تعتبر الولايات الشرقية من أكثر الولايات من حيث المخزون الانتخابي، حيث يقطنها الكثير من السكان، وقد عانت هذه الولايات خلال عقود من الزمن ومازالت تعاني من التهميش والفقر والحرمان وقلة المشاريع وانتشار البطالة ونقص الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء والتعليم والصحة وغيرها
من الخدمات التي يحتاجها سكان هذه الولايات، فقد تعودت السلطات الموريتانية على اعتبار هذه الولايات مركزا للإسعراضات والمهرجانات الشعبية والتباهي بها في الحملات الانتخابية، وإلقاء البرامج السياسية الحافلة بالمشاريع والإنجازات والوعود الكثيرة، وذلك بهدف اللعب على عقول هؤلاء وزرع الحماس في قلوبهم وتوجيههم لصناديق الاقتراع وتصويتهم بكثرة لصالح مرشح الحزب الحاكم، وحين تنتهي المهمة لا يجدون لتلك الوعود ولا المشاريع ولا الإنجازات إلا السراب، ويتركون نسيا منسيا ولا يجدون من يهتم لعطشهم ولا فقرهم ولا معاناتهم، فلا الرئيس يهتم بهم ولا نخبهم التي باعتهم تهتم بهم للأسف بل تذهب وتتركهم في معاناتهم، ومرت عقود من الزمن على هذه الحالة، إلى ان وجدت المعارضة الفرصة السانحة للتوجه إليهم وإطلاعهم على الحقائق وتوعيتهم ومساندتهم والوقوف بجانبهم لكي يطالبوا بحقوقهم المنتزعة، وجعلهم عنصرا فاعلا في العمل السياسي والوطني بشكل عام بدل اللعب عليهم وتهميشهم، نجد للأسف حكومتنا تتصدى لتلك المعارضة وترسل الوزراء والولاة والحكام وجميع الأطر والنخب في تلك الولايات ، وذلك بهدف إفشال مهمة المنتدى و مزاحمة مهرجانات المنتدى الهادفة، باجتماعات ومهرجانات فاشلة لا تخدم الوطن ولا المواطن ، فالحكومة كان من الأجدر بها ان تنشغل بمهمتها الأساسية وهي حل المشاكل المطروحة على قطاعاتها والتصدي للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد والعمل على وضع إستراتجيات واضحة لمحاربة نسبة الفقر المتزايدة وارتفاع الأسعار المذهل والذي أنهك القوة الشرائية للمواطن، ومعالجة قضايا أساسية تعصف بالوطن كالأزمة السياسية والأفق المسدود أمام الفر قاء السياسيين، وقضايا المخدرات والإرهاب التي تعتبر اكبر تحدي يواجه العالم الآن، وغيرها من القضايا الملحة .
لكن الحكومة للأسف بدل الاهتمام بهذه الملفات والعمل على مواجهتها وحلها اختارت أن تتنازل عن مسؤولياتها، وتذهب لمواجهة نخبة من المناضلين والسياسيين في هذا الوطن، ذهبوا لتأدية واجبهم الوطني من جهة والسياسي من جهة أخرى، وسخروا كل طاقاتهم ومجهوداتهم الذاتية في سبيل الوصول إلى هذه المناطق الشرقية التي عانت ومازالت تعاني، بهدف توعية اهلها والنهوض بسكانها لكي يتحدوا ويقفوا في وجه المفسدين وأصحاب الضمائر الميتة وأصحاب المصالح الأنانية والضيقة والمضللين وأصحاب الشعارات الوهمية، والمطالبة بالحقوق المسلوبة لهذه المناطق.
فقد تعودنا على تهميش هذه الناطق دائما، فرغم امتلاكها لثروة حيوانية كثيرة ومناطق زراعية كبيرة، لكننا لم نجد مشاريع كبيرة ولا صغيرة حتى للرفع من مستوى هذه الثروات والاستفادة منها، بل مازالت تستخدم بطريقة بدائية ومكلفة ومتعبة لأهلها ولا تعود عليهم بالمرد ودية المطلوبة، كما اننا لا نجد مساعدتهم في بالعلف الحيواني في فترة الصيف ، حيث تكون فترة شدة عليهم وتزيد عليهم التكاليف، كذلك لا نجد مساعدتهم في المواسم الزراعية، بل يتعبون ويعتمدون على وسائلهم القديمة فقط، أما على مستوى التعليم والصحة، فهذه المناطق تعتبر هي الأقل حظا للأسف، فالتعليم نسبته متدنية كثيرا سواء على المستوى الابتدائي او الثانوي، أما في ما يخص مسابقة الباكلوريا فتعتبر هذه المناطق اقل نسبة نجاح فيها ، مقارنة بولايات الوطن الأخرى، كما تعتبر هذه المناطق اقل حظا فيما يخص البني التحتية التعليمة، فنجد اكتظاظ الفصول ونقص المدارس وهشاشتها، وعلى مستوى الصحة فالوضع مزري للأسف، حيث يعاني سكان هذه الولايات الشرقية من تدني مستوى الخدمات الصحية ورداءتها، فالمواطن لا يجد الفحوصات العادية ولا الأطباء ذوي الكفاءة ولا الأدوية، فجل المستوصفات تعاني من نقص في الكادر البشري وفي المستلزمات الضرورية وسيارات الإسعاف وغيرها من المشاكل، مما يجعلها عاجز عن تأدية مهامها على أحسن وجه ، فيضطر هؤلاء المواطنون إلى الذهاب إلى انواكشوط للعلاج ، وعلى مستوى العطش فقد عانت هذه الولايات ومقاطعاتها وقراها من أزمات حادة من العطش ومازالت تعاني منه حتى الآن، ولم تجد الحكومة لها من حل بل الوضع على حاله، كما يعانون من الفقر الشديد نظرا لضعف مستوى الدخل وانعدام فرص التشغيل، فلا مشاريع تنموية في هذه المناطق، ولا نشاط اقتصادي يذكر ولا ولا...............
بل تكتفي الأنظمة الحاكمة بتعيين شخصيات قبلية نافذة في هذه الولايات الشرقية ومقاطعاتها في مناصب وزارية وإدارية ، وذلك من أجل التحكم في القبيلة فقط والحصول على نسبة كبيرة من الناخبين، وفي المقابل تجرد هذه الشخصيات من صلاحياتها، فلا يمكنها ان تقدم للمواطن الموريتاني بشكل عام أي خدمة ولا لسكان هذه المناطق الشرقية أي نتيجة تذكر، بل تصل إلى المناصب العليا بأصواتهم، وحين يجد الجد وتطرح مشاكل الفقر والتهميش والبطالة والعطش.......... يتنكرون لهم ويغلقون الأبواب أمامهم ولا يطرحون مشاكلهم في مجلس الوزراء ولا حتى في الاجتماعات والورشات التي تفتح من اجل إثارة هذه المشاكل، وكأن أصوات المواطنين في ولايات الحوض الشرقي والغربي ولعصابة، لاتهم الدولة ولا المسئولين، فالحصول عليها سهل والتنكر والتخلي عن مشاكل أهلها أسهل بكثيرّْ!!!
يالها من سخرية و مأساة ومعاناة لا تنتهي بعد، فإلى متى سيفيق سكان هؤلاء الولايات من سباتهم ويحاربون ويدافعون عن حقوقهم؟
وفي الأخير أود ان ألفت الانتباه إلى انه رغم كل الحشود التي أرسلتها الحكومة، من وزراء وولاة وحكام وأطر ووجهاء وغيرهم، فإن المنتدى قد فاز في حشد الكثير من المواطنين، حيث وصل في بعض الولايات إلى ما يقارب العشرة آلاف، وهو ما لم تتوقعه الحكومة، فقد تعودت على موالاة هذه الولايات وساكنتها للنظام الحاكم فقط، والآن ولأول مرة في تاريخ موريتانيا تنجح المعارضة الموريتانية في كسب الرهان وتتحدى الدولة في إنجاز مهرجان في مدينة النعمة يمكن ان يقال له مهرجان التحدي، نظرا للحضور الكبير واللافت، الذي تميز به، كذلك في لعيون وكيفة، فقد اتضح للجميع ان سكان الولايات الشرقية لم يعودوا كما كانوا تكمم افواههم بالوعود الكاذبة ويغرون بالمشاريع المزيفة، بل أدركوا حقيقة النظام الحاكم وشعاراته الفارغة من محتواها، وحكومته البارعة في التطبيل والتضليل فقط.
فالدولة استغلت جميع وسائلنا الإدارية في خدمة سياسات النظام بدل ان تترك إدارتنا حيادية وملتزمة ومعتدلة في موقفها من النظام والمعارضة، فكفانا استغلالا يا جماعة، الوزراء والولاة والحكام ملك لنا جميعا ولا يجب ان يوظفوا في سياسة النظام الحاكم ، بل كان يجب عليه ان يسخر الحزب الحاكم وأحزاب الأغلبية لتلك المهمة، وهو ما يجعلنا نفهمه ولا ننتقد سياسته ، بل نعتبرها مواجهات سياسية بين أحزاب أغلبية وأحزاب معارضة من اجل كسب المزيد من ثقة المواطنين، وهو حق سياسي يكفله الدستور للأحزاب السياسية، اما ما لا يمكن فهمه ولا تبريره في هذه الحالة هو تسخير الإدارة والمال العام ووسائل الدولة المملوكة للشعب، في خدمة نظام وسلطة حاكمة، هذه الممارسات تعودنا عليها طيلة فترة حكم ولد الطايع، وهاهي تمارس علينا طيلة فترة هذا النظام ، فإلى متى سننجح في مواجهة هذه الممارسات للا ديمقراطية وللا قانونية ولا تخدم الوطن؟ دامت موريتانيا للجميع