الأزمة الدستورية الثانية المؤشرات والمسارات / يحي عياش محمد يسلم

مهما تعددت التحليلات وتباينت المقاربات بشأن الأزمة السياسية الراهنة يظل من الجلي للمتأمل في جوهر الأزمة والدارس لخلفيتها السياسية أنها أزمة دستورية لاتتعلق فقط بممارسة السلطة وأداءها بل تتجاوز ذلك إلى شرعية البناء السياسي والطريقة التي شيدت بها الأداة السياسية والأسسس التي

تقوم عليها
السلطة . وهذه الخلفية الدستورية للأزمة تجعلها أزمة سياسية ودستورية
بامتياز ومن العسير تجاوزها من دون إيجاد مخرج دستوري يتفق عليه الجميع
رغبة في تجاوز الأزمة ودخول حياة سياسية تتأسس على أرضية دستورية جديدة.
وهذا المخرج الدستوري كان منعدما في بداية مؤمورية الرئيس نظرا لوجود تباين
في وجهات النظر بشأن الدستور والنظام وعدم وجود مخرج دستوري يتفق عليه
جميع الأطراف . لكن الأمر يصبح مختلفا مع نهاية المأمورية التي طالما بشر
أنصار الرئيس ومبرروا استمراره في السلطة بنهايتها وطالبوا باحترامها .
وهنا يبرز مخرج دستوري واضح يتفق عليه الجميع من الناحية النظرية وينبغي أن
يتفقوا عليه من الناحية العملية أيضا باعتباره مخرجا دستوريا يرتبط به
دستور البلد واستقراره ويتوقف عليه حل مشكلاته السياسية والإجتماعية !! بيد
أم من يراقب سياسات النظام ويتابع خطاباته السياسية ويشاهد تحركاته على
أرض الواقع لايجد في سلوكه السياسي مايدل على وعي بواقع البلد وحرص على
مستقبله واحترام لدستوره وغيرة على استقراره واستشعارا للتحديات التي
تواجهه!!! بقدر مايجد أنانية سياسية وتضخيما للذات واحتقارا للدستور
وتلاعبا باستقرار البلد وانتهاجا للمسارات الأحادية المظلمة !! وهو مايجعل
أي متابع للواقع الموريتاني يشفق على البلد من أزمة دستورية ثانية تعمق
المشكل الدستوري فيه وتزيد من حجم الإحتقان السياسي داخله. وكماأن هناك
مؤشرات على هذه الأزمة فإن هناك مسارات متعددة يمكن أن ينتهجها النظام في
سعيه للإنقلاب على الدستور والحفاظ على السلطة . أولا : مؤشرات الأزمة : إن
من يتابع تعامل النظام الحالي مع الأزمة السياسية الراهنة ومع الملفات
الحساسة التي تؤثر في مستقبل الديمقراطية في البلد يجد هناك مؤشرات جلية
على احتقار الدستور وازدراء التناوب على السلطة وعدم الإحساس بالأزمة
السياسية للبلد وأثرها على واقعه الإجتماعي والتنموي والأمني: 1 ـ عدم
الإستعداد لحوار سياسي جاد يتناول المشكل السياسي والتعامل مع الحوار وكأنه
مجرد مطية لفرض أجندة سياسية شخصية مماأدى لفشل الحوار وتعثر مساره . 2 ـ
التركيز في هذه الفترة الحساسة التي يشهد البلد فيها أزمة سياسية خانقة
ويجد فيها الرئيس فرصة لحل هذه الأزمة من خلال المخرج الدستوري الذي يفرض
عليه القانون على الهيمنة على المجتمع والتأثير فيه من خلال النخب
والمسؤولين والقيام بالحملات قبل أوانها بدل التركيز على حل الأزمة
السياسية وتقديم مبادرة لإنهاءها من خلال إبداء الإستعداد في مغادرة السلطة
بعد نهاية المأمورية . 3 ـ تراجع الخطاب السياسي التقليدي الذي كان يبرر
استمرار الرئيس في الحكم بالدستور والمأمورية والإستقرار وظهور خطاب سياسي
يتجاهل الدستور ويتجنب الخوض في المؤموريات وينسى ضرورة الإستقرار ويحاول
