الإجابة على هذا السؤال، فإن الشيء الملاحظ هو أنه لم يعد يمر أسبوع في هذه البلاد إلا وأطلت فيه علينا "فضيحة طازجة"، أو أخرى"معلبة" كانت مخفية بعيدا عن متناول الصحفيين والسياسيين، فإذا بها تُكشف أو تنكشف للناس، فهل يعني هذا أن وسائل حفظ الفضائح التي كان يستخدمها النظام لإبقاء فضائحه مخفية عن الأنظار لم تعد فعالة؟ أم أن هناك يدا خفية قد قررت لسبب ما أن تعبث بمواد ووسائل الحفظ المستخدمة في تخزين الفضائح بعيدا عن الأنظار، وأن تلك اليد قد قررت أن تكشف ما تم إخفاؤه من الفضائح، وأن تعرضه في سوق الفضائح، وأن تضعه في متناول جميع المهتمين، سواء كانوا ساسة أو إعلاميين؟
لقد تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة ظهور وتكشف الفضائح، وإذا ما ظلت تلك الوتيرة تحافظ على تصاعدها، فإن ذلك ينذر بأن سوق فضائح النظام سيشهد في الفترة المقبلة رواجا كبيرا.
إن هذه الوتيرة المتصاعدة في تكشف وظهور الفضائح هي التي جعلت الكثير من الناس لا يكترث بهذه الفضائح، ولو أن فضيحة واحدة من هذه الفضائح ظهرت في زمن آخر غير زماننا هذا لانشغل بها الناس لفترة طويلة، عكس ما هو حاصل في أيامنا هذه.
لقد أصبحت الفضائح تظهر وتختفي دون أي اهتمام يذكر، ولم يكن ذلك غريبا، فنحن نعيش في زمن أصبحت أيامه حبالى بالفضائح، ويلدن في كل يوم فضيحة جديدة، أو على الأقل، يكشفن في كل يوم الغطاء عن فضيحة قديمة، ولذلك فلم يكن بإمكان المتابعين أن يعطوا لكل فضيحة حقها من الاهتمام.
لم تجد أي فضيحة من هذه الفضائح التي ظهرت في الفترة الأخيرة ما تستحق من اهتمام، وكيف لها أن تجد ما تستحق من اهتمام، وقد تزامن ظهورها مع ظهور فضائح أخرى، الشيء الذي أدى إلى إرباك المتابع، والذي لم يعد يعرف عن أي فضيحة يتحدث.
وإذا ما اقتصرنا على فضائح شهر فبراير فسنجد بأن هذا الشهر قد شهد عددا كبيرا من الفضائح، يمكن ترتبها زمنيا، على النحو التالي:
1 ـ فضيحة المخدرات: لقد بدأت خيوط هذه الفضيحة الجديدة من فضائح المخدرات تتكشف في شهر يناير، وفي يوم الجمعة الموافق 05 ـ 02 ـ 2016 عقد وزيرا الداخلية والعدل مؤتمرا صحفيا للحديث عن هذه الفضيحة، والتي تم بموجبها، وحسب المصادر الرسمية، احتجاز طن وثلاثمائة كلغ من القنب الهندي، وعدد من السيارات، وما يزيد على مليوني أوقية، هذا فضلا عن إلقاء القبض على معظم أفراد الشبكة المكونة من 17 عنصرا.
2 ـ فضيحة مدرسة نسيبة 1 : هذه فضيحة أخرى تم بموجبها حرمان موريتانيا من المشاركة في تصفيات "قناة ج"، وقد ظهر فيما بعد أن هناك موظفا أو مجموعة من الموظفين حاولت ابتزاز القناة للحصول على مكاسب شخصية، ولما فشلت المجموعة في ذلك عملت على عرقلة الفريق وحرمان موريتانيا من المشاركة، ولقد تم الإعلان رسميا في يوم الجمعة الموافق 05 ـ 02 ـ 2016 عن عدم مشاركة موريتانيا في هذه التصفيات.
3 ـ فضيحة وزارة الداخلية
في يوم الجمعة الموالي ، أي في يوم 12 ـ 02 ـ 2016 تم اعتقال الأمين العام لوزارة الداخلية "محمد الهادي ماسينا" في فضيحة تتعلق بتلقي رشاوى من شركة بريطانية تولت توفير البطاقات الانتخابية في أغلب الاستحقاقات التي تنظيمها في موريتانيا في العقد الأخير.
