عندما طلع فجر الإسلام وبزغ نوره ؛ وجد المرأة تعاني أيما معاناة وتضطهد أيما اضطهاد ..
فلقد كانت المرأة قديما تعتبر في كثير من المجتمعات كسقط المتاع ؛ تباع وتشترى ..!
وكان بعض الفلاسفة يعتبرها أكبر منشئ للأزمة والانهيار في العالم ، ويقول :إنها كالشجرة المسمومة التي تحتفظ بمظهر جميل وطعم قاتل؛
إذ تنجذب إليها الطيور وإذا أكلت منها ماتت ..!
وكانت بعض المجتمعات قديما تعذب المرأة بسكب الزيت الحار على جسدها وكانوا يعتبرونها بلا روح ..
ومنهم من يعتبرها كالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال وللرجل عندهم الحق في بيع زوجته كالجارية ، وكانت إذا ترملت أصبح لأهل الزوج الحق فيها كتركة ،وللزوج الحق في أن يدفن زوجته حية ..!
وعند بعض المجتمعات القديمة كذلك ليس للمرأة حق في الحياة بعد وفاة زوجها ؛ بل يجب أن تموت يوم موته وأن تحرق معه وهي حية ! ، وكانت المرأة العزب والأيم التي فقدت زوجها من المنبوذين ، والمنبوذ عند هؤلاء في رتبة الحيوان..
وكان من هذه المجتمعات من يبيحون الزواج بالأمهات والأخوات والخالات والعمات وبنات الأخ وبنات الأخت .. وكان اليهود يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم -حسب زعمهم- وكانوا لا يجالسونها ولا يواكلونها عندما يصيبها الحيض ولا تلمس لهم وعاء وتحبس حتى تطهر..!
أما النصارى قديما فيتجسد تعاملهم مع المرأة في مقولة أحد رجال كنيستهم إذ يقول : ( إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائنا بشريا ولا كائنا وحشيا إنما الذي ترونه هو الشيطان بذاته والذي تسمعون هو صفير الثعبان).
وكان العرب قديما يمنعون المرأة من الميراث ولا يرون لها حقا في ذلك ، وإذا مات الرجل ورثه ابنه حتى في زوجته ، ولم يكن للمرأة في الجاهلية حق على زوجها وليس للطلاق عدد محدد ولا لتعدد الزوجات حد معين، وكانت المرأة في الجاهلية تكره على فعل الزنا ؛طلبا للمال ، وكانت تمنع من بعض المأكولات ، وكانت تؤد حية وتدفن في التراب خشية العار والفقر..!
وكانت المرأة مضطهدة في العصور الحديثة حتى في بعض المجتمعات التي ترى أنها مجتمعات متقدمة وحضارية ! ، فمثلا كان القانون الإنكليزي حتى عام 1805م يبيح للرجل أن يبيع زوجته وقد حدد ثمنها بست بنسات ..!! ، وكانت تطرد في بعض المجتمعات الأوربية المعاصرة بعد سن الثامنة عشر لكي تبدأ العمل لنيل لقمة العيش ..
هذه أمثلة فقط مما كانت تتعرض له المرأة في الحضارات القديمة وبعض الحضارات الحديثة ؛ قريبة العهد منا ! ؛
لكن عندما أشرقت شمس الإسلام ؛ انبعث نور العدل والمساواة ولقيت المرأة الخير الجم والتقدير الفائق والإكرام التام ، وأحيطت بكل عناية .. ففرض برور الأم والإحسان على الزوجة والبنت والأخت ، وألزم الرجل شرعا بإكرام النساء عامة.
إن المجتمع الإسلامي الأول في العصور المزكاة كان يحفظ للمرأة حقوقها التي أمر الإسلام بها ؛كاملة غير منقوصة ، وكا يجلها أيما إجلال تلبية للنداء الرباني الوارد في الكتاب والسنة ، والذي بني عليه كيان الدولة المحمدية ؛فكانت المرأة محل التقدير والوصاية بخير ومحل استهداف بالمال بعد ذلك ،فلقد كان الرجل يجمع ماله لإنفاقه على المرأة ؛ على الزوجة بالصداق والنفقة وعلى البنت بالنفقة وعلى الأخت بالنفقة أو بالمعونة والرعاية..وماكان حصول الذكر على مثل حظ الأنثين في التركة إلا بمقتضى حكمة ربانية ستوجه صرف هذا المال على المرأة في أوجه أخرى كثيرة ؛ منها الصداق والنفقة كما ذكرنا ؛
أما المرأة فمالها لها ؛ لا صداق عليها ولا نفقة إكرما لها وإجلالا وتبجيلا..
صحيح أن المجتمع الدولي اليوم يخلد الثامن من مارس كل سنة عيدا للمرأة من أجل إشعارها بقيمتها التي ينبغي أن تحظى بها لتتبوأ مكانتها اللائقة في المجتمع ومن أجل تثقيفها بحقوقها التي يصون لها القانون والتي توضع أصلا لحمايتها والدفاع عن مصالحها ، ولكي تحاط بعناية تتماشى مع أهميتها وتنعكس على دورها الريادي في المجتمع ؛ لذا عليها وعلينا أن نعتز بهذه اللفتة الدولية ونستحضرها ونسعى في مضيها قدما ؛ دون أن ننسى أنها ليست بكرا ، وأن قبلها في سطور التاريخ أياما وأزمنة أهم من هذا اليوم في سبيل خدمة المرأة وصيانة حقوقها وإتاحة الفرصة لها كي تكون عنصرا فاعلا في المجتمع ..
فمن المعلوم أن الإسلام هو المخلص للمرأة وللبشرية جمعاء ، وهو واهب الحقوق ومانح الحريات ، وعلينا إذ نتفاعل مع أعياد وتظاهرات المجتمع الدولي أن لا ننسى أن الإسلام كان ومازال هو السباق إلى إنصاف المرأة و المضطهدين عموما والمحرومين، وعلى أبناء الإسلام أن يعوا ذلك وعلى الآباء أن يعلموا أبناءهم ويشعروهم بذلك ؛ خاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه صرف الأمور عن حقائقها وتحييدها عن مسارها.. وكثيرا ما يساء إلى الإسلام بفعل ما يصدر عن أبنائه جهلا أو غباء وإقصاء للأمور التي يمكن توظيفها في إطارها الصحيح وربطها بسياقها التاريخي ، وجعلها في نظر الجميع إيجابية ،بدل محاولة جعل كل شيء معارض للإسلام ومناف للدين وهادم للقيم ؛ افتراء على الدين وقصرا عن فهم مقاصده وعجزا عن استيعاب تحقيق مناطه..
على المرأة المسلمة إذا احتفلت بالثامن من مارس واستحضرت اهمية القوانين التي تدعو إلى معاملتها معاملة تليق بمكانتها في المجتمع بوصفها نصفه والمربية للنصف الآخر، عليها أيضا أن تستشعر عيدها الحقيقي الذي منحها حقوقها كاملة وخلصها من طغاة البشرية وغير وجه التاريخ لصالحها وهو يوم بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وعلينا كأمة إسلامية أن لا نغفل عن ذلك ونخلده تخليدا يليق به ويحفره في نفوس الناشئة وفق المنهج السني المبارك ..