تصوير إنجازات النظام بمعزل عن الجانب الدستوري بالإضافة إلى وجود خطابات
إعلامية موجهة تبالغ في تقديس شخص الرئيس وتضخم من إنجازاته بشكل يشبه
الحملة أو الإستعداد للحملة وهو أمر له دلالته في الخطاب السياسي وفي الفعل
السياسي أيضا . 4 ـ إجابة الرئيس في مؤتمراته الصحفية وفي خرجاته
الإعلامية على الأسئلة المتعلقة بالدستور والمأمورية كانت إجابة واضحة في
احتقار دستور البلد والتلاعب بأزماته ولاتخفي ماوراءها من الأنانية والحرص
على السلطة والتنكر لماكان الرئيس يهتف به طيلة مأموريته من حث على احترام
المأموريات ودعوة إلى الإلتزام بالدستور وإظهارا للغيرة على الإستقرار .
ثانيا : المسارات : إذا كانت هذه هي مؤشرات الأزمة فإن المسارات المطروحة
لتحقيق أهداف النظام مسارات متعددة وهي مسارات سياسية قد لاتستهدف بالضرورة
إلغاء الستور أو تغييره قانونيا لعدم إمكانية ذلك لكنها ستستهدف القضاء
عليه بالطرق السياسية التي ستجعله يموت في نهاية المطاف وتموت أهدافه
السياسية النبيلة المتعلقة باحترام المأموريات وترسيخ التداول السلمي على
السلطة : 1 ـ الإستقالة من السلطة ودخول العملية السياسية : ليس من
المستحيل ولامن الغريب أن يستقيل ولد عبد العزيز من السلطة مؤقتا ويدخل
المعترك السياسي فقد فعل ذلك في ظروف كان فيها أضعف سياسيا وماليا وأعجز عن
توظيف الكثير من وسائل الدولة من الظروف الحالية التي يتمتع فيها الرجل
بنفوذ سياسي ومالي كبير الأمر الذي سيمكنه من كسب الإنتخابات والتأثير فيها
على نحو ماحدث في انتخابات 2009 . وليس شرطا أن يكون انتهاج الرجل لهذا
المسار بعد نهاية مأموريته فقد يستقيل قبل ذلك بحجة إطفاء الحريق السياسي ـ
وهي خطوة ستحسب له عند البعض ـ ثم يعود للمشهد السياسي بوصفه رئيسا استقال
قبل نهاية مأموريته رغبة في حل أزمة سياسية ولم يحقق مايطمح له من مشاريع
بسبب الأزمة التي طبعت حكمه والتي دفعته للإستقالة قبل نهاية فترته المحددة
قانونيا !!!! 2 ـ السعي إلى تمديد المؤمورية الحالية : ليس لزاما لكي
يحتفظ الرئيس بسلطته أن يزيد مأمورية خارج إطار الدستور فقد يسعى لزيادة
مؤموريته الحالية بعمله على إقناع الأطراف السياسية أو بعضها على الأقل
بضرورة إنهاء الأزمة وإعادة الإستحقاقات الدستورية التي لم تشارك فيها هذه
الأطراف مماسيترتب عليه القيام بانتخابات رئاسية قبل أوانها !! 3 ـ التخلي
عن الرئاسة والإحتفاظ بالسلطة : حيث يطرح البعض فكرة تعديل النظام السياسي
الموريتاني ليتحول من نظام شبه رئاسي إلى نظام برلماني كمسار آخر يمكن أن
ينتهجه الرئيس للإحتفاظ بالسلطة مع تخليه عن الرئاسة نظرا لتهميش الرئيس في
النظام البرلماني مقارنة برئيس الحكومة الذي يلعب في النظام البرلماني دور
الرئيس في النظام الرئاسي . وهذا المسار يرتكز على فكرة منطقية لكن
الطريقة التي يمكن من خلالها إنجاح المسار لاتبدو سهلة خصوصا في الظروف
الحالية . وعلى أي حال فإن البلد وهو يعيش آثار وانعكاسات الأزمة الدستورية
التي تعرض لها عام 2008 لايحتاج لأزمة دستورية جديدة تعمق من مشكله
السياسي والإقتصادي وتزيد مشكلات الديمقراطية والتنمية فيه صعوبة وتعقيدا .
فهل نحن أمام أزمة دستورية ثانية ؟؟؟

19. مارس 2016 - 14:46

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا