قبل زهاء سنتين – وحين قررت جل أحزاب المعارضة الموريتانية أن تنضوي تحت عباءة واحدة سمتها " منتدى الوحدة والديمقراطية " كتبت مقالا تحت عنوان " مؤتمر المعارضة الشيخ والأبناء والعيدان " وبعد قراءة البيان الختامي لأيام المنتدى كتبت مقالا بعنوان " وفشل مؤتمر المعارضة " وما هي
إلا أسابيع حتى كتبت مقالا آخر تحت عنوان " لماذا ثارت أقلام هؤلاء " .
في الواقع لم أكن أرغب في الظهور كمناوئ لكتلة لما تحدد بعد خطتها وخطابها وأسلوبها ، إلا أن طبيعة الحشد أملت علي أن أكتب إرضاء للضمير واستقراء لخطة وخطاب وأسلوب في طور النشأة تتعارك مكونات الطيف المعارض كل من موقعها لتبني خطابها وخطها وأسلوبها.
لقد أيقنت أن المنتدى حمل جرثومة نهايته قبل ولادته لقد كان عناق الإسلامي بالعلماني والقومي "بالقومي" والصالح بالطافح والفاسد بالبائس أهم مؤشر على الوأد في المهد وهو ما جعلني أكتب " وفشل مؤتمر المعارضة " وأستحضر قصة الشيخ والأبناء والعيدان.
آمنت أن المعارضة اجتمعت على قلب مائة رجل وكنت متيقنا أن انقسامها مسألة وقت ليس إلا فغايات جل قياداتها و الدوافع التي تحرك كل واحد تبدو بينة.
لن أسرد آرائي ومقترحاتي دون أن أتحف القارئ والمحاور ببعض المعطيات والأحداث وربما " الحوادث التي قد تسهم في أن نتحاور إلى نهاية هذا المقال على الأقل وستساعد في فهم عناوين وأحكام سابقة لأوانها مثل " وفشل مؤتمر المعارضة " و " مؤتمر المعارضة الشيخ والأبناء والعيدان ".
إن أول ملاحظة بارزة لا تزال عالقة بأذهاننا هي حضور حزبين سياسيين بارزين من أحزاب المعارضة للمؤتمر التأسيسي لما عرف بمنتدى الوحدة والديمقراطية هما حزب تكتل القوى الديمقراطية و التجمع الوطني للإصلاح والتنمية " تواصل ".
لعلنا نتذكر جيدا متى هجر هذا الأخير أقوامه ذات يوم حين رأى الفرصة سانحة لانتداب ممثلين في البرلمان ضاربا عرض الحائط مواثيق الجماعة وأبجديات الصحبة وأخلاقيات الرفاق.
لقد كسر سلوك الحزب هذه الأواصر مقابل تمثيل في قبة البرلمان بأصوات زملائه من باقي القوى المعارضة التي قررت مقاطعة الانتخابات وحتى بعض المنتسبين للأغلبية الذين لم ينساقوا وقتها لترشيحات أحزابهم ، وبعد أداء المهمة استطاع الحزب أن يعود إلى الرفاق الذين كانوا في أشد الحاجة إليه يومها في مهرجان ساحة ابن عباس.
عاد الحزب من جديد وهو يحمل جملة أهداف ضاربة في عمق الإستراتيجيات المعروفة لدى جماعة " الإخوان المسلمون " فهو بكل بساطة عاد ليقف في وجه أي حوار قد يفضي إلى تقليص ممثليه في البرلمان ، حوار قد يمتحن حقيقة الأصوات التي تم تحصلها ، حوار ربما يفقد الحزب زعامة المعارضة الديمقراطية .
دعوني أبين حضور الجماعة في معظم الانتخابات التي عرفتها مصر أيام حسني مبارك رغم مقاطعة باقي الطيف السياسي المعارض بمصر .
إنهم يسعون إلى التمثيل مهما كان بسيطا ويعتبرونه الواجهة الفعالة في فكرهم السياسي وهو الأداة و السبيل إلى فلسفة التدرج التي أقرها الإمام حسن البنا ولأكون صريحا هذه المرة لابد أن أشير إلى اندساس معظم قياداتهم في الأنظمة الحاكمة أيام حظر أحزابهم ونشاطاتهم السياسية من أجل تحقيق ذلك التمثيل الذي يفي بالغرض في معتقدهم ويغذي دعامة التدرج سبيلا إلى وصولهم للسلطة ولو لبعد حين .
هذه الحالة شهدتها موريتانيا مطلع التسعينيات حين اختارت معظم قيادات الجماعة أن تدعم النظام القائم ونال معظم رجالاتها مناصب سياسية سامية وأخرى انتخابية لأن النظام القائم وقتها لم يكن يعي مستوى التنظيم بين أفراد الجماعة وطبيعة التخطيط وتدبير الأمور.
وتفاديا لإحراج بعض الإخوة سأتحاشى هذه المرة ذكر أسماء بعينها مثلت لذلك السيناريو وعملت خلف الستار لصالح فكرها وسأغفل حيثيات اللعبة وكيف أبرمت وأين دبر لها والرحلات التي جابها معظم رجالات ذلك الجيل تلك الرحلات التي قادت إلى بلدان عربية وإسلامية كانت حركة الإخوان المسلمين تسيطر عليها أو تنشط فيها بشكل علني على الأصح.
الواقع أن جماعة كهذه تحابي الأنظمة من أجل التمثيل ، تفصم الميثاق من أجل التمثيل ، وتعتبر التمثيل وسيلة التدرج للوصول إلى الأهداف تحصلت على مقاعد في البرلمان وقادت زعامة المعارضة لن تخر لأي حوار مهما كانت طبيعة التنازلات وستظل تنازل من أجل أن تبقى سيدة المشهد في التمثيل السياسي للمعارضة.
تكتل القوى الديمقراطية الحان إلى الحكم منذ التسعينيات يبدو اليوم معاقا بسبب معطى دستوري يمنع رئيسه من الترشح للانتخابات الرئاسية لعامل السن.
يظهر هذا الحزب أكثر صراحة وأقل قدرة على المغازلة فقد صرح رئيس هذا الحزب أنه سيغفر للرئيس محمد ولد عبد العزيز إذا هو قدم استقالته، لن يلاحقه إذا هو تنحى.
هل يمكن أن نقبل هذا الكلام من رئيس لحزب سياسي؟
وهل يمكن لرجل عاقته السنين عن الترشح للرئاسة شارك في معظم الانتخابات التي عرفتها البلاد ، تولى مناصب سامية قاد زعامة المعارضة الديمقراطية أن يصرح بمثل هذا الكلام؟
يبدو أن رئيس هذا الحزب يعتقد أن استقالة ولد عبد العزيز تعني وصول أحمد ولد داداه للحكم ولعل هذه الأخيرة هي أبرز الغايات التي يرومها الرجل وستكون مراجعة السن القانوني للترشح للرئاسة أهم محور قد يجعل تكتل القوى الديمقراطية يفكر في الدخول في أي حوار مهما كانت طبيعته وغاياته وممهداته.
اتحاد قوى التقدم الذي يحمل في جعبته الكثير من الأماني والتطلعات حيث يعتبر قادة هذا الحزب أن رئيسه محمد ولد مولود سيكون أبرز مرشح للرئاسة من المتوفرين المعارضين في ظل الإعاقة القانونية بعامل السن لكل من أحمد ولد داداه ومسعود ولد بوالخير اللذين لن يعود بمقدورهما الترشح لرئاسيات 2019 .
هذه الخلفية جعلت الحزب يناور من أجل أن يتمتع الرئيس محمد ولد عبد العزيز بمأموريتين رئاسيتين كاملتين ليصبح خارج النزال الرئاسي وهو ما سيمكن الحزب من حصد أكبر كم من الأصوات حسب طرح هذه الجماعة.
أعتقد جازما أن هذه هي أبرز النقاط التي تحول دون حوار وطني شامل يشارك فيه معظم الطيف السياسي المعارض وأن هذا التفكير جعل معظم الشخصيات التي شاركت في تأسيس منتدى الوحدة والديمقراطية تختفي عن المشهد.
وللتذكير فإن هذه الشخصيات هي من بادر بفكرة تأسيس المنتدى و سهرت على صياغة نصوصه وهي من ساهمت في خلق اتفاق مؤقت وعملت على إصدار بيان ختامي مشترك وتوجد هذه الشخصيات اليوم بعيدة عن المشهد برمته منهم من غاب عن هذه الدنيا ومنهم من قرر اعتزال السياسة ومنهم من ينتظر.....
وسط هذه الحقائق التي أجدها بينة استطاعت المعارضة أن تتفق على خطابات تظهر وتختفي من حين لآخر.
لقد قررت المعارضة أن تتفق على خطاب الرحيل الذي نادت به وعزفت على أوتاره حينما رأت الفرصة سانحة وحاول رجالاتها وشيوخها الترنم على وقع أنشودة إرحل..إرحل...مجارين شباب الراب " الأميين " وأماني تصوير المشهد الموريتاني كجزء من المشهد في العالم العربي الذي عاش حينها أيام ما عرف بالربيع العربي الذي كاد أن يخفي بلدنا عربية لولا قدرة قادر.
لقد قررت المعارضة الموريتانية أن تتفق أيام مرض الرئيس أن النظام زال وأنهم اليوم أمام فرصة تاريخية لا تعوض وأنه لم يبقى أمام النظام القائم إلا خيار واحد هو تسليم مقاليد الحكم ، لقد أقسم قادتهم أن الرئيس لن يعود ، وادعى خبراء الأمن منهم التحصل على معلومات موثقة بنهاية حقيقية لفترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وغير بعيد عن محاولاتهم انتهاز أي فرصة قد تقود إلى فوضى عارمة في البلاد تبنى غالبية قادتهم فكرة أن تكون عملية تمزيق المصحف الشريف فعلا آدميا مدبرا وتحركت معظم هذه القوى لتأجيج الشارع.
