قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه ...) الحديث.
معروف أن *التربية السليمة* هي الوسيلة الأساسية لإصلاح البشرية والنهوض بها ؛ لما لها من تهذيب للأفراد ورقي بالأمم ، فالتربية وسيلة حضارية ضرورية لتكوين الأفراد من أجل
ذواتهم ومن أجل تكوينهم تكوينا اجتماعيا يجعلهم أكثر تشاركية وأكثر قابلية للتعايش الإيجابي والتأقلم الاجتماعي ،كما أن التربية السليمة المبنية على أسس وثوابت علمية ممنهجة هي التي تجعل من الفرد أداة سعادة لنفسه ولغيره..
ومن المعلوم أن المستهدف الأول بالتربية هم *الأبناء* ؛لكونهم المحور الأساسي لمستقبل الأمم ، وجوهر المقدرات لكل الشعوب .. مما يستدعي بذل الجهد الأكبر وتركيز العناية بهم ومراقبة سلوكهم وتقويم مسلكياتهم بالطرائق السليمة التي تأخذ بمبادئ التربية وفنونها وتعمل بمقتضى مسلماتها وتترسم باستخلاصاتها ،حتى تتم حماية المحيط ويحصن المجتمع ؛ بالشكل الذي يدعم تنمية مكتسبات الأبناء وحماية مؤهلاتهم الفطرية في حاضنة تربوية تهذيبية تراعي سنهم وتحفظ لهم خصوصيتهم ..
وإذا كان الطفل يولد كالصفحة البيضاء تخط فيه الطبيعة ما تشاء ؛ فإنه يتأثر بأبويه شديد التأثر ويرى فيهم المثل الأعلى ويلتقط عنهم جميع تصرفاتهم ويقلدهم في أغلب ما يصدر عنهم ، ومن هنا تكمن الأهمية في وجود *الرقابة الأسرية* السليمة التي تراعي سلوك *الآباء* قبل *الأبناء* ؛ مما يمكن أن يسهم بشكل كبير في تكوين الأبناء بالشكل السليم الذي يجعلهم عنصر الرهان في المستقبل وحملة لواء التنمية ودافعي عجلة التقدم إلى الأمام ؛ بكل ثبات وصون وترشيد للمكتسبات .. فالبيت هو المدرسة الأولى والأهم بالنسبة لأي طفل ؛ فهناك يكتسب الطفل ويتعلم أغلب الأساسيات التي ستكون له صمام أمان في المستقبل ومنطلق التحصين ضد "المشاهد" التي تكتسب من الشارع و التي عادة ما تخرق الآداب والأخلاق ، وتغزو القيم وتضر بثوابت التربية .. هذا في حال ما إذا كانت هذه الأساسيات الأخلاقية التي زودته بها الأسرة في البيت قوية ونموذجية وذات فعالية ضد الهفوات المنتشرة في الشارع ، أما إذا كانت عكس ذلك ؛ مختلة أو مشوهة وفاسدة ؛ فإنها ستكون أداة استقطاب وعامل تفاعل مع العادات والمسلكيات الفاسدة التي تعرض أمامه دون استئذان أو تنبيه في الشارع أو في بعض البيوت أو في الأماكن التي يغيب عنها الضبط الأخلاقي والرقابة التربوية أو الأسرية السليمة .
إن من المسلم به أن المشكلات التربوية تتعقد وتتنامى بغياب أو تراجع الدور الرقابي الأسري في البيت لأسباب من أبرزها اكتشاف الخطط الإجرامية المعروضة عبر *شاشة التلفاز* ؛ الذي يعتبر من أخطر ما يواجه الأطفال في حياتهم ومن أكثر العناصر الموجودة في محيطهم تأثيرا عليهم وتحكما في متجه مسارهم المستقبلي ؛ بفعل التسليم الأهلي غير الممنهج لأطفالهم وإهمالهم وترك الفضاء التربوي الرحب لعمل *القنوات الفضائية* التي يغيب عنها الضبط الأخلاقي المحكم والحس التربوي المراعي لخصوصيات المرحلة العمرية عند الأطفال ، ولصعوبة أو استحالة التدخل الأهلي أو التربوي عموما في مسار الخطوط التحريرية لهذه القنوات ..قد يقول قائل :(إن هذا الكلام يمكن توفيره وتشغيل جهاز التحكم والابتعاد عن هذه القنوات .. ) نعم يمكن ذلك للعاقل المميز المدرك للخطورة ؛يخرج من ذلك طبعا الأطفال والمراهقون ومن لا يكترث أو لا يدرك حقيقة تأثير هذه القنوات عليهم من البالغين و الشيوخ و الكهول..
