"إن الشيء الأصعب في تكوين ثروة هو الأمانة مع النفس و الرغبة في التحرر من متابعة القطيع" روبرت كيوساكي، رجل أعمال أمريكي و خبير مختص في التنمية البشرية
في كل بلدان العالم يوجد أثرياء اكتسب الكثير منهم ثرواته بالعمل و الجد و المثاربة و إعمال العقل الثاقب و النباهة القصوى و الصبر و الشجاعة و الصدق و الأمانة.
و إن منهم من لمع في مجال أو برع في حرفة فنماها و طورها و وسعها حتى ابتكر و امتلك فضاء لها فمدده و طوره و جعله علامة و صناعة و خدمة تجاوزت حدود بلده إلى بلدان كثيرة في جميع القارات.
و منهم من غمره المال أيضا على حين غرة بضربة حظ أو ضلوع في متاجرة بالممنوعات أو ارتماء في أحضان منظمات عقائدية أو سياسية أو إرهابية مخترقة للقارات.
و مهما يكن فإن كل هؤلاء الأثرياء يشتركون قاسما واحدا هو المال و ما يصنعه من تأثير في مجريات اقتصاد بلدانهم و سياساتهتا الاجتماعية سلبيا أو إيجابيا. و هم جميعهم حديث الساعة على مدارها مع الأنظمة التي تحكم بلدانهم حيث يكونون صنيعتها تارة أو ملتحقين بدائرة نفوذها و متسع حكمها لدوام أو تجديد أو تمديد نفوذهم و تأثيرهم و ضمان حمايتهم و زيادة ثرواتهم، تارة أخرى.
و في موريتانيا التي لم تعرف يوما المال و مظاهره الباذخة من القصور و الأطيان فقد ظهرت مبكرا عند ظهور أول خيط من فجر الاستقلال زمرة دعيت جزافا "رجال الأعمال" من أُميين و مخبرين و متزلفين و مهرجين في بلاط الأنظمة تبعتها أخرى من أشباه المتعلمين مستوردين و تجارا ماهرين بالأموال العامة من خلال إطلاق العنان لهم فتهافتوا على البنوك الأولية الأولى حتى أفلست لتؤسس على رفاتها بنوك أخرى فتعاني بشكل متعمد نفس المصير على خلفية القبلية البغيضة و التخندق السياسي المرحلي وراء كبار ضباط الجيش من الانقلابيين الذين تسجلوا لتاريخ القارة أطول سلسلة انقلابات فيها.
و توالت صيحة صناعة رجال الأعمال من لدن الأنظمة، لكل رجال أعماله و سدنة تسييره لاقتصاد البلد حتى يبقى مراوحا مربعه الأول في ركود و تخلف و حتى تحلق محاصيله الوفيرة من استغلال معادنه و سمكه و ثرواته الأخرى، في فضاء الخواء الميداني و خزائن رجال الأعمال المبتذلين و المرحليين من "الارستقراطييين" القبليين حيث أن الدائرة على فسادها ضيقة كعنق الزجاجة لا يجوز أن تشمل إلا بضع قائل مستحكمة في أزليةٍ عبثيةٍ يحفها فتاةٌ هزيل من "شرائحية" منتقاة و مقننة لحاجة توازن غرضي زائف، بدعة من وحي الماضي و تحجر العقليات بحركية الحاضر.
و رغم كل واقع الحال المقلق فإنه لا تزال تتبادر إلى بعض الأذهان المتفائلة و من دون توقف أسئلة ملحة حول دور رجال الأعمال تجاه المسؤولية الاجتماعية، وما الذي ينتظره المجتمع من رجال الأعمال؟ و ما سبب تقصير قطاع رجال الأعمال في خدمة المجتمع؟
إنها أسئلة تتطلب الإجابة عنها معيارا يمكن من قياس هذا الدور وفاعليته في المجتمع، وحتى يتم بناء هذه الآلية للتقويم، ومستوى وحجم هذا التفاعل فلسوف تظل مشكلة "البطالة" كم العاطلين عن العمل في الدولة مؤشرا أحمر يتجه نحو اتهام رجال الأعمال والمنظمات التجارية والصناعية بكامل التقصير وعدم تقديم المساهمة الفاعلة في حل هذه الإشكالية، التي يُستغرب وجودها في بلدِ يمتلك مقدرات هائلة و حاجته إلى التشييد كبيرة يحتاج لتنفيذ مشاريعه التنموية على الكثير جدا من العمالة حتى من الخارج.
و أين هو دور رجال الأعمال في تحفيز الشباب إلى الدخول في منظومة رجال الأعمال، وتمويل مشروعاتهم الاقتصادية و مختلف أنشطتهم، وما يشوب هذا الجانب من ضبابية وعدم وضوح من ناحية،و أين هو دعم رجال الأعمال للهيئات والمنظمات الإنسانية و الخيرية في المجتمع، وتنمية مداخيل الأسر الفقيرة، ودعم الصناديق الاجتماعية والإنسانية؟
و إنه في غياب رجال الأعمال عن التـأسيس و البناء القاعدي الذي هو وحده القادر على خلق طبقة وسطى من ناحية، و في ظل دوام اهتمام رجال الأعمال بسلة مدخراتهم دون سواها و لا عمل على تجيير عطائهم ليكون شاملاً لأفراد المجتمع كافة وبيئته الإنتاجية الشاملة فإنه لن يكون هناك تخلص من الفقر الذي اصطنعوه و لن يتم القضاء على دوافع التذمر و الاستياء و مظاهر الجريمة بكافة أشكالها.