ترددت كثيرا قبل كتابة هذه السطور لعلمي بما ستثيره من غضب لدى مجموعة كبيرة ممن أعرف أن لهم اسهامات قليلة أو كثيرة في مجال العمل الخيري في موريتانيا ، وسيغضب أيضا تجار دماء البشر ـ وهم لا يعنون لي كثيرا ـ ممن يتاجرون بحاجة الناس وفقرهم ويعرضون أعراضهم للكشف دون فائدة تعود
عليهم في الدنيا ، وأقول ابتداء كلنا يعلم أن موريتانيا لم تشتهر في العالم بكثير مال كانت تملكه ولا بقوة عظمى حازت عليها في حقب الزمان ، وإنما اشتهرت بأن من خرجوا منها من أبناءها كانوا سفراء للمعالي ونشر الفضيلة والترفع عن صغائر الأمور ولو كانت مباحة فلم يرى منهم من يدخل مداخل السوء وكان من أمثلتهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي ( آبه ولد اخطور ) الذي يقول عن نفسه لما سأل عنه بعض القوم عند نزوله بهم :
هذا فتى من بني جاكان قد نزلا++++ به الصبا عن لسان العرب قد عدلا
رمـت به هــمة عــلياء نــحـوكـم++++ إذ شام برق علـوم نـوره اشتعـلا
فجاء يرجو ركاماً من سحائبه +++ + تكسو لسان الفتـى أزهـاره حـللا
والحديث عن قمم المعالي التي كان يتحلى بها الرعيل الأول ممن هاجر عن موريتانيا لا تنتهي وليس المقام هنا لبسطها وقد تسنح الفرصة في قادم الأيام للحديث عنها ، فقط هنا أكتفي بمثالين مما يحكى متوترا في المشرق العربي الأول يقال أن أحد ملوك السعودية ولعله الملك فيصل اختلف مع بعض معاونين وكان يريد منح الجنسية السعودية لبعض الموريتانيين فاعترض بعض المستشارين فقال لهم القوم أهل كرامة ومعالي وسترون فمر في موكبه حتى رأى جماعة منهم ـ والناس في ذاك الزمان في حاجة شديدة ـ فأمر بعض الجنود بإلقاء بعض النقود في طريقهم فتخطوها وأنهم لم يروها فسألوهم لما فعلتم ذلك فكان جوابهم نحن هاجرنا من أهلها (لقصد بيت الله الحرام لا لجمع المال الحرام ) والمثال الثاني هو أن محمد صالح الشنقيطي وهو رجل معروف في السودان وكان من قادة البلد الكبار الذين لعبوا دورا في استقلال البلد وترأس أول جمعية وطنية هناك جاء مرة من يخبره أن هناك رجل شنقيطي قبض عليه وقد سرق مالا من خزنة لمؤسسة الدولة فقال بدون تردد هذا كذب وسأذهب إن وجدته شنقيطي سأقتله بيدي فلما جاء وجد الرجل من إحدى القوميات التي تعيش في الصحراء الإفريقية ، وحتى لا أطيل على القارئ الكريم أطلق هذه الصرخة طمعا في أن تجد أذنا صاغية في فرض هيبة الدولة على ما يعرف بالقطاع الخيري في موريتانيا وهو الآن يسير بطريقة تؤذي كل غيور على سمعة وطنه فهناك رجال كُثر كلا منهم يتأبط حقيبة ممتلئة بقوائم وأسماء بعضها لأسر يدعي أنهم فقراء وبعضها يقول أنهم أيتام وبها أسماء قرى ومدن يدعي أنها تعاني العطش والجوع ويجوب الأرض شرقا وغربا يطلب في المساجد والمجالس باسم هؤلاء ـ والله وحده يعلم كم من تلك العطايا تصل إلى مصارفها ـ حتى أن بعضهم تصل به الدناءة أن يقف في محفل عام أو مسجد للمسلمين ويقدم قضيته وينتظر عطايا يعطيه بعض الحاضرين ما يعادل 2000 أوقية أحيانا وفي بعض الأحيان يجد كثير منهم عطايا لتشييد مشاريع خيرية وتقول تقارير بعض الدول والمهتمين في المجال أن كثيرا من التمويلات لا ينفذها بها أكثر من 5% من المشروع المُمَوّل وهذا مما لا يختلف حسب علمي اثنان على ضرره البين الذي يلحق بسمعة البلاد وتدمير هيبتها ، وإن ظللنا سكوتا على هذا نخشى أن نكون ساكتين عن الحق ... والمؤسف أني عندما زرت الوطن الحبيب لم أجد جهة مركزية مسئولة عن هذا الملف لعل ذلك يرجع لقصر باعي في معرفة مفاصل الدولة وحتى ادارة الحريات بوزارة الداخلية وجدتها تعطي التصريح للجمعيات وليست لها مباشرة كاملة في متابعة الأنشطة والتمويلات ، ولكل ما سبق وما سيأتي أطلق هذه الصرخة علها تصل المسئولين لنفكر جميعا في طريقة تحفظ كرامة الوطن وعزة المواطن وتطلع الجهات المسؤولة بدورها في معرفة مصادر التمويل ومصارفه وهذا عرف في كل الدول التي تحترم ذاتها وكيانها ولا أشك أن دولتنا تحت قيادة فخامة السيد الرئيس محمد ولد العزيز من تلك الدول ، وفي ختام هذه السطور أقول أن الدوافع التي دفعتني لإطلاق هذه الصرخة كثيرة منها إني قبل فترة حضرت اجتماعا رسميا في دولة من دول الخليج لتقييم دورها في العمل الخيري فوقف مسؤول من تلك الدولة وجعل يحدد مهددات العمل الخيري وقال منها الغش وضرب مثلا بثلاث دول في افريقيا منها موريتانيا ذكرها بالاسم قال أعددنا عنها تقريرا تعاونت فيه أجهزتنا الرسمية فوجدنا نسبة تنفيذ المشاريع التي يحول لها التمويل من هنا في الغالب لا يتعدى 5% وقال هذا المسؤول {{نحن نريد شعبنا أن يسهم في عون المحتاجين والفقراء من المسلمين ولكن لسنا على استعداد أن تذهب أموالنا في الطريق الخطأ }} والتعبير له .
وكل الذي نريد تنظيما للأمر يحمي البلاد من ضعاف النفوس وهم كثر وأصحاب الأغراض السياسية الذين يريدون الكسب السياسي باسم العمل الخيري ، ألا هل بلغت اللهم فاشهد .