الشباب لعبة بيد الساسة / د.مريم بنت حدمين

يعتبر الشباب الموريتاني لعبة للأسف بيد المسئولين في الدولة، حيث يتم استغلالهم دائما واستهلاك  قضاياهم ومشاكلهم، دون ان يحققوا أهدافا على مستوى الواقع، فعند  ترشح الرئيس محمد ولد عبد العزيز للانتخابات الماضية أطلق شعار تجديد الطبقة السياسية، وتحمس الشباب وبدأ المسئولين

في استغلالهم فجند هؤلاء الشباب في الحملات في نواكشوط وفي الداخل لصالح الحزب الحاكم وسماسرته فكان الشباب ناشطا وحاضرا على مستوى الساحة السياسية وكان يعمل بجد واجتهاد ليلا نهارا ويفرغ طاقاته وإمكاناته ويهدر كل وقته لهذه العملية ، وينتظر في المقابل نتيجة ذلك الوعد وذلك الشعار الذي أوهمهم  به وظنوا  أنه حين ينجح الرئيس في تلك الانتخابات سيجد الشباب نفسه ممثلا تمثيلا قويا في الحكومة وفي جميع قطاعات الدولة،  من رؤساء مجالس إدارة ومدراء وأمناء عامون وسفراء وفي جميع المستويات، وذلك لكونهم يستحقون ذلك عن جدارة نظرا للكفاءات التعليمية لدى الكثير منهم والخبرة  الكبيرة لدى البعض، والاستعداد والطموح والإرادة لدى  البعض الآخر، زد على ذلك الطاقة والنشاط الذي يحمله الشباب والقدرة على التطوير والإبداع والتركيز، لكن النتيجة للأسف جاءت مفاجئة وعكس ما كان يتوقعه الشباب، فلم يمثلوا على مستوى الحكومة ولا في أي مستوى آخر باستثناء مدير ديوان واحد فقط .
خاب أمل الشباب وأحبطت أحلامهم وتم التمثيل عليهم كالعادة وكأن شعار تجديد الطبقة السياسية يشبه شعار محاربة الفساد ورئيس الفقراء، يالها من شعارات مفرغة تماما من محتواها للأسف ويراد بها الوصول للسلطة واستنزاف ثروات الشعب وتفقيره وتجهيله وتكرار سيناريوهات سياسة ولد الطايع وكأننا أمام نظام لم يتغير إلا رئيسه الذي جاء عن طريق انقلاب عسكري كما تعودنا على ذلك في موريتانيا، ولم تتغير السياسات ولا الإرادة ولا العقول ولا حتى الأشخاص، فهؤلاء الذين لعبوا مع ولد الطايع نفس الأدوار هاهم الآن يعيدونها مع النظام الحالي دون ان يخجلوا من أفعالهم ودون ان يحاكموا ويوضعون وراء القضبان على الفساد والنهب والاستغلال الذي مارسوه طيلة حكم ولد الطايع ، بل مازالوا يكافؤون على أفعالهم  بتركهم  يديرون  شؤون الدولة ويتغلغلون في كل مفاصلها  ويقصون ويبعدون الشباب عن تسيير الدولة ومحاولة التغيير الحقيقية والنهوض بالبلد.
فموريتانيا للأسف لم يقدر لها ان تتجاوز مسألة الانقلابات والأحكام العسكرية الفاسدة  والفاشلة، بل في كل مرة يعاد السيناريو من جديد،  فيحدث انقلاب  ويأتي  عسكري ويعيد المشهد الماضي بكل تفاصيله المملة  والمتعبة والمرهقة والعصية على الدولة الفتية  والتي ظلت تراوح مكانها، لا نهضة  تنموية ولا نهضة فكرية ولا تقدم ولا ازدهار ولا القضاء على بعض المشاكل الملحة والحرجة والتي أصبحت ماضي بعيد في الدول المجاورة، فإلى متى ستبقى موريتانيا لعبة بيد العسكريين؟
ألا يجدر بهم أن يتفرغوا لمهمتهم النبيلة ويعودوا إلى ثكناتهم ويلتزمون الحياد ويتركون السياسة لأهلها؟
أليس حريا بالشعب الموريتاني ان يقرر مصيره بيده  وأن ينتخب رئيسا مدنيا في ظل انتخابات  نزيهة وشفافة  بعيدة  عن التدخلات العسكرية  و استخدام  المال العام  والنفوذ  وتكريس سياسة الحزب الواحد والشخص الواحد؟
هذه الأسئلة  اتركها  مفتوحة  أمامكم  لكي  يتصور كل منا حلا  او مجموعة من الحلول لهذه المعضلة الكبيرة  التي  عانينا  منها طيلة عقود من الزمن وهي السبب الكبير في مشاكلنا حتى الآن.
