استطاع تجاهل إغواء الإعلام وتحرير نفسه من قبضته’يكره النجومية المزيفة ويشفق على أصحابها’إنه الكاتب محمد ولد محمد الأمين الملقب بـ" العميد" أول موريتاني تنشر "جامعة جورج تاون" مقتطفات من كتابه " مذكرات طالب في الغربة" وتترجمها إلى لغات عدة.
قامة إعلامية صعب أن يجود الزمان
بمثلها والزمان ضنين.. وصعب أن تتكرر على المستوى الوطني في الوقت الحالي سيما في بلد أغلب من يمارسون فيه الصحافة ـ إن لم أقل معظمهم ـ عبارة عن هواة تكونوا في بئات أسسها هشة وظروفها المادية تشجع مزاوليها على التسول المهني.
كغيره من المبدعين لم يحظ بالمكانة اللائقة به في بلد يهمش الكفاءات ويجبر أصحابها على الرحيل أو الموت كمدا، برغم تميزه اللافت وحصوله على أعلى الشهادات العلمية في مجال تخصصه.
سَلْ عنه غرفة الأخبار بـ"لإذاعة الوطنية" فقد عمل بها بداية الألفية الثانية متدربا محررا للأخبار ومعدا للبرٍامج ينتقي من أطايب لغة " الضاد" ويتفنن في لغة " فولتير" لكن ذلك لم يشفع له فخرج منها بخفي حنين’ولم يجد فيها موطئ قدم حتى بعد تخرجه من معهد الصحافة وعلوم الأخبار بـ" تونس" (2001)
لم تختلف تجربته كثيرا مع " التلفزة الوطنية" حين حط بها الرحال وهو يتأبط شهاداته في التخصص.
مقابلة سريعة مع مدير سابق وضعت النقاط على الأحرف وكشفت قدرات الضيف العلمية. وعده المدير خيرا وطلب منه إعداد تقرير تقييمي عن برامج التـلفزة ومآخذه كدارس ومدرس للإعلام عليها.
وضع الإعلامي "محمد الأمين" برامج التلفزة تحت عدسة مجهره وأعد تقريرا بالمآخذ المهنية و تصورا للحلول وسلمه يدا بيد للمدير المذكور لكن وعوده لم تكن إلا سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
أيامها كانت البلاد تعيش ما يمكن أن يطلق عليه "ربيعها الإعلامي" عقب الإطاحة بنظام ولد الطايع واعتلاء المجلس العسكري سدة الحكم.والتلفزة تنوي زيادة أطقمها الصحفية بأعداد كبيرة، والعهدة على العميد ـ فقد اكتتبت صحفيين أكفاء.
يَذْكُرُ منهم وَنَذْكُر جميعا الزميل المتميز ـ فرج الله كربه ـ اسحاق ولد المختار الذي كانت له بصمة لافتة في برنامجه الرائع "بصراحة" ما جعل التلفزة حينها تحظى بمعدلات مشاهدة مرتفعة بفضل المادة الدسمة التي كانت تقدمها للمشاهد ومساحة الحرية التي لم يعهدها سابقا.
عرفته الصحافة المكتوبة منذ أيام تخرجه الأولى’ ورغم سوء ظروف العمل في أول جريدة عمل بها وضعف الراتب الذي كان يتقاضاه.
لم يبخل بمعارفه الجمة على طاقم الجريدة الذي وجد الفرصة سانحة للتكوين والتطوير.
وفي أحيان كثيرة كتب مادة الجريدة بمفرده من الخبر الرئيس إلى نقطة النهاية.
كان متفانيا في عمله محافظا على شرف مهنته’وقد ألف كتابا تناول فيه فنيات التحرير الصحفي ليكون دليلا للصحفيين الشباب.
حينها كانت المهنة بحق مهنة المتاعب’ فشبكة الانترنت ضعيفة ولا توجد إلا في الوزارات والمؤسسات الكبرى وبعض المقاهي التجارية في العاصمة كان الصحفي أيامها يكتب بنات فكره بقلم حبره الجاف. لا كـيوم الناس هذاـ فقد أصبح الاعتماد على ما يوفره محرك البحث " غوغل" وتحولت معظم الأقلام إلى أجهزة تعمل بالكهرباء وتتوقف عن الكتابة كلما أصيب التيار بالعطب.
يومية الأخبار التي كانت تصدر عن مؤسسة "صحراء ميديا" وتبحث وقتها عن أصحاب الكفاءة عرفت قلمه السيال’ كما عرفته صحف أخرى قبل أن تتحول إلي مواقع إليكترونية.
وحين بدأت إرهاصات تحرير الفضاء السمعي البصري كانت له تجربة رائدة في إذاعة "أطلس" الإليكترونية’كون فيها مجموعة من الصحفيين الشباب سُمِع صدى أصواتهم في أول بث إذاعي حر عبر الأثير (إذاعة موريتانيد)
ولأن المثل العربي يقول لكل مجتهد نصيب فقد نجح صاحبنا بعد أن وخط الشيب مفرقه في أول مسابقة نزيهة تجريها الدولة للـ" كتاب الصحفيين المهنيين" وخلال ثلاث سنوات من التكوين في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء ظل الجميع أساتذة وطلابا يغترفون من تواضعه الجم وعلمه الغزير.
اليوم يلقي عصا الترحال بـ"وزارة الاتصال" فهل سيدرك القيمون عليها قيمة الرجل؟ أم أن رحلة التهميش والإقصاء ستستمــــــــــر.