صحيح أن بعض هذه *القنوات الفضائية* يعتمد في "الدراما" التي يقدمها على "سيناريوهات" لمعالجة واقع مرير يعيشه المجتمع الذي يتم توجيه الرسائل الإعلامية عن طريقها إليه، أو تكون الغاية من وراء تلك الرسائل أن تسلط الضوء على ظاهرة من الظواهر ومعالجة بعض السلبيات التي يعاني منها هذا المجتمع أو ذاك ، وقد نتفق على أن هذه القنوات يحاول أصحابها من خلال موادها المقدمة هذه إبراز محور الشر في قضية ما للتحذير منها أو لتقديمها على حقيقتها التي تقتضي الابتعاد عنها ؛ لكن بعض المتتبعين لها منا إن لم نقل أغلبهم ؛غير محصنين فكريا وسيكتفون بتخزين مشهد يجسد تفاصيل جريمة معينة ، أو مشهد لانحلال خلقي ويكون المكتسب عموما من ذلك مكتسب سلبي بامتياز ، وهنا تكمن المشكلة التي تعمق الانحراف في مجتمعنا وتحول "أطفالنا" من زهور واعدة إلى "مشاريع" إجرامية تخطو بثبات نحو الانحراف والانحلال الخلقي ؛ مما يتولد عنه ظهور مشاهد وحالات إجرامية لم تكن مألوفة في مجتمعنا ..
من المؤسف أن الحالة هذه تتسع يوما بعد يوم في الوقت الذي نشاهد فيه "رب الأسرة" يجلس إلى جانب زوجته وأبنائه لمتابعة هذه الدراما التي يطغى على معروضاتها الحديث عن الغراميات والتفنن في أنواع الاغتصاب والخيانات ..!
نعم علينا أن نقترب من الأطفال ونحاورهم ونبحث معهم مشاكلهم ونشركهم في نقاش ذلك ونأخذ برأيهم الذي يساعد في الحل ويحصن ضد الأفكار الانعزالية المتطرفة ؛ لكن دون إهمال لدورنا الرقابي، مع عدم إطلاق العنان للأطفال في التعامل مع *الوسائط الألكترونية* دون رقيب، الشيء الذي يزيد الأمر تعقيدا ويسهم بشكل مباشر في الإجهاز على مستقبل "الطفل" بفتح هذا "الباب" عليه دون رقابة أو توجيه أو تفتيش،وعلينا أن ندرك جيدا أن *الطلاق* ساهم هو الآخر إلى حد كبير في ضياع الأطفال بسبب ركونهم إلى الشارع أو إلى رفقاء السوء ومواطن تغذية الأفكار الإجرامية والسلوك المنحرف، دون أن ننسى ما ترتب على ذلك من ضعف عام في الرقابة الأسرية بمفهومها الأوسع الذي زاد مع اختفاء الأشخاص المهابين المؤثرين في المجتمع ؛أصحاب الأحلام والنهى أولئك الذين يأتمر بأمرهم الكبير ويحاكيهم الصغير حبا لصفاتهم وتأثرا بخصالهم ..وعلينا أن نفهم أن النعم إذا صرفت في غير وجهتها وحادت عن طبيعتها صارت نقما .
من المؤسف جدا أن يكون في مجتمعنا ما يدعو إلى الطرح الذي تقدم،أو يجسد ماورد فيه،ومن المؤسف أيضا أن تكون القوة البدنية فيه عامل هدم للأخلاق وحدة الذكاء إذكاء للفتنة والسرعة مدعاة للسرقة والمعرفة سبب للتكبر والسلطة -حيث هي-أداة للتجبر والثراء عامل إغواء وإفساد للأبناء بمباركة من استرعاهم الله إياهم من الآباء..!