أما في ما يخص معاناة  الشباب فهي لم  ولن تنتهي بعد، فبعد مسرحية تجديد الطبقة السياسية، جاءت مسرحية أخرى أكثر سخرية ، وهي لقاء الرئيس والشباب انتم  الأمل،  تلك المسرحية التي كان بطلها للأسف اكبر هرم في الدولة والشخصية الأولى فيها، حيث اجتمع بهؤلاء وألقى عليهم خطابا منمقا ومزخرفا بكل العبارات الجميلة والمزيفة والتي تحمل آمالا كبيرة ووعودا كثيرة، كما أستمع إليهم وإلى كل أفكارهم ومقترحاتهم وتصوراتهم ومشاريعهم المستقبلة ،والتي لم تجد النور بعد، وخرج هؤلاء من اللقاء كلهم أمل وحماسة وثقة تامة في أن مشاكل الشباب ستجد الحل وان شبح البطالة سيختفي وان هؤلاء سيصبحون شركاء في بناء الوطن وفي القرار السياسي وفي كل مفاصل الدولة، لكن النتيجة كالعادة جاءت مفاجئة وبعيدة من التوقعات، فلم يكلل ذلك اللقاء بالنجاح ولم تجد تلك الأفكار والمقترحات والمشاريع تطبيقا على أرض الواقع،  بل اختفت واحتفظ  بها في الأرشيف او حتى في سلة المهملات، وكأن اللقاء يراد به الاستهلاك  السياسي فقط ولا يراد به  إشراك الشباب، فالإرادة لدى رئيس الدولة واعوانه للأسف هي الاستهلاك السياسي والإعلامي للوصول للأهداف ومغالطة الرأي العام والتمثيل عليه.
وتوج ذلك  اللقاء بتشكيل مجلس أعلى للشباب يضم  أبناء  وزراء  و مقربين منهم  وأبناء  شخصيات نافذة  في الدولة، وكأن هؤلائي هم من يمثلون هذا الكم الهائل من الشباب أصحاب الكفاءات والخبرات، بل الهدف من اللقاء هو فقط  خلق فرص توظيف وتعيين لهذه الثلة القليلة من أبناء الطبقة الحاكمة، فهل تعيين هؤلاء سيحل مشاكل البطالة لدى الشباب الموريتاني؟
من جديد خاب أمل الشباب وسفهت أحلامهم وسخر منهم ومن افكارهم  ومشاريعهم الطموحة، لأن هؤلاء الساسة  لا يقدرون  قيمة العلم والإبداع والتفكير،  بل يستهلكونها لأغراض سياسية وشخصية فاشلة ولا تقدم الوطن.
وبعد إ ستراحة  قليلة عاد الشباب إلى مسرحية أخرى تلعب به،  لكن ضحاياها هذه المرة ليس الشباب القاطن بموريتانيا  والموجود على أرضها، بل أصحاب الكفاءات والخبرات المهاجرين إلى الخارج، واللذين هاجروا بكفاءاتهم وخبراتهم إلى من سيقدر قيمتها ويستفيد منها ويحترم اهلها،  وهروبا من المعاناة  والبطالة في وطنهم الذي لم يقدر لهم ان يشاركوا في خدمته وبنائه،  فهاهم يدعون إلى لقاء في انواكشوط  يقال له لقاء الكفاءات والخبرات وهي مسرحية أخرى كسابقاتها تمثل على الشباب.
فلبى هؤلاء نداء الوطن وجاءوا من كل دول العالم، يحملون أفكارهم النيرة وخبراتهم العالية ودراساتهم ومشاريعهم الكبيرة التي لو وظفت لخدمة هذا الوطن لكان في أحسن حال ولم يحتاج  أبنائه  للهجرة.
وقد حبكت المسرحية بطريقة جيدة  وأوهم هؤلاء بأن هذا اللقاء يراد به الاستفادة  من هذه الكفاءات واستغلالها وتشغيلها في مؤسسات ستساهم في بناء وتقدم البلد ، واستمر اللقاء أسبوعا  كاملا واشبع بالكثير من المحاضرات والو رشات والأفكار البناءة ، لكن النتيجة كانت دون المستوى وفوجئ هؤلاء بعودتهم إلى هجرتهم والاستغناء عنهم وعن خبراتهم، ولم يطبق ذلك اللقاء على ارض الواقع كما كان يتوقعه  أصحابه،  بل أريد به الاستهلاك السياسي والإعلامي كالعادة.