4 ـ فضيحة الفرار الكبير
في يوم الجمعة الموافق 19 ـ 02 ـ 2016 تمكن العشرات من سجناء دار النعيم من الفرار في واحدة من أخطر عمليات الفرار الجماعي للسجناء. هذه العملية جاءت بعد أقل من خمسين يوما على فرار سجين سلفي من السجن المدني.
5 ـ فضيحة الفشل في انتشال جثة
في يوم الجمعة 26 ـ 02 ـ 2016 لم يتم تسجيل أي فضيحة من الحجم الكبير على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولكن في يوم السبت الموالي ظهرت فضيحة صادمة في مدينة "روصو"، فقد عجزت السلطات الموريتانية عن انتشال جثة طالب غرق في بحيرة "تونكن" بمدينة روصو. وبعد يوم كامل من عجز السلطات الموريتانية تمت الاستعانة بغواصين اثنين من السنغال، تمكنا من انتشال الجثة في خمس دقائق فقط. للتذكير فإن بذلة الغوص تباع بسعر يتراوح بين 50 إلى 100 ألف أوقية، ومع ذلك فإن السلطات الجهوية في روصو لا تتوفر على بذلة غواص واحدة، وذلك على الرغم من أن هذه المدينة كانت قد شهدت عدة حالات غرق تسببت في عدة وفيات.
تلكم كانت هي أبرز الفضائح التي تم تسجيلها في شهر فبراير، ويمكنكم أن تلاحظوا بأن فضائح فبراير قد حافظت على موعد ثابت، حيث شكلت أيام الجمعة في هذا الشهر موعدا ثابتا ومتجددا للفضائح.
المقلق في الأمر أن كل الدلائل تشير بأن شهر مارس لن يكون أقل فضائح من شهر فبراير، ففي الأسبوع الأول من هذا الشهر تكشفت فضيحتان كبيرتان أظهرتا النظام القائم وكأنه كان منشغلا في السنوات الأخيرة بشراء أمنه من القاعدة وببيع ضيوفه إلى الحكومة الليبية.
ففي الثلاثاء الموافق1 مارس 2016 أفرجت السلطات الأمريكية عن وثائق خاصة بزعيم القاعدة "أسامة بلادن"، وقد تحدثت واحدة من هذه الوثائق التي حصلت عليها وكالة "رويترز" عن نقاشات لقادة التنظيم تتعلق بخطة للاتفاق مع موريتانيا على هدنة تلتزم موريتانيا بموجبها بإطلاق سراح سجناء القاعدة، وبعدم شن أي هجوم على التنظيم من الأراضي الموريتانية، مع دفع مبالغ مالية تتراوح ما بين 10 إلى 20 مليون "يورو" لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
وفي يوم الخميس الموافق 03 ـ03 ـ2016 تناقلت المواقع المحلية فقرة من كتاب النائب في المؤتمر الوطني العام في ليبيا "عبد الفتاح بورواق الشلوي"، وهو الكتاب المعنون بـ"أسرار تحت قبة البرلمان"، وجاء في تلك الفقرة بأن رئيس مجلس الوزراء الليبي السابق "عبد الرحمن الكيب" قد قال خلال جلسة استجواب بأن موريتانيا، سلمت رئيس المخابرات في عهد معمر القذافي، عبد الله السنوسي ، إلى السلطات الليبية مقابل 200 مليون دينار ليبي، أي ما يعادل 50 مليار أوقية تقريبا.
وقال إن الوفد الليبي انتظر طويلا في المطار قبل تسليم السنوسي، مشيرا إلى أن الشكوك بدأت تحوم حول العملية برمتها، قبل أن يتفاجأ الوفد الليبي بسيارة متهالكة بيضاء انفصل عادمها من المنتصف، وأصبح صوتها شبيها بالشاحنة تقف على أمتار معدودة من الوفد، ثم ترجل منها شاب لا تبدو عليه أي ملامح تثير الاهتمام، وطلب من الوفد تسلم السنوسي من السيارة".
وفور تسلم السنوسي يضيف النائب أن السنوسي تشبث كثيرا بالأرض وبدا مذهولا، قبل أن يرغمه أفراد الأمن الليبي على ركوب الطائرة الليبية الخاصة، الرابضة على أرض مطار نواكشوط. "
تأملوا جيدا هذه الفقرة الأخيرة، ولكم الحق بعد ذلك أن تتخيلوا بأنكم تتابعون لقطة مثيرة من فلم سينمائي يتحدث عن عمليات بيع المختطفين لدى العصابات.
حفظ الله موريتانيا..