لا أستطيع أن أقوم بعملية جرد للمناسبات و الفرص التي انتهزتها معارضتنا لتسويق خطابها ، ولا أتذكر جهدا بذلته هذه المعارضة من أجل الاتفاق على منهج قويم يقود إلى تحقيق المطالب بالحور التي نادت بها المعارضة لأول مرة ولاقت هذه الدعوة آذانا صاغية من النظام.
في الواقع نحن أمام معارضة تتفق على مفردات التضليل وتختلف على إجماع يحقق غايات كبرى قد تسهم في حل مشكل تراه المعارضة قائما.
اليوم تحاول المعارضة أن تخلق أزمة اقتصادية تعيشها البلاد وتسعى لإقناع المواطن بوجود أزمة لم تشهدها البلاد من ذي قبل.
أعتقد أن الأوراق أصبحت مختلطة وأن الرغبة تذهب بهم في كثير من الأحيان إلى التقول وخلق الأزمات تجسيدا لرأي اسبونيزا بأن الرغبة هي التي ترينا الأشياء مليحة وليست البصائر والرغبة هي التي ترينا الأشياء سيئة وليست البصائر.
استطاع النظام القائم أن يجتاز الأزمة المالية التي عرفها العالم 2009 لقد هزت تلك الأزمة اقتصاديات قوية وانهارت على إثرها برص وأسواق عالمية وفي هذه الفترة بالذات عرفت موريتانيا نهضة كبيرة شيدت الطرق تعززت البنية التحتية ، خططت الأحياء والعشوائيات ، جهزت المرافق الصحية وتم إعداد أجهزة أمنية ووحدات حربية بوسائل وجاهزية تحدثت عن نفسها في أكثر من مناسبة.
لن أطيل هنا في ذكر انجازات شاخصة للعيان تم انجازها في أوج أزمة مالية فالمتفق عليه بين الأقوام أنها أنجزت وفي فترة وجيزة .
اليوم تتكلم المعارضة عن أزمة مالية واقتصادية خانقة تضرب الأمة وأن النظام القائم في موقف لا يحسد عليه.
دعوني أقول لكم أنه وأثناء مراجعتي لقانون الميزانية للعام 2016 لم ألاحظ أي نقص في ميزانيات أحد القطاعات الحكومية فبالعكس هنالك زيادات كبيرة عرفتها بعض القطاعات مقارنة مع ميزانياتها في الأعوام الماضية ، لا أتذكر أن هنالك مشروعا وطنيا توقف بسبب عجز في وسائل الدولة وأثناء قراءتي اليومية للإعلام الوطني لم أصادف تظلما من عامل أو موظف حكومي تعطل راتبه بسبب عجز في دائرة حكومية.
صحيح أن الدولة عمدت إلى خطة إصلاح تستهدف إحباط أي عملية فساد وأن الدولة تعمد مقاربة واضحة تستهدف براثين الفساد وتستجيب للوفاء بالعهود المقطوعة في محاربة الفساد و إرساء الشفافية ودعائم الحكم الرشيد وهي السياسة نفسها التي أطلقها الرئيس منذ توليه دفة الحكم في البلاد.
قد يعتقد المعارضون للنظام أن سياسة ترشيد النفقات هي نتاج عجز في الموارد العامة للدولة وسيتخذونها خطابا جديدا ينضاف لخطابتهم المفلسة ومع مرور الوقت سيبين المعارضون كما أيقنوا من قبل أن القافلة تسير و......
لن أكون بذيئا على الطريقة " الغلمانية " ولن أستخدم تلك العبارات الدامية وذلك القاموس اللاحضاري الذي تترادف كلماته شاخصة أمامي لأختار منها ما عج وتعفن.....
على معارضتنا الوطنية أن تستجيب للواقع وأن تحاور نفسها وتتراحم بينها وتوثر الوطن وأهله وتتناسى رغبتها في التمثيل في البرلمان ، رغبتها في الوصول إلى الحكم ورغبتها في فوضى عارمة لا تبقي ولا تذر .
عندما يتحقق ذلك الحلم سنجلس جميعا على مائدة الحوار ، وسيقرر الوطن وأهله خيارهم في من يمثلهم في المجالس المحلية وفي مجالس الشعب وستقرر الأمة من ستختاره رئيسا للبلاد.
هذه أيضا هي أهم الممهدات التي ينبغي أن يوقع عليها الإخوة في المعارضة وعندها سنتمكن من الاتفاق ، سنصل إلى الهدف سنحقق ذلك الحلم الذي نرومه جميعا .