أما المسرحية الأخيرة او اللعبة  الأخيرة التي لعبت على الشباب فهي غير بعيدة عن الأذهان وتتمثل في التمويل الذي طالبت به الحكومة الموريتانية شركائها في التنمية وذلك بدعوى تشغيل الشباب والمحافظة عليه من الإرهاب والتطرف، واستجاب الشركاء بحسن نية وبدافع تلك المبررات الواهية والعارية من الصحة التي صاغتها الحكومة، فهؤلائي الشركاء لا يدركون ما يعانيه الشباب من التهميش والإقصاء والاستغلال، لكن الحكومة لا تتورع عن طلب التمويلات باسم الشباب،  وحين يجد الجد وتطرح مشاكل الشباب الحقيقية كالبطالة والتهميش و الإقصاء، لا نجد  لها دورا  سوى الكلام  والخطابات على وسائل الإعلام  والو رشات في قصر المؤتمرات وغيره من الأماكن، أما الواقع فهو بعيد من ذلك مشاكل الشباب تزداد يوما بعد يوم.
لقد وافق الشركاء على التمويل وهو كبير للغاية حيث يمثل ثلاثة وأربعين مليار أوقية، لكن هذا التمويل سيكون مثل غيره من التمويلات لا نسمع عنها إلا اسمها، كما قال البعض  ( رائحة السمك كريهة لكنه استهلك دون ان تشم رائحته) فما بالك بالتمويلات.
في الحقيقة هذا التمويل لو وظف في الغرض الذي طلب من اجله سيحل الكثير من مشاكل الشباب، او سيساعد على الأقل في وضع لبنة أساسية  لمعالجة هذه المشاكل والتحديات ، لكن الإرادة غائبة  لدى الحكومة بل الهدف عندها هو استغلال  مشاكل الشباب والحصول بها على تمويلات  لملئ  جيوبهم  وإعطائها على شكل مشاريع وهمية الهدف منها منح صفقة  لشخص مقرب من النظام او الحكومة وتقسيم المشاريع بين قلة من المفسدين في الدولة.
أما على المستوى السياسي فالشباب ضحية أيضا ولعبة بيد المسئولين  في الدولة، فتارة نجد الميثاق الوطني للشباب، والذي أوهم الشباب بأن هذه  المبادرة حرة الهدف منها هو جمع شمل الشباب بمختلف أطيافه  وتشكيلاته السياسية  لكي يكون كيانا حقيقيا وقويا ومشاركا  وحاضرا على الساحة السياسية، وينادي بالحوار ويلعب دور الوسيط بين المعارضة والنظام لتقريب وجهات النظر والجلوس للحوار المرتقب، لكن الحقيقة  بعيدة  كل البعد عما تخيله الشباب، فالميثاق ليس إلا لعبة ورائها أحد المسئولين الكبار في النظام  ألتقي برئيسته ودرس معها الخطة وأمرها بتنفيذها، وذلك من أجل تشتيت الشباب في المعارضة وجره وإغوائه لكي  يشكل كتلة كبيرة  تمثل أحزابها وترغمها على الحوار دون اللجوء إلى قادة الأحزاب الممانعين عن الحوار الغير جدي والملعوب ومن اجل تهميش القادة وتحييدهم، كما ان الهدف من ورائه شغل الرأي العام والشباب عن هموم ومشاكل الوطن وعن التفكير في الأزمة السياسة والوضع المزري للبلد الذي يستدعي الحوار الجدي والعاجل.
فالميثاق الوطني للشباب لعبة لم يربح منها الشباب لكن رئيسته ربحت تعيينا كما تعودنا على تعيين قادة أمثال هذه المبادرات،  فهو شيء مألوف،  كل من قادة  مبادرة لصالح النظام يكرمه  بالتعيين  ولو لم يكن لديه الكفاءة لذلك.
كما نشاهد خروج هذه المبادرات الشبابية من حين لآخر حسب الحاجة والمرحلة  و يكون ورائها النظام وأعوانه  دائما ، وذلك بهدف استغلال الشباب وتحطيم  أحلامه  وإيهامه بإشراكه في القرار السياسي وفي الشأن العام ، لكن العكس هو الصحيح .
إلى متى سيظل الشباب لعبة بيد الساسة؟
هل سيفيق الشباب من نومه؟
ما هو مستوى الوعي بهذه الحقائق لدى الشباب؟
وأخيرا هل سيساهم الشباب الموريتاني في التغيير والبناء؟
دامت موريتانيا للجميع.

 

9. مارس 2016 - 17:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا