الوحدة أولا أيها الأخوة المناضلون / باب ولد سيد أحمد لعلي

سمعنا وقرأنا في هذه الأيام أنّ أحد المناضلين الكرماء وقف وقفة عزّ أمام مجلس حقوق الإنسان وعرض حالة موريتانيا أمامه وحكا عن أبشع انتهاكات حدثت في تاريخ البشرية ، وعن تميز عظيم يحدث على أساس الجنس واللون ، وعن نظام شرائحي ظالم ومجتمع يعيد أنتاج ذلك النظام جيلا بعد جيل ، 

وكتب مفتخرا أن كان له الشرف بالتحدث عن حالة موريتانيا أمام ذلك المجلس الذي لا يمكن تحت أي ظرف ومن خلال أي اعتبار وصفه بالعدل والإشادة بنواياه وما حقق من عدل للبشرية جميعا...
ولتصحيح العبارة لا بد من أن نسميه مجلس مظالم الإنسان بدل حقوقه لأن ليس للإنسان من حقوق غير التي وضعها له الله ، ونحن كمسلمين لا يجب أن نعتقد في تلك الحقوق الوضعية ونتجاهل الحقوق السماوية ،
يقول محمد عابد الجابري في كتابه الديمقراطية وحقوق الإنسان أن الإعلان العالمي لهذه الحقوق جاء ليُثبت لاإنسانية النظام الذي كان قائما في أوروبا قبل النهضة والعصر الذهبي الذي تعيشه الآن ، يتمثل ذلك النظام في النظام الإقطاعي ، حيث كانت تمارس أبشع الانتهاكات الإنسانية باسم الدين وباسم الحق الإلهي للحاكم ، مما ولد الثورة العلمانية التي حاولت الابتعاد قدر المستطاع من التشريعات الكنسية ومحاولة صياغتها من جديد كتعبير عن قدرة العقل الإنساني في صنع نظام وضعي يسمح بنشر العدل والمساواة خلافا للنظام الكنسي ، أي أن الهاجس الكنسي ولد لدى الإنسان الأوروبي الإيمان المطلق بالعقل وبقدراته والكفر بقوانين رهبان وبطاركة الكنيسة ....
وطبعا بعد ما حققت أوروبا التي قادت التغير والسلام والحرية والمساواة من فعل ذلك النظام ، ولأننا كنّا نعيش وضعا رهيبا في حلول بدايات ذلك الإشعاع الأوروبي بفعل واقع مناقض تماما لأسباب َضعفهم هم قبل ثورة الأنوار ، حيث أن الابتعاد عن الدين هو الذي ولد تلك الفجوة وتلك الأوضاع الرهيبة ، وهم عاشوا الضعف من خلال انصياعهم لتعاليم الكنيسة ، التي حرفت الأنجيل مرات ومرات ، تم اعتبار مخلفات تلك الحضارة وما أنتجت مرجعية يجب أن تتبعها كافة الدول دون أن يكون هناك اعتبار للخصوصيات الثقافية أو الدينية  ....
وربما فهم بيرام ذلك ورجع عن دعواه واعتبر أن حل مشكلة "الحراطين" يكمن في الرجوع إلى الأصول (الكتاب والسنة) وهذا ما يجب أن تنبني عليه ثقافة البناء والنهوض إن أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن ننهض تبعا لخصوصيتنا ...
ولم يكن الإعلان العالمي ولنكُنْ صادقين مع أنفسنا سوى أداة في يد الدول العظمى تبرِرُ بها الحروب والإبادات ، ليُعبر بذلك عن الفجوة العميقة التي يعيشها الغرب من جراء الهوة العميقة بين نظامهم المثالي وواقعهم المظلم ...    
فيا أيها السادة المناضلون الأفاضل الذين تتحينون الفرصة لكي تتخيلوا واقعا يرقّ له دمع المتلقي ويبكي في صمته منه الإنسان المتنعمُ الحالم بغدٍ تسود فيه المساواة والحرية كأيّ أحمق في هذا العالم ، أما كان عليكم أن تتحروا الصدق في حديثكم هذا وأن تصفوا الواقع كما هو لا كما تخيله لكم أطماعكم الشرسة من نضالكم هذا ...؟
على الجميع أن يقف وقفة رجل واحد ويعمل جاهدا كي يتغير واقع المجتمع الذي لا يسمح بالتقدم ولا يساعد على حدوث التنمية ، من خلال محاربة كافة مظاهر الظلم والتهميش ومخلفات الاسترقاق وغُبنِ الإنسان واستعباده لأخيه الإنسان
لكن لا أجد تبريرا لمن يحاول الزجّ ببلده في خلافات تتحكم فيها قوى خارجية نحن لسنا أهلا لمجابهتها دمرت دولا أعظم منا وأكبر وأقدم تاريخا ،
كان عليكم أن تتساءلوا عن هدف حلم "مارتن لوثر كين" الذي يتجسد في أقصى مسعاه في أن يكون ـ مواطناـ يملك حق التعبير عن رأيه وعن صوته ، كان كذلك وضع المرأة مأساويا في أدبيات الأعراف الأوروبية ، حيث أنها لم تملك حق المواطنة في الدول الأوروبية إلا في أربعينيات القرن المنصرم ، وستعرفون من خلال تساؤلكم ذلك أن المواطنة التي يتمتع بها جميع الموريتانيين كانت أقصى حلم عند أؤلائك المقهورين والمظلون من فعل شرّ الرجل الأبيض صاحب العيون الزرقاء ....
ثم أن قضية السود أو الفئات الهشة التي أحب أن يبنى عليها النضال دون تميز أحد بلونه ، لا تتعدى كونها تهميشا اجتماعيا بسيط إلى ما يسمى العنصرية ، فالعنصرية أدهي وأمرّ ولا يمكن فهمها إلا بالرجوع إلى واقع أمريكا أثناء نجاح تجارة السود  في أمريكا ، وبعد عمق الجدل الذي كلفته أزمة العبيد ، ومن خلال الحياة العنصرية التي عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد تجريم الرق وتحريمه، حيث أنه كانت توجد مدارس للسود ومطاعم للسود دون البيض وكذلك مناطق للبيض دون السود وأسواق ....
ومع ذلك يقف مثقف مفوه فينا ويقارن وضع بلادنا بذلك الوضع المأساوي ، أو بوضع جنوب أفريقا التي قُتل فيها الناس جهارا نهارا ...
لقد مُورس الرق في المنطقة أول ما مُورس بفعل التجارة الأطلسية عندما بدأ البرتغاليين يتعاملون مع رجال البيظان من أجل جلب السود لهم، وقد خلد التاريخ معارك كثيرة بين الساكنة المحلية والبرتغاليين في أول ظهور أوروبي في ذلك السياق ورغم أن أهداف تلك المعارك كانت تتجسد في انزعاج الساكنة المحلية من خطف البرتغاليين السود بدل شرائهم منهم ،فإنها تعبر عن احتواء الأرض للبيض والسود وتناغمها في المنطقة ، " استخدم عبارة بيض وسود لأن خطاب المذكور كان يستخدم فيه المفهومين ويناقش القضية ويرجعها لأسباب فسيولوجية"
لقد كانت الحرب بين القبائل تدار في مجتمعنا من أجل عبد مملوك فكيف لا تتسع قيمته وتكبر بعد حصوله على حريته ، ونحن نتقاسم حضن الأرض واعتقاد الدين والمذهب وسلوك العرف والتقليد ...
إنكم تسعون في نضالكم هذا إلى قاع مظلم جدا وبحر لا ساحل له ، نعم من حقنا وأنا أولكم أن نرفض كافة أشكال الظلم والغبن والاستعباد ، على العلم أنه ليس السود المهمشيين وحدهم ، فهناك من كان له وزن اجتماعي كبير في القديم هُمش من خلال عداوته مع المستعمر ، وهناك البيض مهمشين أيضا ومن عارض ومن صارح ومن ناقش ومن تساءل ومن اختار كرامته عن الآخرين وقنع بما قُدِّر له في الحياة ، والنضال في ذلك يجب أن يكون من أجل الوطن ومن اجل استمراره ولا ينبغي أن نسعى بدوافع نضال شريف إلى الزج بالبلد في متاهات التآمر والتفريق.. 

22. مارس 2016 - 10:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا