هنالك بعض اللبس في فهم التكنوقراط ، فحكومة التكنوقراط هي انتقاء للوزراء ضمن الكفاءات الوطنية من مختلف الأطياف السياسية ، حيث يطلب النظام من الجميع أي الأحزاب والمجموعات السياسية أن تقدم مرشحين من حملة الشهادات العليا وذوي الاختصاص والتجربة ليتم تكليفهم بوصفهم خبراء لتولي
مهام في مجال اختصاصهم ، بمعنى أن يكون التكنوقراطي المطلوب مستقلا ، لا حزبيا ولا سياسيا ، فالمهم أن لا يكون محسوبا لحزب ما من الناحية النظرية ، وفي وجه الأزمة الاقتصادية والأزمات الأخرى يتجه النظام لتشكيل حكومة تكنوقراط لإنقاذ البلاد وانتشاله من مشاكله الحالية ، وبما أن الكتل السياسية منقسمة على نفسها ومتخندقة بسبب أزمة " الحوار السياسي "، لذا فمطالبة النظام بتشكيل حكومة تكنوقراط وفق المواصفات يعني تشكيل الحكومة من خارج النظام ، خصوصا من الأحزاب السياسية المعارضة والتي لم تخض الانتخابات الأخيرة وليس لديها أي تمثيل في المجالس التشريعية ، وهذا يعني أيضاً عدم الانتقاء على أسس التمثيل الحزبي والمجتمعي .
إن حكومة تكنوقراط مستقلة هي مثل حكومات الطوارئ في حالات الخطر ، وموريتانيا اليوم أمام مخاطر وتداعيات الأزمة الاقتصادية ، فكيف يمكن أن يكون هذا الاقتراح عمليا وناجحا حين يتعلق الأمر بإشراك جميع الفاعلين السياسيين في هذه الحكومة ؟
إن فكرة اللجوء لحكومة تكنوقراط فكرة مقبولة نوعا ما إذا ما تم اعتبار المعايير الأساسية لتشكيلها ، فالنظام قد لا يعتمد مبدأ إشراك الكل رغم كل العراقيل ، فالأزمة السياسية الحالية قد تكون عاملا في فشل مشروع التكنوقراط الناجح ، وقد تكون حكومة التكنوقراط سبيلا لحل الأزمة السياسية إذا ما أراد الجميع ذلك ، فالمهم هو البحث عن كل المنافذ لتشخيص الطريق المؤدي إلى التنفيذ ومن الذي يرشح أعضاء الحكومة وكيف سيتم تشكيلها ، فهل هذا ممكن ؟
تشكيل حكومة تكنوقراط لا يعني حل الأزمة وتجاوزها ، ولا يمكن أن يقدم التكنوقراط حلا سحريا للمشاكل القائمة إلا إذا تجاوز الموريتانيون الصراعات الداخلية ، وفي هذه الحالة ستلعب الوساطات والأحزاب السياسية دوراً في اختيارهم ، وبذلك يمكن الجمع بين التمثيل الحزبي والتكنوقراط دون الإضرار بالأهداف ، ويكون ذلك سبيلا تمهيديا لحل الأزمة السياسية و إذا ما أريد النجاح لهذا المشروع فيجب عليه أن يحظى بقبول من الجميع !
إن مشكلة الحكومة الحالية ليست في نقص الخبرة لدى الوزراء الحاليين المقصرين في أداء واجباتهم ، بل هي في نقص الإخلاص الوطني وغياب الضمير المهني وعدم الالتزام بالقوانين والصراع والمنافسة ضمن مجموعات ضغط سياسي داخل النظام على أساس المصالح الخاصة لكل قبيلة ومجموعة ، فالبعض منهم شارك في شل عمل الحكومة وإظهار عجزها الحالي وتخبطها ، مما يعني أن النظام يعيش حالة من عدم التوازن الداخلي ، وإذا ما أراد النظام إعادة التوازن فلابد له من اللجوء إلى حلول حقيقية وفاعلة يتم من خلالها تغير وجه النظام وتغيير نمط السياسة الداخلية وإشراك جميع الفاعلين السياسيين الموالين والمعارضين للخروج بسلام من هذه الأزمة وتجاوز دائرة الخطر .